الكتاب
حاء
المؤلف
دار النشر
الدار العربية للعلوم ناشرون
الطبعة
(1) 2016
عدد الصفحات
127
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
12/06/2023
التصنيف
الموضوع
حرف الحاء بين حب وحياة وحقيقة وحرية
درجة التقييم

حاء

كتاب يضم بين دفتيه اللطيفتين مجموعة مقالات .. تتفرق في (الحياة) على رحابتها، وتصب في سكرة (الحب) واستفاقته، وتسمو في (الحرية) بأبعادها الحسية والجوهرية، وتصدح في (الحقيقة) بحلوها وبمرها .. غير أن الأبجدية العربية قد ربطتها جميعاً من قبل بذكاء برباط (الحاء) في أولها، بصرف النظر عما آلت إليه في نهاياتها وقد تلقفّتها الأحرف الأخرى لتعبّر خير تعبير عن مكنوناتها.

تبدع الأديبة أيما إبداع في القراءة فلسفياً بين سطور الحياة، لتستنبط أصل الفعل لدى أبطالها .. ماضيه وانعكاسه في حاضرهم، والكلمة المنطوقة كإسقاطات لها دلائلها الغائرة في انفعالاتهم النفسية، والحكمة في القصة، والقصة في رواية ذات حبكة أو في شخوص ماثلة، وأولئك الشخوص الواقعين بين سطوة أعراف وتزمّت ديني وتطرّف جندري وتشرّد لم يقوى على جمع مفاصله سوى فنجان قهوة .. وكل ذلك في قالب لغوي أخاذ، بسيط في مفرداته وعميق في جوهره، على طريقة (السهل الممتنع) .. وبجدارة.

إنها بثينة العيسى، كاتبة كويتية حاصلة على درجة أكاديمية عليا في إدارة الأعمال، وعلى الرغم من أنها تتولى إدارة دار (تكوين) للنشر، فإنها تعرّف نفسها ببساطة على أنها (بائعة كتب). وبالإضافة إلى إصداراتها الأدبية والروائية التي نالت بها عدد من الجوائز، فهي عضوة في رابطة الأدباء الكويتية، واتحاد كتاب الإنترنت العرب، وقدّمت العديد من المحاضرات في الكتابة الإبداعية، كما أن لها حضور نشط في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

تنشر الكاتبة مقالاتها ابتداءً في مجلة الصدى الإماراتية، حتى آن أوان إتحاف المكتبة العربية بكتاب يضمّها. ومما علق في خاطري من كل حاء، أنثر شذرات في الأسطر التالية، وباقتباس في نص حميم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) وقد أصاب الكتاب أربعة من رصيد أنجمي الخماسي:

الحياة:

لا تهاب الكاتبة شر التكفيريين فتقرّ بالتبشير! تبشّر بالقصائد التي يتوضأ بدمها القلب ويتشرّبها الكبد .. تبشّر بالمقاهي التي لا تحتجب فتفتح مصاريع أبوابها على البحار ليل نهار .. تبشّر بالعشبة المتمرّدة التي تعاند البلاط المتحجّر فتعلو فوقه خضراء سافرة متبرّجة .. تبشّر بالأزهار وبالأغراب وبالأعشاش وبالأمطار وبالأرغفة وبالقطط وبالمتاجر وبالأفلام .. تبشّر بكل جميل والجمال عندها عقيدة!. لذا، تؤكد في مطلع مقالتها (أنا مبشّرة نعم) وتقول: أنا مبشرة نعم. أبشر بالكتب التي تجعل الأسئلة تتوهج. الكتب التي تقذفك بلا رحمة في القلق والأرق وحدّة السؤال. أبشر بالكتب التي تنتزع منك طمأنينة الوهم. أبشر بالكتب التي تجعلك ترتاب؛ ماذا لو كان كل شيء اعتقدته، تعلمته في المدرسة، أخبرني به أبواي، هو محض مغالطة للحقيقة؟ ما الحقيقة؟ أبشر بالكتب التي تدعو إلى الشك لا اليقين. أنا مبشرة نعم“.

الحب:

تبدأ الكاتبة مقالتها (الإنسان أم العلاقة) بسؤال حول أيهما أهم! هل هي الأمومة على حساب الأم؟ أم مجرد البنوة على حساب الابن؟ الصديق في ذاته أم الصداقة كمفهوم؟ الزواج كرباط أم الزوج في شخصه؟ قد يبدو سؤالاً غريباً في مجتمع اعتاد أن يغلّب شبكة العلاقات التي تحيط بالفرد على كيانه، وكأن لا وجود له إلا من خلال تشابكه بتلك الشباك! تؤمن الكاتبة بالشرائع التي خُلقت لخير الإنسان في المقام الأول، وتنكر على المجتمع حربه على الإنسان نصرة للعلاقات وإن كانت سامة. فتقول: “لا يستطيع المجتمع أن يتفهّم المرأة التي تقول بأنها «ليست جاهزة للإنجاب، وقد لا ترغب بذلك أبداً». لا يستطيع المجتمع أن يتفهم الرجل الذي يقرّر بأنه مرتاح في عزوبيته ولا يفكر بالزواج. لا يستطيع المجتمع أن يغفر للولد الذي يقول بأنه لن يغفر لأبيه؛ لأنه جلده بعقاله طوال سنوات طفولته. لا يستطيع المجتمع أن يغفر لامرأة تطلب الطلاق من زوجها ما لم يكن هذا الزوج سكيراً أو ماجناً أو بخيلاً. لا يستطيع المجتمع أن يتعاطف مع شاب بدّل مذهبه لأنه رأى الحقيقة تلوح له في مكان آخر. لا يستطيع المجتمع أن يغفر لإنسان يرفض أن يصنّف نفسه في حزب أو جماعة. وبالتأكيد لا يستطيع المجتمع أن يتسامح مع شخص وضع كل المعتقدات التي ورثها على الرّف وقرر أن يبحث لنفسه، بنفسه، عن الحقيقة“.

الحرية:

تحرّض الكاتبة على إطلاق حملة للقضاء على الفحش التجاري وسوء استغلال الموارد واستعباد المادة للإنسان، تطلق عليها (حملة اشهق)، لا تخلُ من نوايا زعزعة الضمائر! فعلى غرار ثورات الربيع العربي، تثور الكاتبة لصالح تماسيح سُلخت لصنع حقيبة، ولعشرين طفل هندي عمل عليها في مصنع يجرّم توظيف الأطفال، ولمجتمع شاع فيه تباين طبقي بين من اقتناها وبين من لم يقدر. فتحرّض الكاتبة من جديد قائلة: اشهق أيضاً، من أجل الإنسان الذي تحوّل إلى إله يستعبد الإنسان بحقيبة وحذاء، وأوهمه بأن لا قيمة له دون الحزام الفيندي الملتف على خاصرته. اشهق من أجل عبودية المادة، من أجل الشركات الكبرى التي ازدادت فحشاً على حساب المعنى والقيمة والإنسانية. اشهق لأن الحقيبة والمحفظة والحذاء تحولت إلى أدوات لتعزيز التباين الطبقي وخلق الفوارق بين الناس. اشهق لأن هذه الحقيبة التي تريد أن تضعها على كتفك، على الأرجح عمل على صنعها 20 طفل هندي معدم مقابل قوت يومهم، رغم كل التشريعات الفارغة التي تمنع توظيف الأطفال في المصانع. اشهق لأن الأم الهندية التي سهرت في إعداد نسيج الشال الحريري الفاخر كانت تشعر بالبرد والجوع والإعياء مقابل أن تحصل على دولار في الشهر! اشهق معي لو سمحت، برهن على حريتك“.

الحقيقة:

تتدفق دماء الكاتبة حارة في عروقها حين تقمّصت دور طفلها ذو الستة أعوام، وقد كان يتسلى ضمن ألعابه الإلكترونية -من حيث لا يدري ولا تدري- على لعبة فيديو يقاتل فيها جندي أمريكي باسل مدجج بأعتى الأسلحة مواطن عراقي مسلم إرهابي وخطير .. حتى تنتهي اللعبة في الواقع بقتل الأخ لأخيه! تصادر الكاتبة اللعبة من فورها، وتلقّن طفلها بأن ألعاب الشيطان والإرهابي الذي يحاضر عن الإرهاب لا وجود لها في بيتهم. فتقول عن (الجندي الأمريكي المسكين) في استهزاء لا تخفى نبرته على الشرفاء: أعادوني إلى المعركة، والرشاش في يدي، وطلبوا مني أن أقتل المسلحين الذين يحاصرونني؛ أنا الجندي الأمريكي المسكين الذي جاء إلى هذه البلاد في سلام ومن دون مصلحة! أنا الجندي الأمريكي المسكين الذي جاء ليعذب شعباً معذباً، ولكن ليس بيد النظام الشمولي الصدامي، وإنما باليد الفولاذية للديموقراطية الأمريكية. أنا الجندي الأمريكي المسكين الذي جاء ليوفر الحليب والسيريلاك والبامبرز لأطفال العراق، فإذا به يقتل نصف مليون منهم، ومادلين أولبرايت تؤكد لنا بأن الأمر يستحق موتهم. أنا الجندي الأمريكي المسكين الذي جاء ليعلم الناس الديموقراطية والحرية فدشن معتقل أبو غريب للدروس الخصوصية، أنا الجندي الأمريكي المسكين الذي ترك في الوطن أمه وخليلته لكي يوفر للشعب المنكوب مزيداً من أفلام هوليوود وبناطيل الجينز وقصات المارينز“.

وبين مقالات الحاء وسطوره، ثمة قراءة! فالكاتبة وهي تتدفق في سيل الكتابة، تستشهد بالعديد من روّاد الأدب العالمي الذين لا بد وأن يحرّكوا فضول القارئ النهم نحو الاطلاع على أهم أعمالهم والتي قد تقود إلى اقتنائها فيما بعد .. وهي من جهة أخرى تنم عن اطلاع واسع تحظى به الكاتبة. أذكر منهم على سبيل المثال: الكاتبة الإنجليزية فرانسيس هودسون / الروائية التشيلية ايزابيل الليندي / الشاعر الفلسطيني محمود درويش / الأديب الفلسطيني غسان كنفاني / الروائي الأفغاني خالد حسيني / الروائي الأرتيري حجي جابر / الشاعر والمسرحي الإنجليزي تي إس إليوت / الروائي الفرنسي فيكتور هوجو / الفيلسوف الفرنسي بول ريكور / الناقد الفرنسي-الجزائري جاك دريدا / المؤرخ الفرنسي رينيه جيرار / الشاعر الفرنسي شارل بودلير / الكاتب الأمريكي روي بيتر كلارك / والكاتب الأمريكي بول أوستر

ختاماً .. ولأنه الكتاب الأول الذي اقرأه للكاتبة، فقد وجدته رغم بساطة عبارته يصف الحياة بمنظور ثاقب ينم عن نضج فكري، وفلسفة تجيب عن أسئلتها بحكمة! لذا، وجدتني أدافع مع الكاتبة عن (سخافة الحياة) كما فعلت في إحدى مقالات (حاء الحياة)، بحيث تخفف من حدة تلك الانقسامات التي تعتمل في دواخل النفس، نطة فوق حبل أو طبعة حرف على سطح زجاج بارد أو دندنة على لحن أغنية شبابية.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (48) في قائمة من (50) كتاب خصصتها لعام 2023 والذي رجوت مع بدايته أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو سابع ما قرأت خلال شهر ديسمبر ضمن تسعة كتب، وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض .. وللكاتبة لدي، كتاب آخر لم اقرؤه بعد، هو (الحقيقة والكتابة).

وعلى رف (الأدب العربي) في مكتبتي إصدارات كثيرة، أذكر منها: (رسائل مي: صفحات وعبرات من أدب مي الخالد) تأليف (مي زيادة) / (أبو العلاء المعري) تأليف (لزوم ما لا يلزم) / (الأدب الصغير والأدب الكبير) تأليف (عبد الله بن المقفع) / (طوق الحمامة: في الألفة والألاف) تأليف (ابن حزم الأندلسي) / (من لغو الصيف) تأليف (طه حسين) / (النظرات والعبرات) تأليف (مصطفى لطفي المنفلوطي) / (وحي القلم) تأليف (مصطفى صادق الرافعي) / (البدائع والطرائف) تأليف (جبران خليل جبران) / (المراحل) تأليف (ميخائيل نعيمة) / (تعال نفكر معاً) تأليف (أنيس منصور) / (أسطورة الأدب الرفيع) تأليف (د. علي الوردي) / (الغزو الثقافي ومقالات أخرى) تأليف (د. غازي القصيبي) / (العرب لا يحبون البصل: دراسة في متخيلات اللغة العربية) تأليف (ابراهيم محمود) / (في رحاب اللغة العربية: مناهج وتطبيق) تأليف (د. عبدالرحمن عطبة) / (مكتباتهم) تأليف (محمد آيت حنّا) / (تدوين المجون في التراث العربي: عرض وكشف وتأويل) تأليف (د. عبدالله الرشيد) / (حديث العصافير: مقالات حبيسة الأدراج تنفست الصعداء) تأليف (أحمد البراك) / (حديث الصباح) تأليف (أدهم شرقاوى)

من فعاليات الشهر: تتصادم الأولويات لدي عادة في آخر شهر من كل عام! فهناك دائماً ما هو ضروري لإنجازه قبل بدء العام الجديد .. الضروري الذي يعيق الضروري الدائم لدي .. (القراءة).

وفي هذا الشهر، استلمت شحنة كتب جديدة تجاوزت حمولتها المائة وعشرين كتاب .. حمّلتها أمنياتي لقراءة أكثر غنى في العام الجديد.

تسلسل الكتاب على المدونة: 448

تاريخ النشر: ديسمبر 21, 2023

عدد القراءات:153 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *