الكتاب
نهر في الظلام: هروب رجل من كوريا الشمالية
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
北朝鮮大脱出 地獄からの生還 - By: 宮崎俊輔
المترجم/المحقق
محمد عبدالعاطي
دار النشر
عصير الكتب للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2021
عدد الصفحات
192
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/25/2023
التصنيف
الموضوع
الشقاء الأبدي مجتمع في سيرة حياة واحدة
درجة التقييم

نهر في الظلام: هروب رجل من كوريا الشمالية

قصة حياة مروّعة بما تثير الكلمة من قشعريرة تشهد على لا إنسانية المجتمع الإنساني متمثّلاً بالدرجة الأولى في الطغمة الحاكمة وزمرة وحوشهم، تحيل حياة أي كائن بشري إلى مجرد عبث لا يختلف في مسعاه عن بقية الكائنات الحية من مجرد سد رمق اليوم، وبالكاد!.

يروي ماساجي إيشيكاوا (1947) في سيرته (北朝鮮大脱出 地獄からの生還 – By: 宮崎俊輔) ارتحاله من اليابان عام 1960 وهو في الثالثة عشرة من عمره، مع والده الكوري الجنوبي الأصل ووالدته اليابانية وشقيقاته الثلاثة، إلى كوريا الشمالية أو “أرض الميعاد” أو “الجنة على الأرض” أو “أرض اللبن والعسل” كما كان يروّج لها (كيم إيل سونغ) مؤسس كوريا الشمالية، ووعوده ببناء “يوتوبيا اشتراكية” دعى بصددها أبناء وطنه -الذين يعيشون في اليابان من غير حقوق وهم عرضة للفقر والتمييز- إلى العودة إلى وطنهم الأم، حيث الحياة الكريمة من تعليم جيد وعمل لائق ومأكل وملبس ومسكن ….، غير أن تلك الجنة الموعودة لم تكن سوى الجحيم بعينه! يحترق بيتهم ابتداءً بما حملوه معهم من متاع في رحلتهم النهائية من اليابان إلى أرض الميعاد المزعومة .. فتموت أمه هناك بعد مدة، عليلة ومكلومة، وقد كانت والدتها العجوز غاضبة لرحيلها من اليابان وقضت بعد رحيلهم .. ويفقد والده حظوته والذي كان يُدعى سابقاً بـ (النمر)، وقد تنّقل بين الأعمال الشاقة حتى موته غير قادر على الكلام .. ويتعثّر مصير شقيقاته، فتفقد الأولى طفلها وتصاب بالجنون، وتتورط الأخرى في ديون فتهرب وابنها من غير رجعة، والثالثة في حمل غير شرعي .. وتهجره زوجته الأولى تاركة له طفله الرضيع .. وتموت الثانية وقد كانت تبيع دمها لقاء حفنة من الأرز .. ويمرض أبناؤه .. ويقتات وعائلته الأعشاب السامة، ويخوض تجربة انتحار فاشلة .. ويمضي عمره في البحث عن عمل في العلن وفي الخفاء، وقوت لا يسمن ولا يغني من جوع! وفي عام 1996 وبعد مرور ست وثلاثين عاماً من سكنى الجحيم، يتخذ قراراً مصيرياً في العودة إلى اليابان عبر عبور نهر (يالو) الفاصل بين كوريا الشمالية والصين، في رحلة محفوفة بخطر الموت إما غرقاً أو إعداماً على يد السلطات، يدفعه في ذلك الإصرار لتوفير سبل عيش أفضل لأسرته والتي حلم بسعيه في إعادتهم للعيش معه هناك. تنجح محاولته التي تتدخل فيها فيما بعد القنصلية اليابانية، ومغامرة إيصاله إلى اليابان دون تعرّضه للوقوع في قبضة الشرطة أو جواسيسهم، لتستمر معاناته هناك والتي تنتهي بخبر وفاة زوجته وأخته وابنته وانقطاع خبر ابنه وأحفاده.

ومن هذه السيرة الدامية التي انقسمت إلى خمسة فصول يعبّر كل فصل منها عن محطة ما في حياة صاحبها، وقد حصدت رصيد أنجمي الخماسي كاملاً .. أجتث مما جثم فوق صدري من هول القول والخبر فيما يلي، وباقتباس في نص مؤلم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • تُصبح الدرجة الدنيا من الاعتناء بالمظهر لدى ماساجي وشقيقاته ووالديه محل امتعاض وكراهية بل وتهمة لدى جيرانهم الجدد في أرض الميعاد. فيقول عن حملات النظافة في مدرسته: “إذا كنت متسّخاً توبّخ لعدم اعتناءك بالنظافة الشخصية، لكن إذا اعترفت بأنك تستحم على الدوام فستوبخ بدرجة مساوية في هذه الحالة بتهمة (الانحلال الياباني) .. ما من مخرج آمن كالعادة”.
  • تموت والدته منهكة بعد أن أصبحت جدة للتو، وهي ترتدي بنطال العمل المهترئ بالثقوب، فيخطف بنطالاً -كان معلقاً ليجف- متوسلاً الغفران لفعلته، فيهرع من فوره لغسل جثمان أمه الهزيل ويشرع في إلباسها البنطال المسروق ليفاجئ أنه لا يختلف في ثقوبه عن بنطالها! لم ير أمه سعيدة يوماً قط فطفق يرجو لها السعادة في الموت، ويدفنها بجانب جبل قرب مزرعة فواكه، ثم يستقبل حشود المعزين الذين أنهالوا على الطعام والشراب المعد على شرف موتها، وقد كانوا من ذي قبل لا يبالون بها البتة. يشعر بالغثيان فيترك المكان .. ويروي قائلاً في شجن: “عدت إلى مكان راحة أمي، وأشعلت سيجارة وغرستها في قبرها بدلًا من البخور، وغنيت أغنية أطفال كانت أمي تغنيها لي اسمها «اليعسوبة الحمراء» .. كانت تغنيها وهي ترنو إلى السماء، قائلة إن السماء وحدها هي التي تربطها بوطنها الأم ، كانت دائمًا ما تبكي وهي تغنيها .. كنت قادراً بالكاد على إخراج الكلمات خلال نشيجي، وأردت أن أغوص في القبر معها شاعراً بوطأة الحزن واليأس”.
  • وعلى الرغم من شعور الخزي الذي كان يتملّكه تجاه أطفاله وزوجته وقلة حيلته أمام حياتهم البائسة، كان أطفاله يمتلئون بالأمل ويحرصون على إسعاده بتجميع أعقاب السجائر له لعلمهم حبه للتدخين .. فحافظت أسرته على أواصر الحب الأسري قوية “الأمر الذي لم ينطبق على بعض الناس! سمعت قصصاً كثيرة عن عائلات تتناحر بسبب الطعام، حتى إنني سمعت شائعة عن رجل قتل زوجته وأكلها، وأنا متأكد أنها صحيحة، ومتأكد بالقدر نفسه أنه لم يكن وحده“.
  • لم يكن يتملك فكره وفكر أسرته شيء كالطعام، فمتى تمكّنوا من الحركة، أصبح مسعاهم الوحيد البحث عن أي شيء يؤكل لم نكن سوى مجموعة أشباح نهمة، تتأرجح بين الحياة والموت”، كغيرهم من الأطفال والأيتام السائرين على غير هدى! يستمر ليصف الوضع المأساوي قائلاً: “بلغ الوضع من السوء أننا بدأنا أكل أيّ أعشاب قديمة نعثر عليها. كنا نسلق تلك الأشياء المريعة دهورًا لنتخلص من قسوتها لكن بلا جدوى. تحتفظ بطعمها الزَّنخ رغم كل شيء، وتُسبب لنا أعراضاً مروعة. تتورم أجسادنا ووجوهنا، ويتحول بولنا للأحمر وحتى للأزرق، وجميعنا كنا نعاني الإسهال المزمن ولا نتمكن حتى من المشي بهذه الحالة”.
  • وقبل قراره المصيري في عبور النهر المظلم، يهاله مآله ومآل عائلته الذي تجسّد في هيئة هياكل عظمية وحسب، فيصف المنظر في تعبير أشد إيلاماً قائلاً: عندما يتضور المرء جوعاً حتى يبلغ شفير الموت يفقد كل الدهون من شفتيه وأنفه، وحالما تختفي الشفتان، تصبح الأسنان بادية طوال الوقت، مثل كلب يزمجر مكشّراً عن أنيابه، ويتقلص الأنف إلى منخرين فحسب! أتمنى لو أنني لم أعرف هذه الأشياء، لكنني أعرفها“.

ولأنني لا أتقن قراءة القصص ولا قصّها، فسأكتفي بكلمة ختامية واحدة: إنها سيرة ظلامية من بدايتها حنى نهايتها، تثير تلك الأسئلة الوجودية الباقية بقاء الحياة .. الحياة التي قد يقطعها صاحبها في فراغ هائل مبهم، لا يعلم من هو! ولماذا هو هنا؟ وإلى أين سائر كل هذا؟

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (12) في قائمة طويلة من كتب فكرية خصصتها لعام 2023 والذي رجوت مع بدايته أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله .. وهو ثاني ما قرأت في شهر اكتوبر، وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض. لقد ضحيت بالوقت المخصص للقراءة من أجل أمور طارئة! لم يعد الأمر كذلك، والأشهر المتبقية لي من العام ستكون استثنائية بجودة الكتب .. كما رجوت!

وعلى رف (السير الذاتية) في مكتبتي: تصطف مجموعة يسيرة، أذكر منها: (سبعون: حكاية عمر) لمؤلفه (ميخائيل نعيمة) / (مهنة العيش) لمؤلفه (تشيزاري بافيزي) / (الذئب الأغبر: سيرة مصطفى كمال أتاتورك) لمؤلفه (هـ.س. أرمسترونج) / (أعجوبة) لمؤلفه (آر جي بلاسيو) / (مذكرات عبد أمريكي) لمؤلفه (فريدريك دوجلاس) / (ليتر من الدموع: نضال شابة للحياة) لمؤلفته (آيا كيتو) / (قصة حياتي) لمؤلفته (هيلين كلير) / (Spare) لمؤلفه (Prince Harry)

من فعاليات الشهر: رغم الجدول المزدحم والإرهاق المصاحب، لدي إصرار على خلق الوقت للقراءة تباعاً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 412

 

 

تاريخ النشر: أكتوبر 26, 2023

عدد القراءات:136 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *