الكتاب
قلق السعي إلى المكانة: الشعور بالرضا أو المهانة
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Status Anxiety - By: Alain de Botton
المترجم/المحقق
محمد عبدالنبي
دار النشر
دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة
(2) 2019
عدد الصفحات
311
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
03/20/2024
التصنيف
الموضوع
سعار المكانة في عالم المادة
درجة التقييم

قلق السعي إلى المكانة: الشعور بالرضا أو المهانة

يصف هذا الكتاب لهاث القلق المصاحب للسعي المحموم نحو إشباع سعار الحياة المادية، وما تتطلبه من أدوات تخدم متطلبات المقام الرفيع فيها .. المقام الذي يعكس قيمة المرء وأهميته بين أفراد المجتمع. وعلى الرغم من اختلاف نوع المكانة التي قد يمنحها المجتمع لأفراده بناءً على مهارة ما كالصيادين، أو إنجاز ما كالمحاربين، أو مقام ما كالعائلات النبيلة، فإن المكانة الأكثر رفعة قد باتت تلك التي تُمنح مقابل ما يحوزه الفرد من مال. لا يخفى ما للمكانة الرفيعة من مزايا تُلحق بها بالضرورة، كالراحة والحرية والوفرة وأهمها الشعور بالتقدير، والذي قد يظهر في تمتع صاحبها بنصيبه من الدعوات في المناسبات الاجتماعية المرموقة، والحظوة البارزة من الاهتمام، ونصيبه الأوفر من الإطراء، بل ومن صور التملّق في مجاراة ما قد يطلقه من طرائف تافهة .. وفي حين أن الكثير من البشر يعد هذه المكانة الرفيعة أحد أفخر المتع الدنيوية، فإن القليل منهم يعترف بذلك صراحة.

يصف المؤلف هذا النوع من القلق بـ (الخبيث) لما له من قدرة على تعكير صفو الحياة، في خشية الفشل من مجاراة معايير النجاح التي عادة ما يفرضها ذلك المجتمع المحموم، وفي التجرّد من ثم من منزلة الشرف والمقام الرفيع، بل قد يتطاول هذا القلق ليضرب المنزلة المتواضعة التي يتمتع بها الفرد فعلياً وخشيته من التردي أكثر وأكثر عنها في قريبه العاجل! قد يتسبب في إثارة هذا القلق بين أفراد المجتمع عوامل خارجية، كالركود الاقتصادي، والاستغناء عن العمالة الفائضة، وسلم الترقيات ونظام التقاعد، والإعلام الذي يحرص على إبراز علية القوم باستمرار كفئة أكثر نجاحاً وتميّزاً في المجتمع. بيد أن الحسد كعامل داخلي يتولّد عن هكذا وضع اجتماعي، يبقى مستتراً، وذلك لحرص الأفراد على عدم كشف تلك (الدراما) التي تعتمل في دواخلهم، بحيث يُصبح أي إعلان لها بمثابة (طيش اجتماعي)، في حين تتسرّب بعض الإشارات الدالة عليها، في نظرة تكتسي بالهموم، أو في ابتسامة باهتة، أو في حوار يطول عن إنجاز أحرزه أحد ذوي المكانة الرفيعة.

يعتقد المؤلف أن مصدر هذه الدراما النفسية تتعلق في الأساس بموقع كل فرد على السلم الاجتماعي، وبصورته الذاتية التي يرسمها له الآخرون كما يرونها .. وباستثناء الشخصيات البارزة في التاريخ الإنساني -كيسوع المسيح والفيلسوف سقراط- فإن مدى تقبّل كل فرد لنفسه يعتمد على مؤشرات الاحترام التي يكنّها أفراد المجتمع له. لذا، يجد المؤلف أن إحراز هذه المكانة مهمة بالغة الصعوبة، بل وإن المحافظة عليها بعد إحرازها ولمدى طويل لهو أشد صعوبة! وفيما عدى المكانة الرفيعة التي تتحدد بحكم المولد ضمن أسرة عريقة، فإن المكانة تتحقق بشكل عام من خلال ما يتمكّن الفرد من تحقيقه بذاته .. الإمكانية التي قد تعيقها عوامل مختلفة، قد تتعلق بالاستعداد الوراثي كدرجة ذكاء متدنية، أو بوضع اقتصادي متدهور، أو بنظرة دونية للذات، أو بمكائد الآخرين وضغائنهم. حينها، يصاحب الفشل الشعور بالمهانة، وهو “وعي حارق” بعجز الفرد عن إقناع المجتمع بقيمته .. المجتمع الذي يقيّمه من خلال نجاحات الآخرين، وما يولّد له شعور آخر بالخزي والمرارة وانعدام القيمة.

بيد أن الجوع لبلوغ المكانة قد يصاحبه عدد من الفوائد، فيمكّن الفرد من الحكم بنزاهة على مواهبه التي يمتلكها، وتحديد طموحاته بموضوعية، ويدفعه نحو العمل والتفوق، ويمنعه من اعتماد سلوكيات غير ملائمة، ويخلق حالة من الوعي لدى أفراد المجتمع ككل واعتماد منظومة قيمية مشتركة فيما بينهم. وكما يقول المؤلف: “قلق المكانة هو الثمن الذي ندفعه مقابل إدراك أن ثمة تمييز متفق عليه بين حياة ناجحة وحياة غير ذلك”.

وكما أسماها المؤلف بالكيانات الخمسة، فإن (الفلسفة والفن والسياسة والدين والبوهيمية) ما كانت قادرة على التخلّص التام من التراتبية الهرمية للمكانة، أكثر من تمكّنها في إعادة تشكيل الوعي الجمعي بين مفاهيم النجاح والفشل، والجيد والسيء، والمشرّف والمخزي، وتأسيس تصنيفات جديدة لهذه التراتبية ترتكز على منظومة أخلاقية فرضتها، في حين لا يعترف بها عموماً الأغلبية من أفراد المجتمع، والتأكيد على “أن هناك أكثر من طريقة واحدة للنجاح في الحياة”.

ينقسم الكتاب الذي جاء في ترجمة متقنة بامتياز من نصه الأصلي (Status Anxiety – By: Alain de Botton) إلى جزئين رئيسيين يتفرّع عنهما مواضيع عدة، هي:

  • الجزء الأوّل: الأسباب
    • افتقاد الحب
    • الغطرسة
    • التطلع
    • الكفاءة
    • الاعتماد
  • الجزء الثاني: الحلول
    • الفلسفة
    • الفن
    • السياسة
    • الدين
    • البوهيمية

ومن الكتاب الذي حصد رصيد أنجمي الخماسي كاملاً، أقتطف ما راق لي باقتباس في نص رفيع (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • يقول المؤلف عن (رغبتنا في المكانة): إن الدافع المهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء على درجات السلم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطاً بما نراكمه من سلع مادية أو ما نحوزه من سلطة، بقدر ما يرتبط بمقدار الحب الذي نتطلع لأن نتلقاه نتيجة للمكانة العالية. فمن الممكن تثمين كل من المال والشهرة والنفوذ بوصفها شارات رمزية للحب، ووسائل للحصول عليه، وليس كأهداف في حد ذاتها“.
  • أما عن (الغطرسة والنفاق الاجتماعي) فيقدم المؤلف تحليلاً نفسياً قائلاً: ربما يكون الخوف وحده هو جذر المشكلة، لأن الواثقين في قيمتهم الذاتية لن يتسلّوا بتحقير الآخرين. وراء الاختيال والغرور يكمن ذعر مقيم، فحينما ننقل لبعض الناس الشعور بأنهم غير أكفاء لنا، يأتي القَصاص اللازم بشعورنا بالدونية إزاء أشخاص آخرين“.
  • وفي حديثه عن (المساواة والتطلع والحسد)، يتطرّق المؤلف إلى الفترة التي سبقت الثورات السياسية والاستهلاكية التي سادت القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث طغى في الجزء الأكبر من التاريخ الإنساني الاعتقاد بالتفاوت الطبيعي بين البشر، بحيث تطلّع القليل من الناس إلى تحقيق الثروات في حين رضي الباقون بالخضوع والاستغلال. فيقول: من الواضح أن بعض الرجال بطبيعتهم أحرار، وآخرين بطبيعتهم عبيد، والعبودية بالنسبة لهؤلاء الأخيرين أمر مُستحسن وصائب في الحين نفسه. هكذا أعلن أرسطو في كتابه السياسة (350 ق. م.) معرباً عن رأي تقاسمه جميع مفكري وقادة الإغريق والرومان، من دون استثناء تقريباً. في العالم القديم، لم يُنظَر إلى العبيد وأفراد الطبقات العاملة عموماً على أنهم بشر حقيقيون على الإطلاق بقدر ما اعتبروا مخلوقات من نوع ما تفتقر للعقل، وبالتالي فهي ملائمة تماماً لحياة العبودية، تماماً كما أن البهائم القوية ملائمة لحرث الحقول. أما فكرة أنهم قد يملكون حقوقاً وطموحات خاصة بهم فسوف يحكم عليها النخبة بأنها ليست أقل عبثاً من التعبير، مثلاً عن انشغالنا بشأن العمليات الفكرية أو مستويات السعادة لدى ثور أو حمار“.
  • يبدو أن هنالك طريقتان لجعل أي إنسان أكثر ثراءً: إما بتزويده بمال أكثر، أو بالحد من رغباته! وفي حين نجحت المجتمعات الحديثة في تطبيق الطريقة الأولى، فقد أشعلت في الوقت نفسه سعار البشر للمطالبة بالمزيد! غير أن الشعور بالثراء قد لا يغذيه كسب المال لدى بعض الأفراد، بحيث يصبح الترفّع العملي والعاطفي عن أولئك الذين يفوقونهم في الثروة هي الوسيلة الأنجح! ينقل المؤلف هذا الرأي عن الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، ويستمر موضحاً: قامت حجّة روسو على فرضية راديكالية. افترض أن الثراء الفعلي لا يتطلب امتلاك أشياء كثيرة؛ بل يتطلب بدلاً من ذلك امتلاك ما يصبو إليه المرء. الثروة ليست شيئًا مطلقاً، بل تتناسب مع الرغبة. ففي كل مرة نصبو فيها إلى شيء ولا نستطيع أن نناله نزداد فقراً، مهما زادت مواردنا. وفي كل مرة نشعر فيها بالإشباع والرضا بما بين يدينا يمكننا أن نعد من الأثرياء، مهما قل ما قد نملكه فعلياً“.
  • لقد كان (قطاع النساء) في المجتمع الغربي الأكثر نجاحاً في تغيير مكانته خلال القرن العشرين، حين شعرن بحقهن في طرح التساؤلات المعنية بمواقعهن في التراتب المجتمعي، وهو التقدم الذي عكس جانب من تطور الوعي السياسي آنذاك. يستشهد المؤلف في هذا بالأديبة الإنجليزية التي كانت من طلائع الحركة النسوية خلال تلك الفترة، ويقول: في عملها «غرفة تخص المرء وحده» (1929)، تبدأ فيرجينيا وولف بوصف زيارة قامت بها ذات خريف إلى جامعة كامبريدج، وبينما كانت هناك قررت أن تمر بمكتبة كلية ترينتي لتلقي نظرة على مخطوطين، هما قصيدة جون ميلتون لا يسيدس ورواية ثاكري تاريخ هنري إزموند. ورغم ذلك، فحين أوشكت أن تدخل ظهر أمامها «سيّد فضي الشعر، مستنكراً في طيبة بادية، متأسفًا في صوت خفيض وهو يشيح بي إلى الخارج قائلاً إن المكتبة غير مسموح بارتيادها للسيدات إلا في صحبة أستاذ من الكلية أو بخطاب توصية خاص». باستخدام نغمة ثانوية صغيرة، اصطدمت بأحد الأعمدة الفخمة الكبرى التي تقوم عليها المكانة الأدنى للنساء: أي الحرمان من الحقوق المتساوية بالرجال في التعليم العالي. نساء كثيرات إذا واجهنَ موقفاً مماثلاً لشعرن بوخزة ضيق، لكن قليلات منهن سيبدين رداً عملياً على الإساءة. وفضلاً عن ذلك فإن أغلبهن سوف يلقين باللوم على أنفسهن أو الطبيعة أو الله، أو أي شيء عدا التركيب الاجتماعي الذي يرتضي ذلك الاستبعاد. فعلى كل حال، لم تحظ النساء على مدى التاريخ قط بنفس حقوق الرجال في التعليم. ألم يسبق للكثير من بين أشهر الأطباء في بريطانيا -وكثير من الساسة كذلك- أن أشاروا إلى دونية عقل الأنثى من الناحية البيولوجية، وهي نتيجة مُفترضة لحجم الجمجمة الأصغر لدى النساء؟ فأي حق إذن تملكه أي امرأة في الاعتراض والتساؤل عن دوافع سيد صرفها بعيداً عن المكتبة، وخصوصاً إذا أوصل رسالته مصحوبة باعتذار وابتسامة مهذبة؟ غير أن هذه المرأة بالذات لم تركن إلى الصمت بسهولة. وقد اتخذت منحى سياسياً خالصاً ومثالياً حين لم تسأل نفسها، ما الخطأ في حتى لا يُسمح لي بالدخول للمكتبة؟ ولكنها تساءلت ما الخطأ في أمناء المكتبة العامة حتى لا يسمحون لي بالدخول؟“.

أخيراً أقول وأنا استلهم خاطرة من بين ثنايا الكتاب: قد ينأى أصحاب النفوس الرفيعة بأنفسهم عالياً وهم في خضم عالم محموم بسعار المادة وترف المكانة، فيخلقون تلك الأبراج العاجية التي تزداد علواً أكثر فأكثر حتى ينعزلون شيئاً فشيئاً عن زحام الحشود المسعورة .. فيتنسمون هواء العزلة النقي، ويتشرّبون النسيان في كؤوس الأساطير المذهبة، ويسكرون بالشعر والحب والغناء في لحن أبدي.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (24) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب (4) ضمن قراءات شهر مارس .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2019 ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

وعلى رف (علم الاجتماع) في مكتبتي، عدد كبير من الإصدارات  .. أذكر منها: (الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية) – تأليف: د. مصطفى حجازي / (الأنا وجحيم الآخر: ديناميات العنف في المجتمعات المتشظية) – تأليف: ثامر عباس / (نساء عراقيات: وجهة نظر اجتماعية) – تأليف: لاهاي عبدالحسين / (الأخلاق: الضائع من الموارد الخلقية) – تأليف: د. علي الوردي / (غرق الحضارات) – تأليف: أمين معلوف / (الشعبوية أو الخطر الداهم) – تأليف: حسن أوريد / (العنصرية كما أشرحها لابنتي) – تأليف: الطاهر بن جلون / (عبادة المشاعر) – تأليف: ميشيل لاكروا / (الغوريلا الخفية: ماذا يمكننا أن نفعل حيال الأوهام اليومية؟) – تأليف: كريستوفر تشابريس / (التطور الراهن للعالم) – تأليف: غوستاف لوبون / (شبكات التواصل الاجتماعي) – تأليف: روبير ريديكير / (أنثربولوجيا الحواس) – تأليف: دافيد لوبروطون / (سلسلة السيولة) – تأليف: زيجمونت باومان / (الحقيقة: لمحة مختصرة عن تاريخ الهراء) – تأليف: توم فيليبس

من فعاليات الشهر: يقابله في العام الهجري 1445 شهر رمضان المبارك، والذي انقطع فيه عادة عن القراءة، غير أنني تمكّنت من استقطاع وقتاً يسيراً للقراءة في هذا العام، وكان مثمراً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 474

تاريخ النشر: مارس 31, 2024

عدد القراءات:53 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *