الكتاب
تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا
المؤلف
دار النشر
رياض الريس للكتب والنشر
الطبعة
(1) 2004
عدد الصفحات
313
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
01/24/2024
التصنيف
الموضوع
أرض كنعان الملهمة لأرض كنعان الجديدة
درجة التقييم

تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا

عبر الكلاسيكيات العبرانية والتي حرص مؤدلجوها على رسمها بعناية خلال القرنيين الماضيين، يعرض الكتاب (فكرة إسرائيل) ومولدها على أرض فلسطين مع طلائع الاحتلال البريطاني للقدس في التاسع من ديسمبر لعام 1917، وهي تتضمن المهمات الأساسية الثلاث التي لا تتحقق إلا بالعنف وحده، وهي: “احتلال بلاد الآخرين. استبدال سكانها بسكّان غرباء واستبعاد من يعصي منهم على الاستبدال. استبدال ثقافتها وتاريخها بثقافة المحتلين الغرباء وتاريخهم”.

كانت هذه الفكرة التي محقتها إرادة الكنعانيين الأسطورية في صورتهم البدوية من أرضهم مرة تلو أخرى، قد ألهبت مخيلة الحجاج الإنجليز قبل غزوهم القارة الأمريكية أواخر القرن السادس عشر! فمدينة (كايب كود) التي أصبحت فيما بعد (نيو إنجلاند-إنكلترا الجديدة) قد أطلق عليها أولئك القديسون الذين تسمّوا بـ (المستعبرين) قبل إبحارهم نحوها بـ (كنعان الجديدة)، أو بتخصيص أدق (كنعان الإنجليزية) بل و (إسرائيل الله الجديدة) و (أرض الميعاد) .. وقد اعتبروا أنفسهم الورثة الحقيقيون لليهود الذين تخلو عن جوهر رسالتهم المتمثلة في (فكرة إسرائيل)، فما عاد من (شعب مختار) يحمل رايتها وهو يمجّد الإله سواهم، وهو الشعب الأبيض المتحضّر الديمقراطي الذي نصّب عرشه فوق مقبرة جماعية لهنود حمر ينتمون لشعب بربري إرهابي منحط .. كما يؤكد المؤلف في مقدمة كتابه.

وعن المؤلف، فهو د. منير العكش، أستاذ الإنسانيات واللغات الحديثة في جامعة سفُك بولاية بوسطن الأمريكية، والذي صدر له العديد من المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية، تتضمن ترجمات ومجموعات شعرية. وهو يترأس كذلك تحرير مجلة جسور التي أنشأها عام 1991 والتي تصدر باللغة الإنجليزية بالتعاون مع جامعة سيراكوس في نيويورك، بالإضافة إلى مشاركته في إدارة أحد أبرز مراكز الأبحاث العربية في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أسس وترأس مجلتين علميتين، الأولى (2000) في لندن، والأخرى (صفر) في باريس. ويُذكر عنه تكريس جهوده في دراسة تاريخ الهنود الحمر وثقافتهم منذ وصوله الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أصدر في هذا ثلاث دراسات تتحدث عن الإبادة الأمريكية (الجماعية والثقافية والجنسية) ضدهم. وهو قد حصل على (وسام أوروبا) من البرلمان الأوروبي تكريماً لجهوده في مشروع حوار الحضارات العالمي. وككاتب ومفكر ومؤرخ، فإنه “سوري بالمولد .. فلسطيني بالاختيار” كما يحب أن يُعرف.

ينقسم الكتاب الصادم -وقد أصاب أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي- إلى قسمين رئيسيين، يتفرّع عنهما مواضيع ذات صلة، مع الملاحق وفهرسي الأعلام والأماكن في آخره. وهي:

  • القسم الأول: تلمود العم سام: حق التضحية بالآخر وتطبيقاته على الهنود الحمر والعرب
    • الفصل الأول: فكرة أميركا
    • الفصل الثاني من الافتراس إلى الهضم
    • الفصل الثالث: الثقافة المستباحة: شيء عن كارلوس كاستنيدا
    • الفصل الرابع: بيضة الأفعى
    • الفصل الخامس: العقيدة القيامية ودم الشيطان
    • الفصل السادس: يعبدون إسرائيل ويكرهون اليهود
  • القسم الثاني: أمبراطورية الله
    • الفصل الأول: حدود الإمبراطورية
    • الفصل الثاني: موسى العصر والنزعة القيامية
    • الفصل الثالث: حق الحرب
    • الفصل الرابع: فكرة أميركا وينابيع عنفها
    • الفصل الخامس: بحثاً عن أم

ومنه، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص صارخ (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • إن هذه النسخة الإنجليزية من (فكرة إسرائيل) قد لازمت التاريخ الأمريكي قبل ولادة الأب الروحي للصهيونية العالمية (تيودور هرتزل) بأكثر من ثلاثة قرون، وهي التي تبنّاها -إلى جانب اللاهوتيين في صيغتها المقدّسة- العلمانيون فيما يُعرف بالدين المدني، وهو الذي كان يعبّر عن “تاريخ القناعة الراسخة بأن الأميريكيين هم الإسرائيليون فعلاً وشعب الله حقاً”، عندما تلبّست (فكرة إسرائيل) جوهر (فكرة أميركا) وأصبح من المسلمّات، حسب رأي عالم الأديان الأميركي كونراد “أن الأمة الأميركية أقرب إلى الإسرائيليين الأوائل من أي شعب آخر على وجه الأرض. لهذا شاعت تسمية (أميركا الإسرائيلية) على بلادنا”.
  • ولأن الأرض، أي أرض، لا يفرّط بها أبناؤها، فقد كانت لتلك الفكرة المزدوجة أن تقدّس طقوس العنف، حيث أن “كل بلاغة العنف الأميركية كانت وما تزال تستمد استعاراتها من أدبيات (فكرة إسرائيل) وقصصها المقدسة وأنماط سلوك أبطالها” .. ففي الخطبة التي ألقاها “أحد أبرز أنبياء أميركا الإسرائيلية” أمام كتيبة الجنود المتوجهة لغزو الهنود، استعارات تنفخ الروح في الأساطير العبرانية وتسقط المعنى الإسرائيلي على أميركا، فما أولئك الجنود سوى “بنو إسرائيل في مواجهة العماليق” وما عليهم كأبناء إسرائيل الجدد “إلا أن ينقضّوا على أعدائهم بالطريقة التي انقض بها العبرانيون على أعدائهم العماليق .. فليُسحقوا كغبار تذروه الريح، وليُسكنوا مثل الوسخ في الشوارع، إلى أن يبادوا فلا يبقى منهم أثر”. وهكذا كانت أخلاق العنف التي اعتنقتها (فكرة اميركا) في حرب الإبادة التي شنّتها على الهنود الحمر، كما تحلّت بها من قبل (فكرة إسرائيل) التاريخية. غير أن لهذا العنف بُعد مقدّس يبيح قتل الهنود وإخضاعهم وسلب أرضهم وأرض آبائهم، وذلك من جانبين “تارة لأنهم عماليق أو عمونيون أو كنعانيون أوصت السماء بقتلهم أو تشتيت شملهم حتى يتم أمر الله بتأسيس إسرائيل الجديدة. وتارة لأن إبادة الرجال والنساء والأطفال وقتل المواشي وتدمير المدن وتقويض المعالم الثقافية لازم للحفاظ على نقاء شعب الله”، وكم تتقاطع هذه التبريرات مع ما لفّقه الصليبيون من أعذار لشن حملاتهم في القرون الوسطى، والتي استعذبها الإنجليز وتساموا في جرائم القتل والنهب والإبادة ضد الهنود الحمر “إلى مرتبة العبادة”.
  • لقد قدمت (فكرة إسرائيل) للشعب الإنجليزي المختار ما يحتاجه من منظومة أخلاقية متكاملة لاجتياح مجاهل القارة الأمريكية وإفراغها من شعبها الأصيل، وقد كانت (المجاهل) حينها تُعرّف بـ “كل أرض لا يسكنها إنسان أبيض”، فضلاً عن إيمانهم التام بأن الله يحارب معهم” والذي انضم من قبل مع ميليشيات المستعمرين الأوائل، “وأرسل الأوبئة رحمة منه لقطع دابر الهنود وإفراغ الأرض للإنجليز .. وهو الذي يزور البيت الأبيض من آن لآن ليكلم الرؤساء ويأمرهم بتحرير هذا البلد او ذاك”. ومع هذه القناعة التي ميّز بها إله الإنجليز الخبيث من الطيب، ورسم بهم الحد الفاصل “بينه وبين أولياء الشيطان”، فقد “تحولت كل مجاهل الأرض المرشحة للمصير الكنعاني إلى ممالك شر لا بد من تدميرها”.
  • ومع “حق الحرب” الذي منح به الإله شعبه الأنجلوسكسوني تفويضاً سامياً لاجتياح تلك المجاهل، وكأمانة في أعناقهم يعيدون بها صياغة العالم، فقد تفرّخت “عقيدة الحرب الوقائية” التي أجازت للولايات المتحدة الأميركية “اجتياح مجاهل العراق وتدميرها”، والتي عبّر عنها الحقوقي الأرجنتيني الحاصل على جائزة نوبل للسلام (أدولفو إسكيفل) في خطابه الموجّه لجورج بوش قائلاً: “تتحدث عن الله وأنت تكفر به، وتتحدث عن الحرية وأنت تدمرها، وتتحدث عن الديمقراطية والكرامة وأنت لا تتردد في التضحية بهما على مذبح مولوخ إله الدمار والدم الذي لا تعبد إلا إياه”.

 

تم نشر مراجعة الكتاب على جريدة الشرق

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (9) في شهر يناير، وضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024 والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه!

وعلى رف (السياسة) في مكتبتي، يصطف عدد من الكتب الحديثة، ومع الكثير من تلك التي تعود في إصداراتها الأولى إلى أعوام ماضية، وقد انتقلت إلى مكتبتي من مكتبة العائلة .. أذكر منها: (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) – تأليف: د. روجيه جارودي / (السيناريو القادم لأحداث آخر الزمان) – تأليف: منصور عبد الحكيم / (القوادون والسياسة: تاريخ البغاء في نصف قرن) – تأليف: عبدالله كمال / (إنهم يذبحون المسلمين: مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك) – تأليف: محمد جلال كشك / (عدنان خاشقجي والموساد) – تأليف: توحيد مجدي / (أفيون الحمقى: بحث في المسألة المؤامراتية) – تأليف: رودي رايشطات / (فن الحرب) – تأليف: سون تزو / (إمبراطورية شريرة: ما فعلته بريطانيا في الهند) – تأليف: شاشي ثارور / (سورية: الدولة المتوحشة) – تأليف: ميشيل سورا / (الطرائد: جرائم القذافي الجنسية) – تأليف: أنيك كوجان

من فعاليات الشهر: ومع الأمنيات التي حمّلتها العام الجديد مع انقضاء العام الفائت .. فلقد افتتحت في أول يوم قناة لطيفة على موقع يوتيوب، والتي سأخصصها لنشر مراجعات الكتب صوتياً.

ولا زلت أترقّب شحنة الكتب التي طلبتها من متجر نيل وفرات للكتب، والتي ستحمل لي أكثر من ستين كتاب. كم يبدو العام مثمراً بالخير مع تباشيره!.

تسلسل الكتاب على المدونة: 459

تاريخ النشر: يناير 26, 2024

عدد القراءات:186 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *