مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
كتاب فكري يحضّ فيه مؤلفه وبشكل عام على إعمال العقول والقلوب حول كل موروث ديني حمل بالتواتر صفة القداسة، إذ ليس كل ما تم اعتناقه كـ (سنة صحيحة) هو بالضرورة كذلك!. بعبارة أخرى، إنه بمثابة مبحث موضوعي حول صحة ما ورد عن النبي الأكرم قولاً وفعلاً، من خلال تسليط الضوء على الأثر الديني الذي اكتسب مع أصحابه قدسية توازي قدسية القرآن الكريم. وبشكل أكثر تحديداً، يتعرض المؤلف للإشكاليات الواردة في صحيح البخاري، وهو الكتاب الذي يجمع عليه علماء أهل السنة والجماعة -لا سيما التيار السلفي الجامي- بأنه (أصح) الكتب بعد القرآن الكريم، فيعرض عدد من التناقضات التي يزخر بها هذا (الصحيح) في حد ذاته من جهة، وبينه وبين القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من جهة أخرى، والعلم والمنطق والذوق العام من جهات أُخر، مستخدماً المنطق، والتحليل، والمقارنة، والنقد.
لقد سلك المؤلف بهذا طريقاً ملغّماً، من جانب ما تثيره الشبهات -لا سيما الدينية- من ردود أفعال عنيفة تصل إلى حد التكفير أو إباحة الدم، ومن جانب منزلة صحيح البخاري عند أتباعه التي تكاد تأخذ قدسية الوحي المنزّل المنزّه!. رغم هذا، فإن المؤلف يبرأ بكتابه عن أي شبهة تجنّي على شخص الإمام البخاري أو على حسن مقاصده في اجتهاده، بل أن غايته هي التأكيد على بشرية الصحيح الذي يتعرض بطبيعة الحال للنقد والرفض والمراجعة كأي كتاب، وتمزيق النسيج المقدّس الذي أحاط به منذ أكثر من ألف عام، وهو ليس بوحي على الإطلاق!. من ناحية أخرى، يتجرأ المؤلف في التصريح بأنه في الوقت الذي يعتقد فيه أغلبية المسلمين باجتهاد الإمام البخاري الذي لن يحرم أجره عند الله، فإن المؤلف يرى أنه أول من عمل على الخلط بين الوحي القرآني والقول البشري، والذي أدى إلى خلق حالة من التخبط يعاني منها المسلمين حتى يومنا الحاضر في كافة مجالات حياتهم.
يعرض فهرس الكتاب ثمان فصول شائكة، قد استحق بها أربع نجمات برّاقة من رصيد أنجمي الخماسي، أعرضها كما يلي:
وأعرض بدوري مقتطفات مما علق في ذهني بعد القراءة المتعمقة، مع الاقتباس في نص ملتهب كلهيب المتعصبين في ردود أفعالهم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، كما يلي:
ملاحظة: ترد بعض التعليقات في نص أزرق .. لا تعبّر سوى عن رأيي الشخصي.
…………….. هل أكتفي؟ إن الكتاب على قدر كبير من العلم والفكر والاجتهاد وإثارة للجدل!
كما يظهر جلياً، إن هذا الاجتهاد يعتبر بمثابة جرس تنبيهي، يشحذ الذهن في النظر حول المصداقية المطلقة الممنوحة مع مرتبة الشرف لبعض الموروثات الدينية والتي تتعارض مع القرآن الكريم، والمحجة البيضاء، والعقل المتدبر، والفطرة السوية، والذوق السليم. أيضاً، يحث على البحث والتحري الصادق والحيادي، بعيداً عن تتبع السلف شبراً بشبر وذراعاً بذراع … إلى جحر الضب! فليست أقوالهم منطوقة عن الهوى، ولا هم بالأنبياء المعصومين.
ومن المفارقات أن يحمل صحيح مسلم -وهو المصنف مع صحيح البخاري بأصح كتب الصحاح- حديث يقول: (عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: «لا تكتبوا عني، ومَن كتب عني غيرَ القرآن فَلْيَمْحُه، وحدِّثوا عنِّي ولا حَرَج، ومَن كذب عليَّ -قال همام: أحسِبه قال: مُتعمِّدًا- فَلْيَتَبوَّأ مَقْعَدَه مِن النار»). وهل مثل هذا التحذير الصريح بحاجة إلى إطناب تأويل وجعجعة فقهاء؟
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، يطرح أحدهم كتاباً بعنوان ذو سجع على غرار كتب التابعين، وهو: (جناية أوزون: عندما يتحدث الجنون) تطول وتمتد صفحاته كرد على الكتاب بين أيدينا (جناية البخاري: انقاذ الدين من إمام المحدثين) الذي لا تتجاوز صفحاته المائة ونصف. ولقد اطلعّت عليه بنسخته الإلكترونية، ووجدت القذف والسباب وفحش الخصام يحتل نصيب الأسد من صفحات الكتاب! لا عجب، إن هذا هو ديدن أهل التكفير!. أما عن الخلط المشار إليه بين الوحي الإلهي والحديث البشري، فقد سمعت عدد من أتباع الصحيح من يرتّله ترتيل القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، وينشر مقاطعه .. والله المستعان.
أخيراً، لقد أطربني إهداء المؤلف الذي وجه كتابه فيه إلى كل من يقدّر العقل ويحتكم به، وإلى كل من أضاء ظلام التبعية بشعلة الإبداع، ووهن القياس بشعلة الفكر، وإلى كل محب للبشرية باختلاف الأعراق والأديان. لقد استرجعت معه رأي فيلسوف العقلانية ابن رشد -الذي لاقى نصيبه من الوصم بالزندقة- حول جدلية العقل والنقل إذا تعارضا، إذ يقول بتقديم العقل وتأويل النص. وقد جاء ضمن مأثور أقواله: “إن الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً ويعطينا شرائعاً مخالفة لها”.
اللهم “وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (12) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة. وعن اقتنائه، فقد وصل إلى مكتبتي من إحدى المكتبات العربية في لندن، حيث الكتب العربية المحظورة في العالم العربي .. والمغضوب عليها.
لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.
تسلسل الكتاب على المدونة: 36
……………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………….
تعقيب:
قبل البدء وجب التنويه!
سيرد اسم (لحية / شارب محفوف) في التعقيب أدناه، والذي لا أنتقص به بتاتاً من شأن أي إنسان اختارهما لهيئته الشخصية، سواء كان ذلك لأسباب دينية أو ثورية أو ذائقية، إنما عنيت ما عنى به المتنبي في قوله (أَغايَةُ الدينِ أَن تُحفوا شَوارِبَكُم .. يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ)، من الحفاظ على قشرة الدين الخارجية وإهمال جوهره، وكأن اللحية أصبحت مرادفاً حرفياً لتقوى الرجل كما النقاب في الدلالة على صلاح المرأة.
يبدو وأن الكتاب (مصنف خطر) في شرقنا الأوسط، إذ حصلت عليه من أحد أفراد العائلة حين كنا نتسّوق معاً في إحدى مكتبات (شارع ادجوار Edgware Road) في مدينة لندن، وما برح يثير الجدل حين تحدثت به ونشرته سابقاً .. ولا أعلم أن تم تصنيفي بدوري كـ (WANTED) أو ليس بعد!.
وعلى الرغم من أن مكافحة ذلك الموروث الموبوء والجهاد في تبيان صوابه من عدمه لم يكن قضيتي يوماً قط، إذ لا يمسنّي من هراءه شيء ولم يُخلق من أتباعه من يجرؤ أن يملي عليّ من عقده ومعتقداته، بل أعيش كما يُملي عليّ ضميري نصب عيني الله .. ولا أحد سواه! غير أنني أهوى جزّ اللحى إن تطاولت ونهش لحوم أصحابها المسمومة .. والسم الذي لا يقتلني يزيدني قوة!.
استحضر سؤال شارب محفوف عن مدى طهري في مس هالة (صحيحهم) فضلاً عن درايتي به! وفي حين قمت باستخدام سلاح التجاهل الأشد فتكاً بهؤلاء، فإنني وبفضل الله نشأت نشأة دينية، وأحفظ ثلثي القرآن الكريم، وعلى اطلاع كاف وواف بتفاسيره وبالعلم الشرعي عموماً، وبالصحيح خصوصاً الذي يصطف مع الكثير الكثير من الكتب الإسلامية على أرفف مكتبتي الغرّاء، جنباً إلى جنب كتب الأديان الأخرى والكتب الفكرية بتنوّعها .. ما عدا أبوابه المخصصة لفروج النساء النازفات حيضا المختونات بظرا، إذ يبلغ الغرور الأحمق بهؤلاء المهووسين في تمحيص تلك الفروج إلى درجة الظن بتعرضهم شخصياً للحيض الشهري .. والبيض إن شاءوا!.
وعن لحية لاح له الرد، فظن في غفلة من أمره أنه قادر على إفحامي بتحفة (لقد قال بهذا من هو أحسن مني ومنك)، فأقول: قد يكون أحسن منك .. نعم، أما مني فلا .. فلك أن تخسئ! وأقول بعد ذلك: إن كان للسابقين حقهم في إعمال عقولهم ومن ثم حقهم المحفوظ من التوقير فيما قدموا من اجتهاد، فلكل فرد الحق بالمثل، طالما ملك من العلم والحجة والاجتهاد ما يعينه على الإدلاء بدلوه.
ومع توقيري لمن اختلف وصان الأدب، فقد تهافت لحية آخر على مدونتي تدفعه حمية دينية نحو الصحيح ونخوة منقطعة النظير لصاحبيها البخاري وأبو هريرة! في حين لا أجد لترّهات أصحاب اللحى مكاناً في مدونتي، فقد استرعى انتباهي مدى ازدواجية أولئك في إباحة ما طاب لأهوائهم والنكران على غيرهم في مثله، لا سيما مع النساء! لقد اتهمني في جملة ما دسّ ولفّق قائلاً: “إن كنتي تبحثين عن تعليقات تؤيد قلمك فأنا لست منهم” .. وفي الوقت الذي أنكر عليّ فيه تقريب المؤيدين لرأيي -على افتراض أن زعمه صحيحاً وهو ليس كذلك- فقد تغافل عن تنطّعه في فرض رأيه ومن ثم توجيه أمره لمعاشر المسلمين والمسلمات بمطلق السمع والطاعة لكل ما يبّثه فقهاء الموروث الديني من غثّ وسمين .. هكذا تسليماً مطلقاً بلا عقل ولا تمحيص، وكأن موروثهم جاء وحياً من بعد رسول الله.
…. غير أن ما يثلج الصدر هو ما تشهده الساحة الحالية من ارتفاع عارم في وتيرة الأصوات والأقلام الواعية المطالبة بتنقية التراث من كل هراء يمسّ جوهر الدين الإسلامي، واندحار مخزي لفقهاء الخلف عن السلف ومن لفّ لفهم من اللحى .. غير مأسوف عليهم أجمعين! فبخ بخ، وجعل الله سعيهم مشكورا.
مشاكسة: أعتقد أن اللحية عندما تقصّى ما عقّبت به -وقد كان مهتماً وإن ادعى غير ذلك- بكى حتى ابتلت لحيته .. وحُق له!
لم أشأ أن أزد من بلّة الطين، لكن تهافت اللحى والشوارب المحفوفة على تقديس صحيح سيدهم البخاري والطعن في إيمان كل من شكك ولو بحديث واحد ورد فيه، يدفعني لأن أعرض -ومن غير تعليق- جملة مما ورد فيه من سموم لا يتجرّعها من كان يحمل مثقال ذرة من عقل أو ما دونها من كرامة إنسانية. وهي أحاديث أتيت عليها عن طريق مطالعاتي وليست بالضرورة نقلاً عما ورد في الكتاب بين أيدينا .. وقد تتضمن ما ورد في صحيح مسلم أيضاً، بالإضافة إلى ما حدّث أبو هريرة عن نفسه في عدم قدرته على رواية الحديث حتى وفاة الخليفة عمر بن الخطاب:
أخيراً، إن هذا الكتاب يتطابق مع كثير مما أعتقد، فالخطوط الحمراء العريضة التي تحمي شريعة الله لا ينبغي أن تُخترق بتراث مصنوع، حمله فلان عن فلان عن فلان في سلسلة مطولة من عنعنة تكاد لا تنتهي، بعد وفاة نبيها الأكرم بما يقارب قرنين من الزمان ونيف، ولا يُلزم بل ولا يشفع (علم رجال الحديث) عند من قدّر التكريم العقلي الممنوح له في تبرير امتياز القداسة المعطى لصحيح البخاري وإخوته من كتب الصحاح الأخرى .. “فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ”.
تاريخ النشر: مارس 19, 2021
عدد القراءات:1738 قراءة
التعليقات