مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
ما أشبه الليلة بالبارحة .. ويأبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه، ويأبى العرب إلا أن يعيدوا أمجاد عثراتهم، غير أن صمود طائفة من الأمة على الحق ظاهرين باقٍ إلى يوم الدين كقانون إلهي لا يحيد!.
يأتي الكتاب القصير في قالب مسرحية من ثلاثة فصول، تعرض ثورة الأحرار على الطغاة، وسقوط بعضهم أمام شهوة المال والمنصب والجاه، وبذل بعضهم أرواحهم رخيصة في سبيل إحقاق الحق والعدل وإرساء قيم الحرية .. وهنا يظهر البطل الثوري (غوما المحمودي) الذي ينتسب إلى إحدى القبائل العربية الليبية، وهو يثور على الحكم العثماني الذي أشبع العرب ظلماً وتقتيلاً مقابل تمييز الأتراك في كل شيء، كتوليتهم المناصب القيادية لا سيما في الجيش، وإعفاءهم من الضرائب، وإغداق الأموال عليهم .. حيث يستمر هو في كفاحه مع من معه ويتسبب في إلحاق خسائر فادحة في صفوف الجيش التركي، حتى استشهاده .. فتنتهي المسرحية وهي تعرض الصراع الدائم بين الحق والباطل، وإعلاء قيمة الموت في سبيل الحرية، ونبذ الذل والاستسلام وخيبة الآمال.
ومن المسرحية التي تحظى بنجمتين من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس في نص ثائر (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ثورة غوما وهو يلوّح بسيفه ويرد على أنصاره حين سألوه “ما العمل؟” وقد أخذوا يندبون حض العربي العاثر الذي اكتفى بصنع النعال والخيام والأوتاد في الوقت الذي يتشامخ فيه التركي ببناء الأساطيل .. العربي الذي يزرع النخيل ويقدم البلح للتركي يأكله هنيئاً مريئاً، وهو يعلوه بكرباج العبودية .. فيجيب قائلاً: “الثورة .. الخليفة العثماني يحكمنا باسم الإسلام فأين مساواة الإسلام والدولة نصفها سادة ونصفها عبيد؟ يجب أن نطالب بالمساواة بوظائف الدولة وقيادات الجيش وأن نقرر ضرائبنا بأنفسنا”.
يقول الشاعر الفلسطيني عبدالرحيم محمود في مطلع قصيدته التي كتبها قبل عشرة أعوام من استشهاده، في معركة الشجرة عام 1948:
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
كلمات كُتبت في ثمانينات القرن الماضي، لا يزال صداها يتردد إلى اليوم مدوياً مؤكداً أن الفكر الحر كأصالة الذهب .. ولا يزال د. مصطفى محمود، المفكر (الغائب الحاضر) .. بأصالة فكره، وصدق منهجه، وإخلاصه لما يعتنق.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل المسرحية (40) في قائمة ضمت (85) كتاب قرأتهم عام 2019، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (80) كتاب فقط! وهي ثاني ما قرأت في شهر يوليو ضمن عشرة كتب .. وقد قرأتها ضمن مجموعة من إصدارات المفكّر خلال أسبوع خصصته لإعادة قراءة بعض من إصداراته .. وقد حصلت عليها من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2018 ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
تسلسل المسرحية على المدونة: 155
تاريخ النشر: أبريل 29, 2022
عدد القراءات:362 قراءة
التعليقات