الكتاب
هذا الكتاب سيؤلمك: يوميات سرّية لطبيب مبتدئ
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
This is Going to Hurt: Secret Diaries of a Junior Doctor - By: Adam Kay
المترجم/المحقق
محمد الضبع
دار النشر
دار كلمات للنشر والتوزيع
الطبعة
(3) 2020
عدد الصفحات
208
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
02/20/2022
التصنيف
الموضوع
طبيب إنجليزي يترك مهنته وينشر يومياته عنها فيما بعد
درجة التقييم

هذا الكتاب سيؤلمك: يوميات سرّية لطبيب مبتدئ

لم يؤلمني!

كتاب بقلم طبيب إنجليزي سابق تخصص في طب النساء والولادة، وترّقى في منصبه، حتى ضاق به الحال جرّاء ضغوط لم يطق حملها، من قلة عدد المساعدين مقارنة بعدد الحالات المرضية، وطول ساعات العمل مقابل انخفاض الأجور، الأمر الذي انتهى باستقالته من عمله مودّعاً مهنة الطب إلى الأبد، ومخاصمة والديه له حتى وقت نشر الكتاب. يعرض في الكتاب القصير يومياته التي حرص على تدوينها في فترة عمله كطبيب، والتي تعكس كل تلك الظروف التي عايشها. وفي حالة ولادة متعسرة يضطر إلى معاينتها لأم شابة تحمل طفلها الأول، وتحت ظروف حرجة متعلقة بقلة عدد الأطباء وتأخر التشخيص الطبي، تنتهي الحالة -بعد نقلها إلى وحدة العناية المركزة- بموت الجنين، واستئصال رحم الأم التي نزفت اثنا عشر لتراً من الدم، وانهيار الأب، حتى تُصبح الحالة المفصلية التي تضع حداً نهائياً في مسيرته المهنية كطبيب، وقد استسلم للبكاء لمدة ساعة كاملة بعد كتابة التقرير الطبي، واستغرق بعدها ولمدة ستة أشهر لا يقوى على الابتسام، حيث خضع لجلسات علاج نفسي! يعمل حالياً في تأليف الأعمال الكوميدية والتلفزيونية، وقد تم تحويل كتابه إلى مسلسل تلفزيوني.

الكتاب الذي جاء عن ترجمة من نصّه الأصلي (This is Going to Hurt: Secret Diaries of a Junior Doctor – By: Adam Kay) لا بأس به من ناحية عرضه لمذكرات طبيب مبتدئ كان قد دوّنها أثناء تأدية مهام عمله اليومية على بساطتها، لكنه لا يستحق كل هذا الصخب المصاحب للرسالة التي أراد استخلاصها من عرض تلك اليوميات بما تحتويه من قصص للمرضى بعضها طريف وبعضها شجي، ومواقف مختلفة مع زملائه المهنيين، فضلاً عن التطرّق لمستوى إدارة المستشفى والعاملين بها، وهيئة الصحة البريطانية والبيروقراطية المعتادة ….، وغيرها من مساوئ لا تخلو منها أي مهنة، لا تصل فداحتها إلى الحد الذي دفعه لترك مهنته دون رجعة!.

إنه آدم ريتشارد كاي المولود عام 1980 لعائلة يهودية من أصل بولندي. كان والده طبيباً فأراد أن يُصبح كوالده حين يكبر، فالتحق بكلية لندن الإمبراطورية وتخرّج في كلية الطب عام 1998، وقد أسس فرقته الموسيقية وبدأ في كتابة العروض الموسيقية أثناء دراسته، وقد نالت إحدى أغاني الفرقة التي أُصدرت عام 2005 شعبية كبرى في بريطانيا. وبعد عمله كطبيب بين عامي 2004 و 2010، يترك مهنته ليتفرّغ للكتابة، ويصدر كتابه الأول هذا الذي بيع منه أكثر من مليون نسخة، وتُرجم إلى أكثر من ثمان وعشرين لغة عالمية، وحصد جائزة (كتاب العام) في بريطانيا عن عام 2018، بالإضافة إلى العديد من الجوائز الأخرى، كما نال استحسان الصحف المحلية، مثل الفايننشال تايمز والجارديان وديلي إكسبرس. تذكر شبكة المعلومات عنه كذلك بأنه مثلي الجنس، بل والأكثر تأثيراً ضمن خمسين مثلي على تطبيق تويتر، ويعيش مع شريكه المنتج التلفزيوني البريطاني جيمس فاريل في لندن، وقد أهدى إليه كتابه.

تعرض صفحة المحتويات تسعة مراحل خاضها د. كاي، تبدأ بـ (طبيب امتياز – طبيب مقيم دوري)، ثم بـ (طبيب مقيم) في ثلاثة أجزاء، يتبعها أربعة أجزاء في (مساعد استشاري)، تنتهي بـ (أخصائي أول)، والتي يختمها جميعاً بـ (رسالة مفتوحة إلى وزير الصحة البريطاني) يطالب فيها بقليل من الاحترام للعاملين بمهنة الطب علاوة على الفخر بما ينجزون .. ينال بها الكتاب نجمتان من رصيد أنجمي الخماسي.

ومنه، وقد تم تصنيفه بـ (الأكثر مبيعاً) حسب صحيفة الصنداي تايمز البريطانية، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص طريف (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

  • قد لا تنحصر صعوبة إخبار المريض أو ذويه بطبيعة مرضه التي قد تكون مميتة، بل تتعدى إلى الإحراج المصاحب لطبيعة بعض الحالات أو المواقف التي لا مفر من إبلاغها كما هي. يقول د. كاي وهو يروي ما حدث يوم الأحد 20 مارس 2005، وهو لا يزال (طبيب امتياز): “لا تقتصر صعوبة الحديث مع عوائل المرضى على إخبارهم بأن أحباءهم أصيبوا بالسرطان، أو تعرضوا للوفاة خلال عملية جراحية، بل تتعدى ذلك إلى حوارات غريبة ومحرجة على الطبيب خوضها. في هذا اليوم كان عليّ إخبار ابنة المريض الذي كنت أشرف على حالته، أن المريض الذي كان يشاركه الغرفة قد مر بليلة عصيبة واختلطت عليه الأشياء. وحين انتبهت الممرضة لما حدث بعد سماعها للأصوات القادمة من الغرفة، كان الأوان قد فات. قلت لها: «لقد خلط المريض بين والدك وبين زوجته، وقام بالاستمناء على وجه والدك وهو نائم»”.
  • ليست مهنة الطب هي التي تدّر الأموال فتقع ضمن خيارات من يطمح إلى تكوين ثروة وحسب! فبينما يزاول الأطباء مهنتهم دون الاكتراث لحقيقة انخفاض أجورهم التي قد تقل عن مهنة سائق قطار، فإن د. كاي لا يندب حظه بلغة عاطفية بل موضوعية، وهو يعاين ما وقع عليه من ظلم عندما كان طبيباً، سواء كان ظلماً مادياً أو معنوياً، مقابل عمله الشاق وما بذل من عمره في تحصيل دراسي صعب لم يزل مستمراً. يقول آسفاً كـ (طبيب مقيم) في جزئه الثالث من الكتاب: “أدركت أن الجميع يشتكون من قلة رواتبهم ويعتقدون أنهم يستحقون أكثر، ولكني أتحدث بطريقة موضوعية ومحايدة جداً عندما أقول إنني كنت مظلوماً خلال فترة عملي في المهنة. الراتب الذي يتم دفعه لي لا يصل أبداً لمستوى المسؤولية والعمل الشاق الذي أقوم به – عليّ أن أتخذ عدداً كبيراً من القرارات التي يترتب عليها موت أحدهم أو حياته- بالإضافة إلى أن الطبيب قد قضى ست سنوات من حياته في كلية الطب، ثم عمل كطبيب لثلاث سنوات، ثم بدأ بمطاردة عدد من الاختبارات بعد ذلك. حتى إن أقنعتني بأنني يجب أن أرضى براتب أقل من راتب سائق قطار، فإنني أقضي أسبوعياً قرابة المئة ساعة من العمل الشاق، وهذا يعني أن مواقف سيارات المستشفى تكلف خلال الساعة الواحدة أكثر من تكلفة عملي في المستشفى. ورغم هذا فإن أغلب الأطباء لا يشتكون من قلة رواتبهم، لأنها ليست مهنة تختارها للحصول على المال، وحتى لو اشتكيت واعترضت، هذه الرواتب تم إقرارها واعتمادها لجميع الأطباء في البلاد”.
  • وفي يومياته كـ (مساعد استشاري) وفي الجزء الثاني منه، يعرّف د. كاي القارئ بخرافة شهيرة تنتشر بين الأطباء مفادها تجنب وصف أي يوم عمل بـ (هادئ)، حتى لا يجد الطبيب منهم نفسه -وقد حلّت لعنة ما- يقرأ التعاويذ على عدد لا يُحصى من المرضى الأشدّ توعّكاً في العالم. فيروي ما حدث في يوم الأثنين 17 نوفمبر 2008 رغم تلك الحقيقة التي يؤمن بها الأطباء، حيث: “ذهبت في تلك الليلة لأشغل مكان طبيب في عيادة خاصة. استقبلتني إحدى الطبيبات وأخبرتني أن العمل في العيادة «هادئ تماما الليلة». وقبل أن تنهي جملتها تم إخبارنا بأن إحدى الأميرات الخليجيات على وشك أن تلد في إحدى الغرف، وهكذا اتضح لي سبب وجود عدد كبير من رجال الحراسة، وعدد من سيارات الفيراري خارج العيادة. بالنسبة لشخص مثلي فإن حجز ثلاث طاولات في مطعم وبار في لندن لحفلة عيد ميلاد يبدو تصرفاً «فاخراً»، ولكن ضيوفنا الكرام قاموا بحجز جميع غرف العيادة لتلك الليلة حتى لا يمكن لأي مريضة الولادة هنا، بالإضافة إلى أن الطبيب الاستشاري للأميرة كان معها طوال الوقت .. ولهذا فقد كانت الليلة «هادئة» فعلاً”.
  • أما في يومياته كـ (مساعد استشاري) لكن في الجزء الرابع منه، فيروي قصة أحد طلبة الطب الذي تحلّى بالشجاعة وقصده بعد أحد المحاضرات يوم الأربعاء 21 ابريل 2010، “وطلب مني أن أفحص قضيبه” وقد أخبره بأنه “مصاب بكدمة وأنه يواجه صعوبة في التبول منذ البارحة”. لم يشأ د. كاي أن يجري له فحصاً وهو معلّمه لكنه لم يجد مفراً، فأخذه إلى غرفة الفحص وارتدى قفازيه. وعند المعاينة يقول: “اتضح أنه كان يخفي عني بعض التفاصيل عن حقيقة ما حدث! بدا قضيبه وكأنه قطعة باذنجان تمت مهاجمتها من قبل نمر. لقد كان قضيبه بنفسجياً ومنتفخاً. بعد أن قمت باستجوابه، أخبرني أنه كان يتباهى ليلة البارحة بقوة قضيبه أمام حبيبته لدرجة أنه ادعى قدرته على إيقاف دوران مروحة المكتب باستخدام قضيبه. اتضح فيما بعد أن فرضيته كانت خاطئة، وانتصرت المروحة عليه وعلى قضيبه”. وهو إذ علم بعنتريته الزائفة التي انتهت ببترها على طريقة المداواة بالتي كانت هي الداء، ينصحه بالتوجه إلى قسم الطوارئ في أي مستشفى آخر “كي لا يتعرض لسخرية زملائه للأبد”.

رغم ما سبق، لا أجد الكتاب -كما ذكرت- يستحق هذا الهيلمان الإعلامي، لأسباب أوجزها فيما يلي:

  • هنالك عدد من القصص المروية لا تثير أي نوع من المشاعر ولا حتى التعاطف، بل إن بعضها جاء بصيغة أقل من عادية ولا هدف لذكرها بتاتاً.
  • الاقبال الكبير من القرّاء على قراءة الكتاب والذي أحرز بالتالي قدر أكبر من الاستحسان الرسمي وحصد العديد من الجوائز، ساهم فيه بشكل واضح العاطفة الإنسانية، إذ لا شيء قادر على إثارة روح التعاطف العارم كما تثيره عاطفة الأمومة والطفولة وفرحة مقدم المواليد الجدد وكارثة فقدهم أو فقد أمهاتهم بعد ولادتهم .. سواء كان ذلك على مستوى الأمهات والآباء أو أفراد العائلة والأهل والأقارب والأصدقاء، أو من تحلم بالأمومة ومن يرغب بالإنجاب … وغيرهم الكثير ممن قد عاصر فعلياً شيء من تلك الأحداث والظروف والمواقف. إن قصص الكتاب هو معاش يومي للقرّاء، لذا لا عجب أن يلامس قلوب الكثير منهم، ولو كانت على مستوى عادي.
  • هل كان ضغط العمل وانخفاض الأجر وانعدام تقدير المسؤولين، أسباب كافية لترك المهنة؟ فقد أجزل المؤلف في إطراء زملائه والقابلات، وصاحبه تقدير كبير لعمله الموّجه نحو خدمة الأمهات والأطفال والأزواج في مساعدتهم على الانجاب، وهي مهنة انسانية استشعرها وأضافت له الكثير كما أقرّ في كتابه.
  • لقد ذكر الطبيب أن درجة الاستشاري المرموقة تقل معها تلقائياً كل ما اعتبره مساوئ تلحق بالدرجات الأدنى في مهنة الطب، حيث تحظى هذه الدرجة بأجر مرتفع وبساعات عمل أقل، فضلاً عن التفرّغ لأعمال مكتبية وإدارية أقل ضغطاً في طبيعتها! فلماذا لم يتحلَ بالصبّر وقد تدرّج وترّقى بفضل تفانيه إلى درجة اخصائي، حيث شوط ليس بطويل لنيل درجة الاستشاري؟ لذلك، قد يكون صحيحاً أن سبب حصول الكتاب على عدد من الجوائز عائداً إلى تلك القصص الواقعية وما تثيره من مشاعر صادقة، لا مضمونها في ترك المهنة العائد لأسباب ضغوط وتحديات.
  • لكن! ما رأي زملائه المهنيين من أطباء وقابلات؟ إنه لمن المعلوم مدى الصعوبة التي تنطوي عليها هذه المهنة وما يحيط بها من تحديات وتضحيات كبيرة، فإن سجلّت الاحصائيات حالات لمهنيين أعلنوا فيها استسلامهم وهجروا مهنتهم -وقد علموا مسبقاً بظروفها- قد تكون استثنائية بطبيعة الحال، فلا يُقاس عليها.
  • يحتوي الكتاب على التعبير الإنجليزي من عيار (F) بمختلف صيغه، والذي يتكرر بشكل مستفز في النسخة الأصلية.

ينقل غلاف الكتاب الأخير عن صحيفة التايمز البريطانية رأياً يقول: “طريف ومؤلم .. صرخت وعويت، واختنقت من الضحك وأنا أقرأ .. هذا الكتاب سيؤلمك ولكن بطريقة ضرورية ومهمة” .. وكتعليق شخصي: نعم! كان طريفاً قليلاً ومؤلماً خفيفاً، لكنني لم أصرخ ولم أشدّ شعري ولم تخنق بلعومي الضحكات.. لم أضحك أصلاً، وقد أضحكني تعليقي هذا.

وعلى شبكة المعلومات، يوجد الكثير من المواد المقروءة والمرئية والمسموعة للمؤلف مع عدد من اللقاءات المسجّلة، منها حديثه في برنامج (صباح الخير بريطانيا) عن كتابه وما يتعلق به من قراره في دراسة الطب ابتداءً، وعن تخصصه في طب النساء والولادة، وموقف والديه وشريكه بعد إصدار الكتاب، وردود الفعل المصاحبة لإصداره، كموقف بعض زملائه المؤيد ومداخلات بعض مرضاه الذين تعرّفوا على أنفسهم ضمن ما ضمّنه من حالات، رغم حرصه الشديد على عدم الكشف عن خصوصيتهم، كما وضّح في بداية الكتاب.

إنها سيرة المؤلف الذاتية أولاً وآخراً، ولعل الحظ يحالفه بنجاح أكبر في مسيرته الجديدة .. وقلمه الذي استبدل به معطف الطبيب.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً من المفكّرة: جاء تسلسل الكتاب (8) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لهذا العام .. 2022، وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في ديسمبر من عام 2020، ضمن (85) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

أنشطة شهر فبراير: ومع هذا الكتاب، قرأت ستة كتب أخرى.

تسلسل الكتاب على المدونة: 340

 

تاريخ النشر: أغسطس 19, 2022

عدد القراءات:825 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *