كتاب لم يتعرض فقط لأنواع الفطر وألوانه وأشكاله وفنون طهوه .. بل فتنته كذلك! فهنا قصة أحدهم عشق الفطر حتى السميّة، وحدّث المؤلف عن تجاربه وتحريّاته وخبراته حول أصنافه، ومغامرات استكشاف النادر منه، وبثّه لوعته فيه وشجونه .. حتى اختفى في غموض على حين غرة دون أن يترك خلفه أي أثر! رغم هذا، لم أتمكن من تبيان الحكمة في ربط الفلسفة بغموض بفطر بري يتبرعم في غابات أوروبا!

وعلى الرغم من أن الكتاب الذي جاء عن ترجمة مباشرة من نصه الأصلي (Versuch über den Pilznarren. Eine Geschichte für sich – By: Peter Handke) لم يُصب أي نجمة من رصيد أنجمي الخماسي حيث طرحته أرضاً وأنا في بداياته، قد لفت انتباهي ما ورد فيه عن (أدب الفطر) والذي اقتبسه شهياً هنا (مع كامل الاحترام لحقوق النشر): “والثابت هو أنه لا يوجد فقط مراجع عن الفطر وكتب، بل هناك كذلك أعمال أدبية يحكي فيها أحد أنواع الفطر في سياق مرتبط بوجوده، ربما لم تظهر تلك المصادر إلا في العصر الأحدث أو بوجه عام بعد مرور الحربين العالميتين في القرن الماضي. لم تلعب أنواع الفطر دوراً يُذكر في أي كتاب في الأدب العالمي في القرن التاسع عشر تقريباً، وإن حدث فإن دورها كان صغيراً يمر مرور الكرام ودون علاقة بالبطل أيما كان، حيث كانت موجودة لذاتها مثلما الحال لدى الكاتبين الروسيين دوستويفسكي وتشيخوف“.

ختاماً، إنه الكتاب الأخير في خماسية الأديب النمساوي، والتي حاز بها جائزة نوبل في الأدب عام 2019 .. وهي تباعاً: (عن التعب / عن يوم ناجح / عن الموسيقى / عن الخلاء والسكون / عن عاشق الفطر)، غير أنها كانت صادمة بقدر التمجيد المصاحب لمؤلفها وإبداعاته، وبقدر ما تحمل دمغة (نوبل) على الأغلفة من جاذبية أدبية! وعني، لم أتمكن من إتمام كتابين من الخماسية، في حين بالكاد أتممت الثلاث المتبقية، وذلك لـ (الخواء) الذي حاول أن يتقولب في إطار أدبي أو فلسفي! هل كان للترجمة دور؟! لقد كانت متقنة إلى حد كبير، ما قد يحيل أصل الخواء على مادة الكتاب ومعانيه.

يبدو أنه ما كان ينقص هذه الخماسية حتى تكتمل .. هو التغني في عشق المشروم!

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (19) في قائمة طويلة من إصدارات فكرية خصصتها لعام 2023 والذي رجوت مع بدايته أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه .. وهو تاسع ما قرأت في شهر اكتوبر، وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض. لقد ضحيت بالوقت المخصص للقراءة من أجل أمور طارئة! لم يعد الأمر كذلك، والأشهر المتبقية لي من العام ستكون استثنائية في جودة الكتب .. كما رجوت!

من فعاليات الشهر: رغم الجدول المزدحم والإرهاق المصاحب، لدي إصرار على خلق الوقت للقراءة تباعاً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 419