الكتاب
في البدء كانت الأنثى
المؤلف
دار النشر
دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع
الطبعة
(11) 2012
عدد الصفحات
141
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
06/17/2020
التصنيف
الموضوع
امرأة شرقية قبالة رجل شرقي
درجة التقييم

في البدء كانت الأنثى

إنه الديوان الأخير الذي قرأته ضمن مجموعة دواوين للشاعرة الشمّاء د. سعاد الصباح، خلال أسبوع كان حافلاً عندما جاء قراري للاسترخاء في واحة شعرية (أنثوية) وارفة الظلال .. لم تكن بالضرورة عذبة الموارد جميعها!. كان التوقف في محطة ما أمراً ملحّاً، حيث انبرى شغفي سعياً في ميدان الفلسفة والتصوف والتاريخ والعلم والفكر والأدب والدين …، خلال ستة أشهر مضت، كانت كفيلة بإرضاء فضولي المتلاحق نحو الكتب، حتى حُق لمهجتي أن تستريح!..

تقاطع الديوان كثيراً مع ديوان (القصيدة أنثى .. والأنثى قصيدة) وديوان (فتافيت امرأة) وديوان (وللعصافير أظافر تكتب الشعر). لم تكن دواوين بالمعنى الحرفي، بل قصاصات من قصائد مطولة للشاعرة .. وقد كانت تأتي القصيدة الواحدة مجزأة في أكثر من قصاصة، بعناوين مختلفة!.

إنه ديوان امرأة ..

جريئة

متمردة

عاشقة

متعطشة

فليكن أي اسم!

حسبها أنها .. صادقة

ولا أنسى ابتداءً التعريف بالشاعرة:

هي سعاد محمد صباح المحمد الصباح (1942)، شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية، وُلدت في مدينة البصرة بالعراق وتلقت تعليمها الابتدائي فيها، والذي استكملته في الكويت حتى المرحلة الجامعية. حصلت على درجة الماجستير من جامعة لندن عام 1976، ودرجة الدكتوراة من جامعة ساري في لندن أيضاً عام 1981، عن اطروحتها في الاقتصاد والعلوم السياسية. وبالإضافة إلى لغتها العربية لا سيما الشاعرية، تجيد الشاعرة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وصدر لها العديد من الأعمال في الأدب والشعر والتاريخ والاقتصاد، وتم طرح عدد من الدراسات حول قصائدها وأعمالها الأدبية. أسست عام 1985 (دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع)، وانخرطت من خلالها في الأنشطة التي من شأنها تشجيع الشباب على الإبداع العلمي والفكري والأدبي، فأسست جائزة باسمها خاصة بالإبداع الفكري، وأخرى باسم زوجها خاصة بالإبداع العلمي، وثالثة خاصة بشباب أرض فلسطين، فكرّمت العديد من الأدباء المعاصرين على أعمالهم. إضافة إلى أنشطتها الخاصة، تقلّدت العديد من المناصب الرسمية في اللجان والجمعيات والمجالس والاتحادات والروابط الخليجية والعربية والعالمية، ونالت الكثير من جوائز التكريم العربية والعالمية. يصطبغ شعرها باللون الحزين، والمحب للحياة أيضاً .. الجمال والعذوبة تارة مقابل التمرد والجرأة تارة أخرى، ويطغى على أشعارها القضايا التي آمنت بها، كحب الوطن وتحرير المرأة .. وتم تلحين قصيدتها (كن صديقي) في ديوان (فتافيت امرأة) التي تغنّت بها المطربة اللبنانية ماجدة الرومي، وقد لاقت صدى طيباً واسعاً.

ومن الديوان، أبدأ بما استوقفني منه .. غيظاً تارة واشمئزازاً تارة أخرى، لأنتهي بقصيدتي المفضلة (كن صديقي) والتي لو لم يأتِ الديوان بغيرها لكفته .. باقتباس في نص جريء (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، وقد التقط الديوان نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي. ومع كل مقطع، جاءت خواطري موجهة إلى الأنثى المعنية بها أو أنماط الذكورة الملازمة لها .. ولا شيء منها موجّه على الإطلاق إلى شخص الشاعرة الموّقرة!.

تقول عن (المتفوقة):

كنتُ أدري -قبلَ أنْ أُولدَ- أنِّي سأُحِبُّكْ

بعدَ أنْ جئتُ إلى العالَمِ .. ما زلتُ أحبُّكْ

إنَّ مِنْ أعظمِ أعمالي التي حقَّقْتُها كامرأةٍ

أنّي أُحِبُّكْ

… وأتساءل في تقزز عن هكذا طموح: أبهذا المفهوم يُترجم التفوق؟

 

تبوح عن (سر نسائي) لتطلب:

قل لي: أُحِبُّكِ

قل لي: أُحِبُّكِ

أعرفُ أنَّكَ تكرَهُ التَّكْرارْ

وأعرفُ رأيَكَ في الكلامِ الصّامتْ

وفي الصّمتِ الذي يتكلَّمْ

ولكنَّني كامرأةْ

أُحِبُّ مَن يحُكُّ لي جِلْدَ أُنوثتي

… وأكشف سراً نسائياً آخر يتعلق أيضاً بالجلود: لسن كل النساء كهذه المرأة المصابة بطفح جلدي!.

 

تعبر في (ثقافة) عن دهشتها، إذ تقول:

أنتَ أوَّلُ مثقَّفٍ عرَفْتُهْ

لا يَعتبِرُ الجِنْسَ مطلباً قومياً

ولا يَتَّخِذُ منَ السَّريرْ

مِنْبَراً للخطابَةْ

… واندهش بدوري لأسأل: وهل هذا الصنف متوفر في السوق؟

إن ذلك عند قوم الشرق مثلبة عظمى! وخلافاً لما قالته الشاعرة عن صداقة الرجل الشرقي .. أقول: إن في الأمر انتقاصاً للرجولة.

 

إنها (عندما) عشقت ثملت، فقالت:

عِندما تكونُ المرأةُ في حالةِ عِشقْ

يَصيرُ لونُ دمِها

بَنَفسجّياً

لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أتسائل في فضول له قرنين: ولماذا؟ هل عشقت دراكولّا مثلاً، فعضّها؟؟ … يا ساتر!.

 

تقول عن (أمومة) شاذة:

أحياناً

يَخطُرُ لي أنْ ألِدَكْ

لأُحَمِّمَكْ

وأُنَشِّفَ قَدَمَيكْ

وأُمشِّطَ شَعْرَكَ النَّاعِمْ

وأغنَّيَ لكَ قبلَ أنْ تنامْ

وأستميح القارئ: ليست المشكلة في شعور أمومي طاغٍ وفيّاض .. فتلد (تلك) وتحمم وتدغدغ وتعطّر حافظات الطهارة! بل المشكلة في لو أن (ذاك) عاش الدور .. وقبل!.

 

قصيدتي المفضلة: كن صديقي

قبل البدء أقول: كامرأة .. أُؤمن بالحب الأفلاطوني بين الرجل والمرأة .. لا لدافع غرائزي أو انجذاب عاطفي أو بغرض الارتباط، بل للصداقة ذاتها لا لشيء سواها! لكن! والويل من لكن! إن الرجل الشرقي وإن صدق في صداقة مجردة وأخلص لطُهرها، لا بد وأن يأتي عليه يوم ويطالب بما هو أبعد من حدودها، إما لأن مطلبه حق مكتسب، وإنّ (وقف التنفيذ) مخالفاً للفطرة وممتهناً الكرامة .. أو لأن الصداقة كمفهوم كما يعتقد لكي يتعمق، لا بد وأن يُترجم إلى فعل .. أو لنزعة ذكورية متطرّفة كجنس أقوى .. أو أنها بقايا جاهلية .. أو تماشياً مع ثقافة (الجهل المقدس) في عقيدة يعتنقها .. أو من الآخر! خيانة متأصلة تسبح في بحر جيناته الوراثية!.

ومع القصيدة

كم جميل لو بقينا أصدقاء

إن كل امرأة تحتاج أحياناً إلى كف صديق

وكلام طيب تسمعه

وإلى خيمة دفء صنعت من كلمات

لا إلى عاصفة من قبلات

فلماذا يا صديقي؟

لست تهتم بأشيائي الصغيرة

ولماذا لست تهتم بما يرضي النساء؟

كن صديقي

إنني أحتاج أحياناً لأن أمشي على العشب معك

وأنا أحتاج أحيانا لأن اقرأ ديواناً من الشعر معك

وأنا كامرأة يسعدني أن أسمعك

فلماذا يا أيها الشرقي تهتم بشكلي؟

ولماذا تبصر الكحل بعيني

ولا تبصر عقلي؟

إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار

فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار؟

ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار؟

كن صديقي

ليس في الأمر انتقاص للرجولة

غير أن الرجل الشرقي لا يرضى بدورٍ

غير أدوار البطولة

فلماذا تخلط الأشياء خلطاً ساذجاً؟

ولماذا تدعي العشق وما أنت العشيق

إن كل امرأةٍ في الأرض تحتاج إلى صوت ذكيٍ

وعميق

وإلى النوم على صدر بيانو أو كتاب

فلماذا تهمل البعد الثقافي

وتعنى بتفاصيل الثياب؟

كن صديقي

أنا لا أطلب أن تعشقني العشق الكبيرا

لا ولا أطلب أن تبتاع لي يختاً

وتهديني قصورا

لا ولا أطلب أن تمطرني عطراً فرنسياً

وتعطيني القمر

هذه الأشياء لا تسعدني

فاهتماماتي صغيرة

وهواياتي صغيرة

وطموحي هو أن أمشي ساعاتٍ وساعاتٍ معكْ

تحت موسيقى المطر

وطموحي هو أن أسمع في الهاتف صوتكْ

عندما يسكنني الحزن

ويبكيني الضجر

كن صديقي

فأنا محتاجة جداً لميناء سلام

وأنا متعبة من قصص العشق، وأخبار الغرام

وأنا متعبة من ذلك العصر الذي

يعتبر المرأة تمثال رخام

فتكلم حين تلقاني

لماذا الرجل الشرقي ينسى

حين يلقى المرأة نصف الكلام؟

ولماذا لا يرى فيها سوى قطعة حلوى

وزغاليل حمام

ولماذا يقطف التفاح من أشجارها؟

ثم ينام

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الديوان (46) في قائمة ضمت (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو في الترتيب (15) ضمن ما قرأت في شهر يونيو من بين (21) كتاب، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية في نفس العام ضمن (90) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

لقد كان عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

في هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة. وعن هذا الديوان، فقد قرأته في شهر (يونيو)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

“كان شهراً حافلاً بالقراءة وإعداد مراجعات الكتب المقروءة .. مع استمرار الحجر الصحي بطبيعة الحال”.

من فعاليات الشهر: كنت قد استغرقت في القراءة بشكل مهووس خلال النصف الأول من هذا العام دون أي فاصل يُذكر، رغم الوقت الذي استقطعه عادة بعد قراءة كل كتاب من أجل تدوين مراجعة عنه! ما حدث في تلك الفترة هو تراكم الكتب التي أنهيت قراءتها من غير تدوين، حتى قررت على مضض بتعطيل القراءة لصالح التدوين .. وأقول “على مضض” لأن القراءة المسترسلة من غير انقطاع بالنسبة لي هي أشبه بالحلم الجميل الذي لا أودّ أن أستفيق منه، لكنني تمكّنت من تخصيص وقتاً جيداً في نهاية هذا الشهر لتأدية عمل الأمس الذي أجلّته للغد.

تسلسل الديوان على المدونة: 226

تاريخ النشر: يونيو 3, 2022

عدد القراءات:592 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *