الكتاب
كتاب الأرواح
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Livre des Esprits - By: Allan Kardec
المترجم/المحقق
جورج حداد
دار النشر
دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر
الطبعة
(1) 2020
عدد الصفحات
543
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/05/2023
التصنيف
الموضوع
عالم الروح العجائبي .. كغيب وكعلم
درجة التقييم

كتاب الأرواح

كتاب جاء من خوارق اللامعقول ما قد يصنّفه بها الدينيين ضمن الهرطقات، والماديين ضمن الأكاذيب، والنفسيين ضمن الباراسيكولوجي، وذلك في أحسن الأحوال .. غير أنه لدى الروحانيين رأي آخر يظهر من خلال تصنيفه كـ (فلسفة روحية)! إنه كتاب يعرض “تعاليم الأرواح” التي رسم خطوطها العريضة “الأرواح السامية” كما أملتها على وسطاء بشريين تمكنوا من التواصل معها، وذلك من خلال تقنيات معروفة في الوسط الأرواحي، كالسلة المعلقة الموصولة بقلم ولوحة، والتحلّق حول طاولة بيضاوية فما يعرف باسم المائدة الدوّارة، وحروف الهجاء والإشارات الناطقة والمكتوبة، والاستعانة بوسيط روحاني …إلخ، وقد خصّت تعاليمهم بالدرجة الأولى -التي هي بمثابة وصايا لبني البشر- السعي نحو الارتقاء الأرضي اللازم للارتقاء الروحي كمرحلة لاحقة مترقَبة. يعرض الكتاب إضافة إلى ذلك أحوال تلك الأرواح بعد فناء الجسد ومغادرتها كوكب الأرض، وتواصلها مع الأرواح المتجسّدة عليه في اللحظة الحالية، كما هو الحال في الحياة السابقة والحاضرة والمستقبلية.

يأتي الكتاب كمرحلة مؤثرة في مسار التطور الثقافي للبشرية لا سيما مسار النضج العقلي والروحي معاً، والذي أعطى تفسيرات منطقية للكثير من الأمور التي ظلت مبهمة يتناولها الدينيين بلا دراية تامة وبشيء من الخرافة لفترة طويلة من الزمن .. ما كسى الحاضر والمستقبل رداء المعقولية. لذا، وعند التطرّق إلى الفريقين الرئيسيين اللذين قسّما العالم بين مؤمن بالوحي السماوي وآخر مؤمن بالعقل وحده، وزعزعة سلطة التعاليم اللاهوتية لصالح سلطة العقل المنطقي، يؤكد الكتاب أنه “بعد أن قدّمت الأديان للإنسان الآمال عن حياة خالدة مقبلة طالبة منه الإيمان المطلق، أتت الإشارات من الأرواح الصالحة أي من أرواح عالم النور مفسّرة أسرار وخفايا العالم الروحي اللامادي وقوانينه الدائمة”.

وفي حين أقرّ العلم الحديث بحقيقة الأرواحية، كعلم الأحياء في أولية الحياة، وعلم الفيزياء في الطبيعة الخادعة للمادة، وعلم الفلك في العوالم الموازية، وعلم النفس في الظواهر غير الحسية، وعلم الفلسفة في تطور الكائن البشري المكتمل بالموت، وإقرار الدين تباعاً -كنتيجة حتمية- بضرورة إعادة التفسير البشري للحياة .. إلا أن الأمر لم يكن هيناً ليناً في بداياته! فقد ظهرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 1857 في مدينة باريس، تلتها الثانية والنهائية في نفس المدينة عام 1860. وبينهما، ورغم قصر المدة نسبياً، أصبح الكتاب مفصلياً في بزوغ العهد الأرواحي وتطور حركته وانتشاره عالمياً من خلال العديد من المنظمات الأرواحية وتابعيها، وذلك على الرغم من معاداة اللاأرواحيين له إلى درجة حرقه في الميادين العامة.

وعن المؤلف (ليون دنيزار هيبوليت 1804 : 1869)، وإلى جانب تخصصه في مجال المحاماة وحصوله فيما بعد على درجة الدكتوراة في الطب إضافة إلى مؤلفاته في علم النحو واللغة، فقد أظهر اهتماماً في المجال الأرواحي بدأ مع حرصه حضور جلسات تحضير الأرواح، والذي تابعه بشغف بعد أن اتصل به روح أخبره بأنه عرفه في فرنسا القديمة إبان الحكم الروماني، حيث كان يُدعى (ألن كاردك) حينها، وأبلغه بمساعدته في إتمام عمل سيُكلف به، والذي لم يكن سوى هذا الكتاب.

يقوم الكتاب ببساطة على أسئلة وجهها الوسطاء إلى الأرواح التي أجابت بدورها بقدر لا يستصعب إدراكه على العقل البشري، وقد ضم 2019 سؤال وجواب من الجلدة إلى الجلدة. أما عن الغلاف الذي وسمه رسمة لعريشة كرم، فقد جاءت مطابقة لتلك التي رسمتها الأرواح أثناء تواصلها مع الوسطاء، وهي ترمز “لعمل الخالق” .. حيث الجسد والروح متحدان: “فالجسد هو العريشة، والروح هي النسغ”. ومن ناحية لغوية، فقد أتى الكتاب على توضيح ما! حيث ساد استعمال كلمة (روحاني) أو (روحانية) لدى بعض اللغات في إشارة إلى التعاليم الموجهة من قبل الأرواح الصالحة، غير أن مؤلف الكتاب ومع بداية نشره، قصد استعمال كلمة (أرواحي) و (أرواحية) للدلالة بوضوح على التعاليم الأرواحية ونسبتها إلى تابعيها آنذاك، أي في أواسط القرن التاسع عشر.

يستنفد الكتاب رصيدي أنجمي الخماسي كاملاً، وقد جاء عن ترجمة احترافية للكتاب الأصلي (Livre des Esprits – By: Allan Kardec) عني بها مترجمان مقيمان في أمريكا الجنوبية حيث السلام والمحبة والأخوة تسود، وبلا مقابل مادي، أعانهما في ذلك أرواح النور الملهمة هناك. وهنا، أقتطف مما علق في روحي من عريشة الكرم بعد قراءة أسفار الكتاب الأربع، وباقتباس في نص أرواحي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

السفر الأول: المحدثات الأولية

وينقسم إلى أربعة فصول: الله / عناصر الكون العامة / الخليقة / المبدأ الحيوي

وفيه:

  • تنفي الأرواح في السؤال (8) المتعلق بـ (الدلائل على وجود الله) نسبة التكوين الأولي الناتج عن امتزاج المادة إلى الصدفة، فذلك مما لا يقبله العقل السليم .. وكما أن المصادفة كائن عاقل. فتقول: “إن نسبة التكوين الأولي في الأشياء إلى المصادفة هو هذيان منا لأن المصادفة عمياء، ولا يمكنها إنتاج محدثات عاقلة. والصدفة العاقلة لا يمكن أن تكون صدفة”.
  • أما عن سكنى الكواكب السيّارة في الفضاء، فتؤكد الأرواح على حقيقة الكائنات الحية التي خلقها الله وأسكنها الكون الفسيح بهدف إعمال عنايته الإلهية فيه، وذلك تأكيداً لحكمته الذي ما خلق شيء باطلاً، وجاء خلقه للأكوان أكثر جدية من مجرد إبهاج النظر عند رؤيتها. تعقّب الأرواح على هذا في سؤال (55) والمتعلق بـ (إسكان الأرض-آدم) قائلة: “أجل، وليس سكان الأرض هم الأكثر ذكاء ومحبة وكمالاً، كما يظنون هم! ومع ذلك يوجد خلق بينكم يعتقدون بأنهم عظماء ويتصورون أن الأرض، هذا الكوكب الصغير، يمتاز وحده بكائنات عاقلة تسكنه. يا للكبرياء والغرور! إنهم يظنون أن الله خلق الكون لهم وحدهم”.

السفر الثاني: العالم الأرواحي (عالم الأرواح)

وينقسم إلى أحد عشر فصلاً: الأرواح / تجسد الأرواح (تأنسها) / الرجوع من الحياة الجسدية إلى الحياة الروحية / تعدد الحيوات / اعتبارات بخصوص تعدّد التجسدات / الحياة الأرواحية / العودة إلى الحياة الجسدية / تحرر الروح / تدخل الأرواح في عالم الجسد / أشغال ومهمات الأرواح / الممالك الثلاث

وفيه:

  • لا تعود الروح إلى التجسد على الفور بعد مغادرة الجسد، إذ تتطلب كل روح فترة من الزمن، تطول أو تقصر! وأثناء تلك الفترة، تصبح الروح جائلة تنتظر وتترقب تجسّدها القادم وتتشوق إلى معرفة مصيرها الجديد. تجيب الأرواح على سؤال (227) المتعلق بـ (الأرواح التجوالية)، وتحديداً عن الطريقة التي تتعلم بها الروح الجائلة حيث لا يُفترض أن تتعلم كما يتعلم البشر: “تدرس الأرواح ماضيها وتبحث عن الوسائل لترتقي، فهي تبصر وتراقب كل ما يحدث في الأماكن التي تمر بها، وتصغي إلى ما ينطق به رجال مستنيرون، وإلى نصائح الأرواح الأعلى منها، وهكذا تكتسب أفكاراً جديدة لم تعرفها من قبل”.
  • بما أن الحكمة من تقلبات الحياة الجسدية تجمع بين التكفير عن أخطاء الماضي وخوض تجارب جديدة لتقوية الروح مستقبلاً، فهل تساعد نوعية تلك التقلبات معرفة الكيان الذي كان عليه الإنسان في حياته السابقة؟ إن ذلك ممكن في الكثير من الأحيان، حيث تبرره الأرواح في سؤال (399) والمتعلق بـ (نسيان الماضي) بقولها: “إذ أن الإنسان يعاقب بما أخطأ فيه بالذات. ولكن ينبغي ألا نعتبر ذلك كقاعدة مطلقة، فالنزعات الغريزية هي دليل أكثر صواباً من غيره، إذ أن التجارب التي يتحمّلها الروح هي للمستقبل كما هي أيضاً للتكفير عن الماضي”.

السفر الثالث: النواميس الخلقية

وينقسم إلى اثنا عشر فصلاً: الناموس الإلهي أو الطبيعي / سنة العبادة / سنة العمل / سنة التوالد / سنة البقاء / سنة الهدم / سُنَّة الاجتماع / سنة الارتقاء / سنة المساواة / سنة الحرية / سنة العدالة والمحبة والإحسان / الكمال الأدبي

وفيه:

  • وعن الخير الذي لا بد أن يتراوح في درجات استحقاقية متفاوتة، كما جاء في سؤال (646) المتعلق بـ (الخير “البر-الصلاح” والشر)، تقول الأرواح: “الاستحقاق متناسب مع الصعوبة في عمل الخير. ليس هناك استحقاق دون مشقة وتضحية. يجازي الله الفقير الذي يقسم قطعة خبزه الوحيدة مع غيره، أكثر من الغني الذي يعطي فقط مما يزيد على حاجته. قال لكم المسيح ذلك في مثل الأرملة والفلسين”.
  • ومع التأكيد على أن التباين في الحالات الاجتماعية ليس من سنن الطبيعة، فإنما هو من صنع الإنسان لا من صنع الله، وأن نواميس الله الأبدية ستزيل هذا التباين بزوال الكبرياء والأنانية الطاغية، تغلظ الأرواح في الرد عن سؤال (807) المتعلق بـ (التباينات الاجتماعية) وتحديداً عن أولئك الذين يطغون على الضعفاء بسلطان مراكزهم الاجتماعية المرموقة: “هؤلاء يستحقون اللعنة! يا ويلهم، فهو سيطغى عليهم بدورهم، وسيعودون إلى الحياة في تجسد آخر يقاسون فيه جميع ما جعلوا الضعيف يقاسي منه”.

السفر الرابع: الآمال والتعازي

وينقسم إلى فصلين: المحن والمتع الدنيوية / المحن والمتع المقبلة

وفيه:

  • وعن إمكانية السعادة الكاملة للإنسان في سكناه على الأرض، مادية أو معنوية، يثار سؤال (925) المتعلق بـ (نسبية السعادة والشقاء) وتحديداً عن البعض الذي أنعم الله عليهم بثروة، في حين لا يبدو أنهم يستحقونها، حيث تجيب الأرواح قائلة: “هي نعمة في نظر الذين لا يرون إلا الحاضر، ولكن ليكن في علمك جيداً بأن الثروة تجربة في الكثير من الأحوال أخطر من الفقر”.
  • وبعد توضيح أسباب كره الحياة، وحق الإنسان في إنهاء حياته من عدمه، وعن ذاك الذي يحرّض إنساناً تعيساً على الانتحار، والانتحار كمهرب من عار لحقه، وذلك الذي يضحي بحياته لإنقاذ حياة آخرين، ومن ينغمس في شهوات وملذات فيموت جراءها …، تبرّأ الأرواح تلك النسوة اللاتي يحرقن أنفسهن إرادياً فوق جثمان أزواجهن، من خطيئة الانتحار ومن عواقبها، فتقول في سؤال (955) المتعلق بـ (القرف من الحياة-الانتحار): “هن يخضعن لفكرة مسبقة، مرغمات في الغالب لا بإرادتهن الشخصية. يعتقدن أنهن يتممن واجباً، ومن ثم ليس في فعيلهن ميزة الانتحار. عذرهن هو في عجزهن المعنوي وفي جهلهن. هذه الأعراف الهمجية والغبية تزول مع التمدن”.

ختاماً، يطيب للمؤلف في مدخل الكتاب (دراسة مذهب الأرواح) أن يُشيد بأولئك الذين يعاينون الأقدار الدهرية بنظرة من فوق ما يجعلها تتصاغر وتتضاءل وتتلاشى مقابل تطلّعهم نحو المستقبل القادم، فما نوائب الحياة القصيرة سوى لحظات زائلة يليها مكافأة أبدية يمنحها الله، بما رضي هو من تدابير أقداره بشجاعة، ويقين بلا تذمّر ولا قنوط .. وذلك كما أخبرت به الأرواح من طول الحياة المادية في حال التقصير حيث تكرار الحيوات، والترقّي إلى درجات سامية حال الصبر والتغاضي والتسامي والإيمان. إن ذلك باختصار نتاج الأرواحية “فلندع قليلي التصديق يضحكون علينا ما شاؤوا، فأنا أتمنى لهم تلك التعزية الفائقة التي يجدها في هذه التعاليم كل الذين يتعمقون في أسرارها” .. وعني، فلقد تعمّقت في أسرارها من ذي قبل .. وصدّقت .. وجاء كتاب الأرواح، لا كمصادفة، بل كرسالة روحية مصداقاً وتأكيداً .. إنه بالفعل كتاب يشبهني!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (11) في قائمة طويلة من كتب فكرية خصصتها لعام 2023 والذي رجوت مع بدايته أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله .. وهو أول ما قرأت في شهر اكتوبر، وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض. لقد ضحيت بالوقت المخصص للقراءة من أجل أمور طارئة! لم يعد الأمر كذلك، والأشهر المتبقية لي من العام ستكون استثنائية بجودة الكتب .. كما رجوت!

وعلى رف (علم الطاقة والروحانيات) في مكتبتي: تصطف كتب كثيرة، منها: (ترانسيرفينج الواقع) لمؤلفه: فاديم زيلاند / (الإسقاط النجمي: الخروج من الجسد) لمؤلفه: روبيرت بروس / (الواقع الخفي: الأكوان الموازية وقوانين الكون العميقة) لمؤلفه: براين جرين / (قوة الآن: الدليل إلى التنوير الروحي) لمؤلفه: إكهارت تول / (الإنسان وقواه الخفية) لمؤلفه: كولن ويلسون / (ذكريات الآخرة) لمؤلفه: مايكل نيوتن / (الشاكرات: مفاتيح سبعة لإيقاظ واستعادة طاقة الجسد) لمؤلفته: أنوديا جوديث / (The Secret – The Power – The Magic) لمؤلفتهم: Rhonda Byrne

من فعاليات الشهر: عجباً! شهدت فيه عمقاً حقيقياً .. وللكتاب علامة فارقة في روحي، ولم يكن التقاطه تحديداً لقراءته مع بدايات أكتوبر (وفيه ميلادي) .. مصادفة!.

تسلسل الكتاب على المدونة: 411

 

تاريخ النشر: أكتوبر 22, 2023

عدد القراءات:241 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *