مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
من امرأة القرآن إلى امرأة الفقهاء وصولاً إلى امرأة الحداثة .. هكذا تتدرج الباحثة الحصيفة في منهجية أكاديمية علمية، لتكشف وبموضوعية لا مجال فيها للتحيّز أو للشعارات الجندرية، عن سوأة الاختراقات الذكورية للتفاسير القرآنية التي اختصت بـ (امرأة القرآن)، حين عملت تلك الاختراقات المغرضة ابتداءً على ترسيخ أصل المرأة كأداة لإشباع الغرائز الجنسية والاستمتاع الجسدي وبقاء النوع البشري، مستعينة بالموروث الفقهي الذي تركه المتقدمون وحرص على تأصيله المتأخرون .. وهو ما يظهر في نمط (امرأة الفقهاء)، في الوقت الذي تزداد فيه وتيرة الضغط الممارس من قبل التيارات الدينية المتشددة وهي تعمد جاهدة على وأد أي بادرة لصعود نمط (امرأة الحداثة) التي استهلت حراكها أوائل القرن الماضي، وذلك حين اقتحمت وبجرأة مجال العلم والعمل!. بيد أن تلك الدعاوى الآثمة لها من الرسوخ في الوعي الجمعي والحضور الطاغي في ميادين الاجتماع والثقافة والاقتصاد والسياسة ….، بحيث ما أن يتعثر المجتمع في إصلاح الأزمات المتعلقة بها من منظور علمي وحداثي، حتى يصدح الخطاب الديني بإرجاع المرأة إلى حضيرة الفقه الذكوري وإخضاعها وتكبيلها بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان .. الموقف المتأزم الذي يعكس ثقافة ميسوجينية متأصلة تعكس بدورها من منظور أكثر شمولية البناء الإيديولوجي للمجتمع ككل.
وفي مقابل هذا الطوفان من التفاسير الازدواجية بين تقديس فرج المرأة والخوف منه على حساب تعزيز المركزية الذكورية القضيبية، تقف الباحثة بكل ما أوتيت من مدرّعات فكرية لتُبحر بها عكس الطوفان مع أقرانها الحداثيين من رجال ونساء، وضمن من سبقهم من باحثين في الفقه الإسلامي.
وعن الدراسة ذاتها التي جاءت أكثر موضوعية وأوضح حيادية وأذكى تمحيصاً وأرقى لفظاً وعبارة، فقد توسعّت فيها الباحثة من خلال خمسة فصول رئيسية هي:
وفي ثنايا الفصل الثاني، تؤكد الباحثة على أن النبي محمد وأخاه السيد المسيح (عليهما السلام)، لم يكونا سوى نسويين، حسب التعبير الحديث، غير أن تابع الأخير بولس ونظيره المسلم عمر قد اختطا مساراً خلاف النهج الذي سار عليه معلميهما الكريمين من قبل. وأنا إذ استمر في نفس الفصل، أعرض ما علق في ذهني من مبحث (فقهاء امرأة الإسلام: متعة أم كائن إنساني؟) وتحديداً من جانب (التأديب والتحصين)، وباقتباس في نص نسوي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) .. وقد استنفد الكتاب رصيد أنجمي الخماسي كاملاً وبجدارة منقطعة النظير:
تكشف الباحثة عن وجه المنظومة الفقهية الذي يعكس بوضوح دلالات دينية واجتماعية تؤسس لدونية المرأة من تحت غطاء شرعي، تحصرها الباحثة في سبعة، هي:
وعن الحيض .. وما أدراك ما الحيض؟ الذي تشرّب عقول وقلوب الفقهاء حتى يكاد العاقل أن يظن بأحدهم الحيض لعمق ولوجه في مداخله! فبينما يحرّم شيخ الإسلام ابن تيمية وطء الحائض والنفساء ما يستلزم الكفارة إن تم، فإنه يبيح للزوج سبل استمتاع أخرى، فيقول:
“لكن له أن يستمتع من الحائض والنفساء بما فوق الإزار، وسواء استمتع منها بفمه أو بيده أو برجله، فلو وطئها في بطنها واستمنى جاز، ولو استمتع بفخذيها ففي جوازه نزاع بين العلماء”. تعقّب الباحثة بدورها قائلة: “لا يجيز ابن تيمية جماع الحائض، ولكنه يخرج بفتوى تجيز وطء الذكر للحائض حتى «برجله»، وعلى هذا لم ينظر شيخ الإسلام إلى جسد المرأة إلا من موقع متعة الرجل. وبصرف النظر عن شروط النظافة في العملية الجنسية، يكتسب «دم الحائض» رمزيته من عادات وتقاليد سادت عند اليهود واليونان وبعض الكنائس المسيحية وشعوب أخرى، فهو يشير إلى الدنس من جهة وإلى الأصالة والشرف الرفيع من جهة أخرى”.
تتبخر مع الكتاب نتن ديباجة (الإسلام كرّم المرأة) التي صاغها وتغنّى بها فقهاء وأد المرأة بمنأى عن جوهر الإسلام الذي أصّل لتكريمها .. تلك الديباجة التي بليت واهترأت فلم تعد رقع أولئك الفقهاء تسع ما أحدثوه من خرق في فقه المرأة الإسلامي، لا سيما بعد أن مزق أطرافه النسويات والنسويين على حد سواء .. شر ممزق!.
إنه كتاب جدير بالقراءة وإعادة القراءة.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (70) في قائمة احتوت على (105) كتاب، قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو سادس كتاب اقرؤه في شهر أغسطس من بين عشرة كتب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب في يوليو من نفس العام، ضمن (50) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة!.
لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (أغسطس)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“لا جديد غير القراءة .. ويستمر الحجر الصحي“.
تسلسل الكتاب على المدونة: 249
تاريخ النشر: يونيو 17, 2022
عدد القراءات:604 قراءة
التعليقات