مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
كتاب يدعو للعودة إلى الطبيعة، لذا فهو يتحدث ببساطة عن اليقظة! لا يعني المؤلف بها الاستيقاظ الجسدي من النوم، بل الاستيقاظ الواعي من الغفلة .. العقلية أو الفكرية أو الروحية، والوعي بأن الوعي الحالي محدود، وغير حقيقي بالضرورة، وزائف في كثير من الأحيان!.
تأتي هذه الغفلة كوليدة الأنا الزائفة .. الأنا الهشّة .. الأنا التي تبحث عن الانتماء لتكون .. سواء كان انتماءً عرقياً أو دينياً أو طائفياً أو سياسياً أو فكرياً، وكأن هذا الانتماء الشكلي يعمل كدعم للأنا وهي تشعر بالتهديد مما حولها، فتلوذ في طلب الحماية والأمان، غير أن هذا الانتماء لا يعمل سوى على فصل الأنا عن موطنها الأصلي .. عن الطبيعة، والتي لكي يتم إدراكها لا بد من الذوبان فيها، كما الموجة التي تسري في المحيط .. عندها! تتفتح البصيرة ويصبح الانتماء كونياً، ويتمكن المستيقظ من التحدث مع الطبيعة المتمثلة لحظتها في شجرة أو طائر أو مما حوله من جمادات يحسبها الآخرون هكذا .. أن يرى نفسه والطبيعة من حوله تنبض كروح واحدة .. تتلاشى الفوارق ولا يوجد أي اكتراث للموت بعدها .. فإنما الحياة تدفق لا نهائي!.. قد يولد المرء وهو يقظ، وقد يتدرج في الاستيقاظ إرادياً وهو ينخرط في المدارس الروحانية وممارساتها، وقد يستيقظ لا إرادياً إثر صدمة عاطفية أو صحية أو عائلية أو مادية أو مهنية .. تهزّ حياته، فيُخلق من جديد!
تتولد كل هذه المعاني وأكثر في فصول الكتاب الستة عشر، والتي يحصد بها رصيد أنجمي الخماسي كاملاً، وقد جاء في ترجمة متقنة جداً حين عني بنقله من لغته الأصلية (The Leap: The Psychology of Spiritual Awakening – By: Steve Taylor) المترجم والكاتب السوري د. محمد ياسر حسكي، والذي تذكر شبكة المعلومات عنه إضافة إلى حصوله على درجة الدكتوراه في الهندسة، تخرجه في كلية الطاقة من جامعة إركوتسك التقنية، وعضويته ضمن الأكاديمية الدولية في الهند والأكاديمية الروسية الخاصتين بما يُعرف بعلم السوجوك (SUJOK). وبينما يؤسس د. حسكي (مدرسة الريكي: طاقة النور) ينشر فيها من طاقة الحياة على من طلب التنوّر في عقله وقلبه وجسده وروحه، يعرّف نفسه كإنسان ناشر للوعي والجمال. لا تنمّ هذه الحرفية في ترجمة مادة الكتاب قولاً ومعنى، سوى عن مهنية عالية في الترجمة وتمكّن تام في موضوعه. وللمترجم إسهامات عديدة في ترجمة الكثير من الإصدارات العالمية، أذكر منها: أنا والرومي / عين الأنا / معنى السعادة / حديث السكون / الدماغ الخارق / اشف جسدك / الذات الشافية / الموروثات الخارقة / بيولوجيا الاعتقاد / قوة الدماغ / روح القيادة / الباب الثالث / عملية الحضور / آمن واستقبل / كتاب البهجة / ميتا إنسان / رغبات محققة / المركب الفارغ / الطريق إلى الحب / لا تستطيع إفساد يومي / الطاقة المدهشة للمشاعر / السعادة هي السبيل / الاتحاد مع الحياة / أنت ما تفكّر فيه / أموت كي أكون أنا / أستطيع أن أرى بوضوح الآن / الذات المرتبطة مع الذهن والجسد / ماذا لو كانت هذه هي الجنة / من الجنس إلى أعلى مراحل الوعي.
… والفصول هي:
ومنها، أدون مقتطفات مما علق في روحي بعد القراءة، وباقتباس في نص مشرق (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
“سيبزغ الجنس البشري مرة أخرى ..
كما يتفتح الذهن الذكوري الصارم البارد
إلى الروح الدافئة الناعمة لأنثى
عندما تبدأ أنفسنا الصلبة المتجمدة في الذوبان
والاندماج مع الطبيعة مرة أخرى
وكما تفسح الأنانية المجال للتعاطف
والتسلسل الهرمي للمساواة
وكما يسمو الدافع للاتصال فوق الرغبة في السيطرة
سيبزغ الجنس البشري من جديد”
ومما راق لي على المستوى لا أقول الشخصي، بل الروحي .. ما يلي من لآلئ:
ولأنني أرتجي عادة من كل كتاب أقرؤه، كتب أخرى سيُفتح لها المجال لاقتنائها، جاء هذا الكتاب على قدر ذاك الرجاء، .. حيث أسعى للحصول على عدد جيد من الكتب جاءت عرضاً في مادة الكتاب، منها: كتاب/ الحكمة من تجارب الاقتراب من الموت، لمؤلفه: د. بيني سارتوري – كتاب/ الوعي الكوني: دراسة في تطور التفكير البشري، لمؤلفه: ريتشارد بوكيه – كتاب/ الغريب، لمؤلفه: كولن ويلسون – كتاب/ التصوف، لمؤلفه: ف. سي. هابولد – كتاب/ اختبار قوة الآن، لمؤلفه: إكهارت تول – كتاب/ مركز السكون، لمؤلفه: ستيف تايلور – كتاب/ الأوبانيشاد (فلسفة هندية).
يتفاءل المؤلف وهو يختم كتابه باقتراب البشرية من الاستيقاظ الجماعي، والتي قد توفّر لها كل الأسباب الداعمة في تأكيد عملية التطور الآخذة بالصعود نحو مستويات خلّاقة وفاعلة من الوعي الكوني، والتي هي بطبيعة الحال لا تقف عند نقطة ما لتعبّر عن نهاية العملية التطورية، إنما هذه العملية في الوقت الحالي “تعبّر عن نفسها على نحو كامل لضمان أن نرتقي نحو الأعلى قليلاً حتى تتمكن القفزة من إتمام نفسها”.
وختاماً أقول:
إنه كتاب يعكس مأثور الحكمة كما ينقلها تراث الأدب العربي: (وَتَحْسًبُ أَنَّكَ جِرْمٌ صَغِيرٌ .. وَفيك انطَوَى العالمُ الأكبرُ)
وإن أمكنني القول: إنه كتاب يُشبهني ..
وهو كتاب بحق يستحق القراءة وإعادة القراءة!
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (23) في قائمة ضمت (57) كتاب قرأتهم عام 2021 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها وثلاثة كتب أعدت قراءتهم من جديد، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان أكثر بكثير، لكن لم تسمح ظروف الحياة لمجابهته! وهو سادس كتاب اقرؤه في شهر أكتوبر من بين تسعة كتب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في شهر يوليو من عام 2020، ضمن (50) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.
من فعاليات الشهر: لا شيء مميز، غير أن حماس القراءة أخذ يعلو شيئاً فشيئاً مع تسارع العد التنازلي نحو نهاية العام، وكتعويض عمّا فرطت من كتب أعددت لقراءتها فيما مضى من الشهور!.
تسلسل الكتاب على المدونة: 301
تاريخ النشر: يوليو 13, 2022
عدد القراءات:569 قراءة
التعليقات