الكتاب
رسالة التوابع والزوابع
المؤلف
المترجم/المحقق
بطرس البستاني
دار النشر
دار صادر للطباعة والنشر
الطبعة
(2) 1996
عدد الصفحات
154
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
08/05/2020
التصنيف
الموضوع
مخيلة أدبية عند شاعر أندلسي
درجة التقييم

رسالة التوابع والزوابع

رحلة خيالية عبر عالم الأرواح، طاف بها أبو عامر ابن شُهيد الأندلسي برفقة صاحبه من الجن زهير بن نمير، على توابع الشعراء والخطباء ودواب الجن الأخرى، واتصل بهم من خلال مساجلات شعرية ونثرية، بعضها ظريف انتهى باستحسان الطرفين، وبعضها كان على قدر من الشر انتهى بالتنكيل.

يأتي في معنى التابع أو التابعة: الجني من الجنسين من يحب إنسياً من الجنسين، ويتبعه أينما ذهب! أما الزابع أو الزابعة (والجمع زوابع) فتقول المعاجم بأنه: رئيس للجن أو اسم لشيطان .. وفيه أيضاً: ريح تثير الغبار .. وقد اتصل ابن نمير بأبي عامر عندما تراءى له وهو ينظم الشعر خالياً، فأجازه، فتعارفا ثم ارتحل به نزولاً على طلبه إلى وادي الجن، حيث التقى فيه بمن التقى من توابع الشعراء!.

وعن صاحب الرسالة، فهو أبو عامر أحمد بن أبي مروان عبدالملك بن مروان بن أحمد بن عبدالملك (382 هـ – 426 هـ)، من شُهيد، ولد في قرطبة لأسرة مرموقة تولى عدد من أفرادها مناصب هامة في الأندلس إبان حكم الدولة الأموية، كجدّ أبيه الذي لُقب بـ (ذو الوزارتين). نشأ في جو من الترف والبذخ والجاه والسلطة، وتولى بدوره منصباً وزارياً، وبرع في الشعر والأدب.

تأتي رسالة ابن شهيد معبرة بما حمل من مشاعر نحو عدد من أساطين الشعر والأدب العربي، ممن عاصر وممن لم يعاصر، وقد خصّ من طابت معه عشرته بجميل القول، واستشفى لغليله من خصومه!.

تأتي الرسالة -التي تستقطع نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي- في كتابين:

  • الكتاب الأول: ابن شهيد الأندلسي
  • الكتاب الثاني: رسالة التوابع والزوابع:
    • المدخل: زهير بن نمير
    • توابع الشعراء: شيطان امرئ القيس / شيطان طرفة / شيطان قيس بن الخطيم / صاحب أبي تمام / صاحب البحتري / صاحب أبي نواس / صاحب أبي الطيب
    • توابع الكتاب: صاحبا الجاحظ وعبد الحميد / رسالة الحلواء / صاحب الإفليلي / صفة برغوث / صفة ثعلب / صاحب بديع الزمان رجع إلى أنف الناقة / صاحب أبي اسحاق بن حمام
    • نقاد الجن: مجلس أدب
    • حيوان الجن: لغة الحمير / الأوزة الأدبية

ومن أجواء الرحلة التي تحاكي أفلام خيالنا العلمي، أقتبس في نص عتيق ما قال في الفقيه والوزير والشاعر والأديب/ أبو بكر بن حزم الأندلسي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

“لله أبا بكر ظنٌّ رميته فأصميتَ، وحَدسٌ أملته فما أشويت أبدَيتَ بهما وجه الجليّة، وكشفت إن غُرَّةِ الحقيقة، حين لمحت صاحبك الذي تكسّبته ورأيته قد أخذ بأطراف السّماء، فألف بين قمريها، ونظم فرقديها، فكلما رأى ثغراً سدَّه بسُهاها، أو لمَح خرقاً رمَّه بزُباناها، إلى غير ذلك. فقلت: كيف أوني الحُكم صبياً، وهز بجدعِ نخلة الكلام فاسّاقط عليه رُطباً، أما إن به شيطاناً يهديه، وشيصباناَ يأتيه وأقسم أنَّ له تابعة تُنجدُه، وزابعة تؤيدّه، ليس هذا في قدرة الإنس، ولا هذا النفس لهذه النفس. فأما وقد قُلتها، أبا بكرٍ، فأصِخ أسمعك العجب العُجاب: كنت أيّام كُتاب الهجاء، أحِنُّ إلى الأدباء، وأصبُو إلى تأليف الكلام؛ فاتبعتُ الدَّواوين، وجلستُ إلى الأساتيذ، فنبض لي عِرقُ الفهم، ودرَّ لي شريانٌ العلم، بموادَّ روحانية، وقليلُ الالتماح من النظر يزيدني، ويَسيرُ المطالعةِ من الكتب يُفيدُني، إذ صادف شنٌّ العلم طبقة. ولم أكُن كالثلجِ تقتبس منه ناراً، ولا كالحمار يحملُ أسفاراً. فطعنت ثُغرة البيان دراكاً، وأعلقتُ رجل طيره أشراكاً، فانثالت لي العجائب، وانهالت عليَّ الرغائب. وكان لي أوائِل صبوتي هوى اشتدَّ به كلفي، ثم لحقني بعد مَلَلٌ في أثناء ذلك المَيل. فاتفق أن مات من كنتُ أهواه مدَّة ذلك المَلَل، فجَزِعتُ وأخذتُ في رثائه يوماً في الحائرِ، وقد أُبهمت علي أبوابُه، وانفردتُ فقلت:

تولى الحِمامُ بظبيِ الخُدُورِ         وفازَ الرَّدى بالغزالِ الغريرِ

إلى أن انتهيتُ إلى الاعتذارِ من المَلَل الذي كان، فقلت:

وكنتُ مَلِتُكَ لا عن قِلىً        ولا عن فسادٍ جرى في ضميري

فأُرتجَ عليَّ القولُ وأُفحمتُ، فإذا أنا بفارسٍ ببابِ المجلِس على فرسٍ أدهم كما بَقَل وجهُه، قد اتكأ على رُمحه، وصاح بي: أعجزاً يا فتى الإنس؟ قلتُ: لا وأبيك، للكلامِ أحيان، وهذا شأنُ الإنسان! قال لي: قُل بعده:

كمِثلِ مَلالِ الفتى للنعيم .. إذا دامَ فيه، وحالِ السُّرورِ

فأثبتُّ إجازته، وقلت له: بأبي أنت! من أنت؟ قال: أنا زُهيرُ ابن نُمير من أشجعِ الجنِ. فقلتُ: وما الذي حداكَ إلى التصوُّرِ لي؟ فقال: هوى فيك، ورغبةٌ في اصطفائك. قلت: أهلاً بك أيها الوجهُ الوضاح، صادفن قلباً إليك مقلوباً، وهوى نحوك مجنوباً. وتحادثنا حيناً ثم قال: متى شِئتَ استِحضاري فأنشد هذه الأبيات:

والي زُهيرَ الحُبَّ، يا عز، إنه                 إذا ذكرته الذَّاكراتُ أتاها

إذا جرتِ الأفواهُ يوماً يذكرها                يُخيَّلُ لي أني أقبَّلُ فاها

فأغشى ديار الذَّاكرين، وإن نأتُ          أجارعُ مِنْ داري، هوى لهواها

وأوثب الأدهم جدار الحائط ثم غاب عني. وكنتُ، أبا بكرٍ، متى أُرتِجَ عليَّ، أو انقطع بي مسلك، أو خانني أُسلوبٌ أنشدُ الأبيات فيمثَّل لي صاحبي، فأسيرُ إلى ما أرغب، وأدركُ بقريحتي ما أطلُب. وتأكدت صًحبتنا، وجرت قصص لولا أن يطول الكتابُ لذكرتُ أكثرها، لكني ذاكرٌ بعضها”.

يتعرض بطرس البستاني -وقد قدّم للرسالة وصححها ونقحها وشرحها وبوّبها وأرّخها- إلى ما دار حول الرسالة من جدل، إذ تتقاطع في مضمونها مع رسالة الغفران لصاحبها أبو العلاء المعري، وقد زار فيها الآخرة بدوره في فنتازيا مختلفة .. غير أن فصل القول في رسالة ابن شهيد، هي أنها سبقت رسالة المعري بعدد سنين. ثم يتعرض البستاني لمقابلة طريفة بينهما! فبينما أتت لغة التوابع منمقة مزخرفة ببديع الصور والأطياف، أتت رسالة الغفران جافة في لغة التصوير، باستثناء ما أورده من آيات قرآنية، غير أنها كانت عميقة الفكر وعلى درجة من السحر والجاذبية .. قد يعود السبب في ذلك بطبيعة الحال إلى العمى الذي أصاب المعري في صغره!. أما هذا الفصل فيعيد لي ما دار حول رسالة المعري وكوميديا دانتي الإلهية من جدل آخر، فيما إذا كان دانتي قد اقتبس من رسالة الغفران -وقد سبقه- تصوراته وهو في رحلته الأخروية نحو الجحيم والمطهر والفردوس.

أخيراً، لم يكن السبب وراء الحماس الذي دفعني لقراءة هذه الرسالة في وقت تزاحمت من حولي الكتب، هو عشقي لتاريخ الأندلس، بل كان سبباً (روحانياً) آخر .. لا أبوح به!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (69) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو خامس ما قرأت في شهر أغسطس من بين عشرة كتب. وقد حصلت عليه من مكتبة نيل وفرات الإلكترونية، ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة!

لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (أغسطس)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

لا جديد غير القراءة .. ويستمر الحجر الصحي“.

تسلسل الكتاب على المدونة: 248

تاريخ النشر: يونيو 16, 2022

عدد القراءات:715 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *