الكتاب
ميشيل فوكو وقضايا السجون
المؤلف
دار النشر
أفريقيا الشرق
الطبعة
(1) 2015
عدد الصفحات
117
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
11/21/2023
التصنيف
الموضوع
السجن كمنظومة عقابية لا تحقق غاياتها
درجة التقييم

ميشيل فوكو وقضايا السجون

ليس الحديث عن السجون وليد اللحظة إنما هو قديم قدم المجتمعات الإنسانية، غير أن فيلسوف القرن العشرين الأشهر، الفرنسي (ميشيل فوكو 1926 : 1984)، قد عرضت له نظرة مغايرة تناولها في ضوء سلطة المجتمعات الحديثة وممارساتها المعنية بفرض النظام وتحقيق الإصلاح، والتي لا تحقق بالضرورة غاياتها.

يضع الكتاب القصير باحث مغربي في الفلسفة والنقد الأدبي، وقد تناول موقف ميشيل فوكو من السجن كمنظومة عقابية تأتي في العادة بعواقب عكس ما هو مرجو من تشريعها، وقد عني بالعواقب تلك الآثار الراجعة التي قصد المشرّع السياسي والقانوني إلى تحققها عمداً! فبينما كان الهدف -على المستوى النظري- من خلق تلك المنظومة إصلاحياً، فقد حققت على أرض الواقع مقاصد المشرّع التي هي بالضرورة مغايرة، مثل “خلق الجانحين، تدبير اللاشرعية، ولادة الشخص المنحرف، ولادة علم الإجرام” حسب اعتقاد فوكو .. وهي تكلفة اعتبرها باهضة في خلق السجون حين مقارنتها بالعوائد الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية المتوقعة! وهو فيما قدمه من مقاربة فلسفية تتبعت الأسس والمفاهيم والاتجاهات التي خطت عليها البشرية لتمكين منظومة السجن كأداة تأديب، والتي عُقدت في المجتمعات المعاصرة بين (الذات والسلطة)، تصبح المدرسة الراعي الأول لمنظومة الجزاء والعقاب، تليها المؤسسات السلطوية الأخرى.

يولي الباحث كتاب ميشيل فوكو (الحراسة والعقاب) أهمية خاصة في عرض رؤيته للنظام العقابي-الجزائي، وأدوات السلطة في فرضه والمتمثل في “التعذيب فالعقاب ثم التأديب”، وهي الرؤية التي زعزعت التصورات التقليدية حول الانحراف وأدواته العقابية ومن ثم عواقبه الاجتماعية، وقد أصبح كتابه مرجعاً هاماً لدى رجال القانون وعلماء الإجرام والقائمين على مؤسسات السجون ككل.

يرتكز الباحث في طرح هذه الدراسة على ثلاثة محاور رئيسية، يختمها بملحق يعرض فيه بعض النصوص التي كتبها فوكو حول قضايا السجون والعقوبات، وبعض اللقاءات التي تم عقدها معه وقد ظهرت على شكل سؤال وجواب.

والمحاور هي:

  • المحور الأول: حول اهتمام فوكو بالسجون: وفيه استقصاء لدوافع فوكو في اهتمامه بالسجون.
  • المحور الثاني: السلطة التأديبية أو التأديبات: وفيه يظهر التعذيب كآلة عقابية في يد المشرّع السياسي، ثم ولادة السجن كمرحلة انتقالية من العقوبة إلى الإصلاح فالتأديب، انتهاءً بفشله.
  • المحور الثالث: ولادة السلطة الحيوية: وفيه تظهر قوة الشرطة كمظهر لسلطة الدولة الحديثة -لا سيما العقلانية- وتطور آلية التأديب فيها.

ومن الكتاب الذي أنهيته في جلسة واحدة واستحق واحدة من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس ما جاء في (ظهور الشخص الخطير) وما أنتجه المسار العقابي من مسلك منتظم يربط بين (الشرطة والسجين والمنحرف) .. في نص قاسٍ (مع كامل الاحترام لحقوق النشر): لقد شكل الشخص الخطير ابتداءً من 1832 منعطفاً فاصلاً في تاريخ العقوبة، حيث سيتم اعتبار المحلل النفساني أو طبيب الأمراض العقلية قاضياً ثانياً، بالنظر إلى أن التقرير الذي سينجزه حول المنحرف، هو الذي سيحدد شرعية العقوبة. هكذا إذن سيمثل الطب رهاناً اجتماعياً وسياسياً لا يمكن فصله عن السلطة التأديبية وعن التحولات التاريخية للمجتمعات الغربية الصناعية في انتظامها مع التطور الرأسمالي. في هذا السياق التاريخي والثقافي تمت ولادة علم الإجرام الذي يلزم النظر إليه ضمن أفقين“. وبينما يحدد الباحث الأفقين في (أفق العلاقة بين السلطة والمعرفة) و (أفق الجينيالوجيا)، يقول عن الأفق الأول: ذلك أن السجن ليس فضاءاً لتنفيذ العقوبة فقط، وإنما هو أيضاً فضاء لمعاينة ومراقبة الأفراد الجانحين بالمعنى الذي يفيد معرفة كل سجين من حيث السلوك والدوافع، الأمر الذي يعني أن السجون هي مجال لتكوين معرفة طبية حول السجناء. تتميز المعرفة هنا بكونها مفكر فيها ومعدة بتصميم ودقة، كما أن الأفكار فيها هي بمثابة إجراءات للتصديق أو الرفض“.

ختاماً، ليست قضية السجون من وجهة نظر ميشيل فوكو مشكلة سياسية واجتماعية وأخلاقية وفلسفية تواجه المجتمع الحاضر وتستلزم بالتالي “تحرير الفرد من الدولة ومن مؤسساتها”، بل ما هو مطلوب حقاً هو تحرير الذات من النمطية التي فرضتها تلك الدولة بمؤسساتها، فيوصي قائلاً: “علينا أن نشجع على إبداع أشكال جديدة من الذاتية ترفض نمط التفريد الذي فرض علينا منذ قرون عديدة”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (25) في قائمة من (50) كتاب خصصتها لعام 2023 والذي رجوت مع بدايته أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه .. وهو رابع ما قرأت خلال شهر نوفمبر ضمن عشرين كتاب، وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

لقد قرأت للفيلسوف الفرنسي من قبل كتابه الأول (إرادة العرفان) ضمن رباعية (تاريخ الجنسانية)، وقد كانت الترجمة كارثية بحيث لم أتمكن من إتمامه، وحرصت على شراء الرباعية من جديد لمترجم آخر .. علّ وعسى!.

وعلى رف (أدب السجون) في مكتبتي عدد من الإصدارات، أذكر منها: (الفتاة الأخيرة) لمؤلفته (نادية مراد) / (شرق المتوسط) و (الآن هنا) لمؤلفهما (عبدالرحمن منيف) / (أسرار الصندوق الأسود) لمؤلفه (غسان شربل) / (موت الأبد السوري) لمؤلفه (محمد أبي سمرا) / (الساعة الخامسة والعشرون) لمؤلفه (قسطنطين جيورجيو).

من فعاليات الشهر: لا يزال جدولي اليومي مزدحماً .. ولا زلت أصارع الوقت لاستقطاع ما أمكنني منه للقراءة.

تسلسل الكتاب على المدونة: 425

تاريخ النشر: ديسمبر 10, 2023

عدد القراءات:379 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *