مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
المرأة .. ذلك المخلوق النوراني، الذي يقول عنه المعلم أوشو ما لم يقله عمّا عداه في حكمته العميقة عمق الحياة.
هنا حديث روحاني عن المرأة، عن جوهرها، عن قيمتها، عن مكامن قوتها، عن دورها في الحياة، عن صفات الحب والعطاء والفرح التي تجمّلها، عن عقلها وقلبها التي تجمع بينهما بذكاء وشفافية، عن طاقتها اللامحدودة التي لو أحسنت تفعيلها، لتنعّمت بمستقبل واعد، ولأنقذت البشرية من سعار الطمع والجنس والمنافسة والاندفاع والأنانية وغيرها من أزمات خلقها الرجل، عندما فرض سيطرته على الأجهزة الدينية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والسياسية، تؤزها جميعاً شوفينية ذكورية متأصلة، أولاً وأخيراً.
إنه إذاً المعلم أوشو من جديد .. أو تشاندرا موهان جاين (1931 : 1990) الذي تذكر شبكة المعلومات أنه ولد في الهند البريطانية، ودرس الفلسفة ودرّسها في الجامعات المحلية، ومن ثم تدرج في العلوم الصوفية ليُصبح (غورو) أو معلم روحاني فاقت شهرته حدود وطنه، ليصل إلى العالمية ويُلقب بـ (زوربا البوذي)، إشارة إلى توجهاته الانفتاحية رغم دعوته الروحية! ففيما يتعلق بنظرته إلى العلاقة الحميمية التي تبدو إباحية، ما أكسبه شهرة (معلم الجنس بلا منازع) كما تداولته الصحف العالمية، فإنه يجعلها بمثابة طاقة خلّاقة لا تقلّ أهمية عن الممارسات الروحية في تكامل بناء الإنسان، جسدياً ونفسياً وروحانياً. وبينما تختاره صحيفة (صنداي ميد داي) الهندية كواحد من عشرة روّاد شكّلوا مصير الهند، إلى جانب بوذا ونهرو وغاندي، تختاره صحيفة (الصنداي تايمز) البريطانية كواحد من ألف شخصية عالمية صنعت القرن العشرين، وهو الذي يصفه الكاتب الأمريكي (توم روبنز) بأنه “الرجل الأكثر خطورة منذ يسوع المسيح”. أما عن اسم شهرته الذي اختاره له مريدوه، فهو مشتق من اليابانية، وذو مقطعين، إذ يعني (أو) التوقير أو الامتنان، و (شو) الوعي الواسع أو الوجود الماطر .. بحيث يصبح معنى الاسم ككل (المحيط العظيم). والطريف أن الاسم يُقرأ كما هو من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، في إشارة إلى المعراج الروحي الذي واصل المعلم الارتقاء فيه، وعمل على توحيد الأقطاب والسمو فوق الثنائيات، في الكون المحيط.
تعرض صفحة المحتويات ثلاثة عشر فصلاً بعناوين وتفاصيل لا تقل في جاذبيتها عن محتوى الكتاب، وقد أضافت ترجمته التي جاءت على درجة عالية من الجودة، روحاً إلى مادته الخلّاقة، وأضفت من بديع اللفظ عذوبة مختلفة غير مستغربة وقد عنت بها امرأة. يسبق الفصول (تمهيد) عن مدى إمكانية الرجل التحدث عن النفس الأنثوية، والفصول هي كما يلي:
وفيه تساؤل حول الفروق الحقيقية بين المرأة والرجل
وفيه تساؤل حول الألم، كما تساءلت عنه من قبل امرأة، عند نبي جبران خليل جبران
وفيه تساؤل حول قبول أو رفض الحركة، ومدى تحمّل النساء لمسئوليتها
وفيه تساؤل حول الجموح الجنسي وقلق المرأة حيال العلاقة الحميمية
وفيه تساؤل حول صعوبة تمثّل الزوجين بعلاقة صداقة
وفيه تساؤل حول إمكانية الحب الحقيقي مع الإبقاء على (الأنا)
وفيه تساؤل حول قدرة الشريكين على المصارحة نحو استمرارية العلاقة بينهما، بدل الانغلاق
وفيه تساؤل حول صفات المرأة الأمومية وواجبات الأم ومسئولية الأهل تجاهها
وفيه تساؤل حول الإجهاض ووسائل منع الحمل وموقف الأديان المضاد منهما، والأسرة كنموذج اجتماعي رئيسي
وفيه تساؤل حول المرأة وطاقة الإبداع القدرة على توليد الفن عن رؤية وبصيرة وحب
وفيه تساؤل حول كراهية المرأة لجسدها والشعور بقبحه وما يعتريه من اضطرابات بيولوجية
وفيه تساؤل حول الفرق بين العقلين الأنثوي والذكري، والمعنى الجوهري للعقل
وفيه تساؤل حول أهمية التأمل وطرق التأمل الخاصة بالمرأة
يحصد كتاب المرأة الزهري الغلاف والمضمون، رصيد أنجمي الخماسي كاملاً وبجدارة رغم استحقاقه ما يفوق هذا المعيار من التقييم. ومنه، أقتطف زهرات مما علق في روحي بعد القراءة، وباقتباس في نص مخملي كروحها (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) وقد جاء في نسخته الإنجليزية بعنوان (The Book of Women: Celebrating the Female Spirit – By: Osho):
ليس مستغرباً على المعلم أوشو ضرب الأمثلة الواقعية وهو يجوب الروح في بعدها الأثيري، فيأتي هذا الكتاب حافلاً من جميل مضرب المثل، ما أسرد منه القليل فيما يلي: الرجل والحصان، الفتاة والجني، راهب الزن والتلميذ، المريض والتنويم المغناطيسي، الممرضات الحسناوات والمرضى، الطفل والطبيب النفسي، الملا نصرالدين والببغاء، عالم الرياضيات واللعبة اللغز، المرأة وجراحة التجميل …. ولمن أراد معرفة حكاية كل من هذه الأمثلة التي ازدوجت بين طرفين، فليقرأها في الكتاب ويجني الحكمة من ورائها.
رغم ما سبق، يشوب الكتاب بعض المآخذ التي أعرضها في عجالة كما يلي:
وعلى مكتبتي المتراصة الأرفف بما عليها، زاوية، تحوي من خزائن الحكمة ما جاد به الحكيم أوشو في كتبه، منها ما قرأت ومنها ما ينتظر. فبالإضافة إلى (كتاب المرأة: احتفالاً بروحية المرأة) أحظى أيضاً بـ: (الفهم / الإبداع / الشجاعة / عن المرأة / المركب الفارغ / الحياة والأبدية / كتاب الحكمة / الرحلة الداخلية / الثورة لعبة العقائد / الحرية: شجاعتك أن تكون كما أنت / الحدس: أبعد من أي حدس / النضج: عودة الإنسان إلى ذاته / لغة الوجود: ما وراء الحياة والموت / العلاقة الحميمة: لغز العلاقة الحامية / سيكولوجية الاستنارة والأجساد السبعة التانترا: الروحانية والجنس / سر التجربة الداخلية: رؤية التانترا / سر أسرار التانترا: تقنيات النور والظلام – أسمى من الأنا / سر أسرار التانترا: السمع والجنس – الاستنارة المفاجئة) .. ويبدو أن العدد آخذ في الزيادة.
ولا أطيب في مسك الختام من مَلَكَة (الإبداع) التي خصّ بها المعلم أوشو المرأة .. فهي تملك من عظيم القوة ما تهب به حياة للحياة، ما يعصف في الوقت ذاته بمركّب النقص الذي يطويه الرجل في داخله، فلا هو يحب بعمق ولا هو يخلق طفلاً، فإذا به يجري جري الوحوش في البرية من أجل إيجاد بدائل ينافس بها المرأة، فينحت ويرسم ويخطط ويبني .. لكن كل ذلك مجرد خلق موات! وما على المرأة في رأي المعلم سوى استكمال رحلة إبداعها في تؤدة وحب واطمئنان، والتعاطف في نفس الوقت مع أي غصص ودونية شعور من هكذا صنف! يقول في مسك حكمته: “نادراً ما يمكن للمرأة التي تحب أن تنزعج من الرسم، الشعر، الرقص، الخ، لكن الرجل الذي يحوي بداخله عقدة الدونية، لا يستطيع أن يحب بعمق ولا يستطيع أن يلد طفلاً! سيجد بعض البدائل لينافس المرأة. إنه يخلق لوحة، ويخلق نحتاً، ويخلق هندسة معمارية، ويخلق مناظر طبيعية لحديقة ما .. يريد أن يشعر أنه يستطيع أن يخلق أيضاً، وهذا ينتج عن شعوره بالدونية. يمكنه أن يرى المرأة ويرى قوتها الهائلة في خلق حياة، أما هو فيخلق تمثالاً لا روح فيه، مهما كان جميلاً، فهو ميت”. ويذكّرها أخيراً وليس آخراً “فقط قومي بأي محاولة إبداعية تريدينها، ولكن تذكري! لا يوجد دونية في داخلك كالرجل، لذلك لا يمكنك التنافس مع الرجل بأي شكل من الأشكال .. أنت في الأساس في مرتبة أعلى. الرجل فقير .. تعاطفي مع الرجال الفقراء”.
إنه حقاً كتاب لا متناه في الروعة!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً من المفكّرة: جاء تسلسل الكتاب (1) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لهذا العام .. 2022، وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في يوليو من عام 2020، ضمن (50) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة. وقد بدت دلائل هذا العام الجديد مبشّرة وأنا استهلّه بكتاب عن المرأة لا سيما من وجهة نظر روحانية متصوّفة.
أنشطة شهر يناير: حضرت معرض للكتاب في إحدى المدن العربية، وكانت الأجواء حافلة اضافة إلى احتفائي بما يزيد عن (120) كتاب جديد انضموا إلى مكتبتي الغرّاء كحصيلة مشترياتي من ذاك المعرض.
تسلسل الكتاب على المدونة: 334
تاريخ النشر: أغسطس 14, 2022
عدد القراءات:958 قراءة
التعليقات