الكتاب
جسد العاهرة: دراسة في نصوص العورة المباحة
المؤلف
دار النشر
دار سطور للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2020
عدد الصفحات
288
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
04/19/2024
التصنيف
الموضوع
الجسد الأنثوي المسكوك بدمغة ذكورية
درجة التقييم

جسد العاهرة: دراسة في نصوص العورة المباحة

كتاب يكتنفه من الصعوبة الشيء الكثير .. ليس وحسب للغة المقعرة التي يصرّ المؤلف على الكتابة بها، ولا للطرح الفلسفي الذي يقرأ بين سطور النصوص بُبعد نظر، بل للتابو الذي فضّه، والذي يضرب عليه المجتمع الشرقي حارس من شمع أحمر، يُراق على جوانبه -في فخر- شلالات من دم، بسبب أو بغير!

هنا كتاب يتحسس جسد الأنثى المستباح في الشرق الذكوري قديماً وحديثاً، تارة شرعاً باسم الدين وتارة ثقافياً باسم الفحولة، وذلك من خلال استعراض جريء للنصوص الأدبية والروائية والشعرية بل والدينية في موروثه، على اتساع خطوط الجغرافيا العربية طولاً وعرضاً.

والمؤلف إذ يؤكد على عدم أسبقيته الخوض في لجج الممنوع والمسكوت عنه، فهو يبدأ من حيث انتهى الآخرون في التعرّض للجسد المشار إليه بصفته في عنوان كتابه، كمسألة يتحرّج الفرد العربي من ذكرها إلا مجازاً خشية أن تطاله لوثة أخلاقية تحيق بسمعته، وكمسألة “تعرضت لغبن تاريخي وثقافي وأخلاقي بالمقابل” من وجهة نظره! فعن الجسد الذي انشغل هو بأمره كثيراً في إطار الحياة العامة لا سيما الحيز الخاص منه المتعلق بـ “السكسولوجيا”، يتساءل عن تلك الحمولة المثقلة بالمعاني المنفّرة التي يتناقلها أولئك الناس وهم يمررون “شبكة أحاسيس ذات طبيعة عدوانية” ضد بعضهم! إذ ما الذي يا ترى “يُنعش روح أحدهم” أو يشفي غليله نحو مضاعفة عداد شتائمه وهو يقذف الآخر بنعت (أبو كذا، أخو كذا، ابن كذا)؟ أو أن يتوجّه بها لامرأة بغرض إهانتها وإعلاء عفته بالمقابل، كأن يناديها بـ: (يا كذا، يا كذا بنت كذا، أخت كذا)؟ ويتساءل عن السبب وراء تمتّع تلك المفردات بثقل نوعي في عداد شتائم المجتمع الشتائمي، فيكون للمرأة نصيب الأسد منها؟

يستقطع الكتاب من رصيد أنجمي الخماسي ثلاثاً، والذي أستقطع منه بدوري ما أمكنني حمله من حميم نصوصه، وباقتباس في نص حارق (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • بعد أن يستعرض المؤلف (المفردة المتداولة) من خلال ركاميات اللغة العربية، في (الصحاح) وفي (تاج العروس) وفي (المعجم الوسيط) وفي (لسان العرب)، يخلص إلى أن تعدد معناها لا يخرج عن “المرأة الثرثارة” و “المرأة المصابة بالسعال” و “المرأة العجوز يأخذها السعال” و “المرأة الفاسدة الجوف من مرض معين”، إضافة إلى (البغي)، التي كانت تأذن لطالبيها الدخول عليها بسعالها. “يقال في اللغة العربية: هضبة قحباء، وهي الهضبة المنكوسة قمتها والتي اعتاد العرب على (ركوبها) لاختصار مسافات السفر. وكان يُقال لمن كان محظوظاً: فلان هذا (كالقحباء) في الصحراء”. أما الذين كانوا يقطنون خلف تلك الهضاب فيُطلق عليهم (أبناء القحباء)”.
  • وعندما يتطرّق المؤلف إلى نصوص الجنس المقدسة كما في الميثولوجيا بين (إنكي) إله الماء والحكمة و (إنانا) آلهة الحب والخصب، بما فيها من رمزية خصوبة الأرض بماء السماء، تغدو الأرض كما الأم الكبرى في رحمها المستقبل “مني الذكورة بغير حساب”. ثم يعود المؤلف أدراجه إلى الواقع البائس ليطرح سؤالاً عن مكانة امرأة اليوم التي تم تنصيبها في حقبة ما قبل التاريخ كـ (أم كبرى)، فيجيب قائلاً:إنها تعيش سؤددها وهي محل استقطاب للآخرين، الجماعات الذكور، كما لو أنها تحتضن كل ذكور العالم وليس ذكراً واحداً، وهي دلالة أخرى على قوة الأرض، وقابليتها للتفاعل مع كل قوة من هذا النوع. ومع الزمن يتم التحضير للانقلاب النوعي عليها، أي حيث لا تعود الأم الكبرى سوى تلك القحبة، وما في هذه الوصفة الأخلاقية الطابع من انتقام معين من ماض يعنيها، ورد اعتبار للذكر، إذ يجردها من كل اعتبار محتفى به قدسياً“.
  • ينقل المؤلف من (مذكرة عاهرة مناضلة) الإلكترونية عن إحدى النسويات العرب يومياتها، حيث تقف في يوم ما فوق منصة يصفق لها من أسفلها نساء ورجال حين تحدثهم عن الثقافة والاقتصاد والسياسة، في الوقت الذي يهمس فيه اثنان من خبثائهم لبعضهما البعض، يحطّان من “نجاحها في خيالهم المريض” ويقهقهان ببلاهة! ثم تنزل في يوم آخر إلى الشارع تهتف ضمن مسيرة وطنية مع ناشطات لنصرة حقوق المرأة، وترفع من شعار “مساواة .. عدالة .. حرية” عالياً، وتحط من “ذكورية النظام وأنانية السلطة ووحشية القانون مع المرأة بشكل عفوي وجريء” .. فتلفت إليها نظر إحدى العوراوات بعيداً من على مقعد سيارتها الفارهة التي تجرّد جسدها بنظرة واحدة فاحصة، فتلتفت بدورها نحو شبيهتها في المقعد الآخر قائلة: “مجموعة نساء متحررات .. أعوذ بالله”. تستمر المناضلة في سرد يومياتها، لا سيما وهي تلتقط أنفاسها في يوم عطلتها، فيسرد عنها المؤلف محنتها في لغة لا تقل فضائحية عما سبق، قائلاً: خرجت صباح يوم عطلة في ذلك الأسبوع تتنشق هواء (مدينة) ضاقت جدرانها وشوارعها بالفساد والقمع والظلم، وفاحت منها رائحة (القهر) الديني والاجتماعي والسياسي .. أرادت أن تستمتع بيومها بعيداً عن العمل .. وصلت إلى سوق المدينة المكتظ بالمارة والباعة والمتسوقين .. ذلك الشاب يحدّق بوجهها ويغمز بعينه … الآخر يرمي لها (همساً) دعوة للانضمام الى سيارته .. والرجل الكبير في السن يهتف أمامها (متحسراً) بكلماته ونظراته الفارغة على شبابه .. يبدو أن الجميع اتفق (ضمناً) أنها (ملكية) عامة لهم في تلك اللحظة .. يتحرشون بها (براحتهم) بكلماتهم وربما بأياديهم إن أرادوا أيضاً .. هي بنظرهم (مشروع) متعة قائم لمجرد أنها تمشي أمامهم في الشارع دون رفقة (رجل) .. عادت إلى بيتها .. اطمأنت أن نضالها في مكانه وأن كل ما تقوله في منابر الإعلام وميكروفونات التظاهرات لم يصل الى مسامع من يجب أن تصله .. ربما هي وسواها من مناضلات ومناضلين يناضلن لأجل مخلوقات فضائية تسمع وتشاهد دعواتهم للتغيير ولكن حتماً ليس لبيئتها، فمجتمعها العربي لم يمسه أي تغيير منذ اندلاع ثورة (التكفير) و(الاستغباء) و(الذكورية) مؤخراً“.
  • تلتقي الإعلامية اللبنانية الغاضبة (جمانة حداد) بالكاتبة النمساوية (ألفريده يلينيك) الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب، فتحدثها عن سيرتها الذاتية وعن الهيمنة الذكورية ومجتمع البطريركية الأبوية، وعن أعمالها الأدبية التي صُنفت كـ (بورنوغرافية رخيصة)، وعن المرأة كضحية وقد اعتبرت نفسها ضحية ضمن الضحايا! ثم تصحح وجهة النظر الإيروتيكية التي تجعل من المرأة المبادرة نموذج مخيف للرجل، إذ أن دلالات تلك المبادرة تتعدى حدود الجرأة ومجرد الرغبة في حد ذاتها، فتقول: “في ظني أنه ليس خوفاً من رغبتها بقدر ما هو خوف من امرأة تطالب بأكثر ما قرر النظام الأبوي أن يعطيها. الرجل يحتاج إلى أن يكون هو الذي يبادر ويهاجم وينقضّ، لا بل هو عاجز عن الازدهار في نظام محايد ومسالم”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (35) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو في الترتيب (5) ضمن قراءات شهر ابريل الذي قرأت فيه (13) كتاب .. وقد حصلت عليه من متجر (نيل وفرات) الإلكتروني في يونيو من عام 2021، ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

وللمؤلف على مكتبتي كتب أخرى، قرأت بعضها .. وهي: الأنثى المهدورة: لعبة المتخيل الذكوري في صناعة الأنثى / الشبق المحرم: انطولوجيا النصوص الممنوعة / الفتنة المقدسة: عقلية التخاصم في الدولة العربية الإسلامية / جغرافية الملذات: الجنس في الجنة / جنازة المؤخرة / الجسد البغيض للمرأة / الضلع الأعوج: المرأة وهويتها الجنسية الضائعة / الجسد المخلوع: بين هز البطن وهز البدن / أن نلبس سروالاً قصيراً: نصوص ما فوق الركبة / الجنس في القرآن / المتعة المحظورة: الشذوذ الجنسي في تاريخ العرب / نساء في لعبة الذكور / العرب لا يحبون البصل: دراسة في متخيلات اللغة العربية

وعلى رف (أدب المرأة وقضاياها) في مكتبتي، عدد يتجاوز (120) من الإصدارات .. أذكر منها: (الختان والعنف ضد المرأة) – تأليف: خالد منتصر / (المرأة الثالثة: ديمومة الأنثوي وثورته) – تأليف: جيل ليبوفيتسكي / (غرفة تخص المرء وحده) – تأليف: فيرجينيا وولف / (الأنوثة الإسلامية: العالم المخفي للمرأة المسلمة) – تأليف: جيرالدين بروكس / (خلف أسوار الحرملك: تأملات في حال المرأة وإنسانية النساء) – تأليف: عائشة الحشر / (المرأة الريفية وواقع تملكها لجسدها) – تأليف: د. سوسان جرجس / (ن النسوية) – تأليف: د. هبة شريف / (من طبخت العشاء الأخير؟ تاريخ العالم كما ترويه النساء) – تأليف: روزاليند مايلز / (من قام بطهي عشاء آدم سميث؟ قصة عن النساء والاقتصاد) – تأليف: كاترين ماركيل / (أحوال وقضايا المرأة المسلمة في دراسات المستشرقين) – تأليف: أم كلثوم أكزناي / (نساء رفضن عبادة الرجل) – تأليف: حمودة إسماعيلي / (بركة النساء) – تأليف: رحال بوبريك / (ما تريد النساء أن يعلمه الرجال) – تأليف: د. بربارة دي أنجليس / (إطلاق الروح البرية للمرأة) – تأليف: كلاريسا بنكولا إيستيس / (المكشوف والمحجوب) – تأليف: مينيكه شيبر / (ترجمة النساء) – تأليف: وضاح شرارة / (زيرة رجال) – تأليف: نادين البدير / (خواطر بلا قيود) – تأليف: د. نوال السعداوي / (البتر التناسلي للإناث: ختان البنات) – تأليف: د. محمد فياض

من فعاليات الشهر: يقابله في العام الهجري 1445 ما تبقى من شهر رمضان المبارك وعيد الفطر في العاشر منه .. وفي هذا الشهر عادة انقطع عن القراءة، غير أنني تمكّنت في هذا العام من استقطاع وقتاً يسيراً للقراءة، وكان مثمراً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 485

تاريخ النشر: مايو 2, 2024

عدد القراءات:49 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *