الكتاب
جهاد النساء: لماذا اخترن داعش؟
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Le jihadisme des femmes - By: Fethi Benslama
المترجم/المحقق
جلال بدلة
دار النشر
دار الساقي
الطبعة
(1) 2019
عدد الصفحات
143
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
06/07/2020
التصنيف
الموضوع
داعشيات داعش .. العوراوات ديناً وعقلاً
درجة التقييم

جهاد النساء: لماذا اخترن داعش؟

ليس من المستغرب أن تلتحق النساء المتدنيات علمياً وفكرياً واجتماعياً وحضارياً بل وإنسانياً إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي المعروف باسم (داعش)، في يقين راسخ أنهن كمخلوقات أنثوية ناقصة ذوات عورة، حلال سبيهن ووطأهن واستعبادهن، فما خُلقن لغير ذلك! غير أن تلتحق به نساء غربيات، ترعرعن في حضارة قوامها المساواة بين الجنسين، تحترم العقل والجسد معاً ويطغى فيها الفكر الحر على أي موروث وإن اتخذ صفة القداسة، فهذا هو اللامعقول بعينه!.

يكشف الكتاب البعدين النفسي والاجتماعي لهذا التطرف الإنساني من خلال بحث علمي رصين قدمه الباحثان المختصان كلاً في مجاليهما: (فتحي بن سلامة) الأخصائي في التحليل النفسي وأستاذ علم النفس المرضي، وهو تونسي الأصل مقيم في فرنسا، و (فرهاد خسروخاور) عالم الاجتماع ومدير الدراسات لدى معهد العلوم العليا للعلوم الاجتماعية، وهو إيراني الأصل مقيم في فرنسا أيضاً .. وقد جاء هذا الكتاب عن ترجمة مباشرة للنصّ الأصلي منه (Le jihadisme des femmes).

تعرض صفحة المحتويات في بداية الكتاب ثمانية فصول في عناوين رئيسية تشتعل ناراً، تتفرع عنها عدة عناوين أخرى لا تقل حرارة، بالإضافة إلى صفحات المقدمة والخاتمة .. قد استحق معها الكتاب ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، وهي كما يلي:

  1. بعض الملامح العامة
  2. الزواج على الطريقة الداعشية
  3. النساء الجهاديات والموت
  4. النساء الجهاديات والديني
  5. أخلاق جنسانية صارمة
  6. الدين والمقدّس
  7. تقديس المرأة
  8. دور الأب في ظاهرة الجهاد

ومن تلك المواضيع الملتهبة، استحضر ما اشتعل شظاها في فكري المتقد، كما يلي:

  • تستنبط الدراسة عدداً من الأسباب التي تدعو النساء وبالتحديد في آسيا والشرق الأوسط إلى حمل السلاح والانضمام إلى صفوف المجاهدين! ففي فصل (النساء الجهاديات والموت)، يكون الانتقام دافع للمرأة التي قُتل أو اعتُقل زوجها أو أحد ذويها من الرجال، أو تأتي كردة فعل ضد ما تواجهه في اضطهاد زوجها الذي يبدأ بإسقاط كل ما قاساه داخل سجون ومعاقل التعذيب عليها. تأتي النسوية كدافع أقوى لتبرهن إحداهن على قدرتها القتالية نحو قضية عادلة قد تودي بحياتها، في ند للرجل وإثبات للمساواة .. الأمر الذي تعزّ فيه الرجولة عند أعضاء الجماعات الأكثر أصولية، فيدفعهم إلى رفض قبول النساء كانتحاريات، إلا فيما ندر.
  • في طرح (الأزمة الوجدانية والتوبة) الذي جاء في الفصل الخامس، تشكل ثنائية “اللمس-الرؤية” حاسة مزدوجة تتسلط على عقول الرجال لتلهيهم عن عبادة الإله! عليه، وبما أن الأنثى بجسدها الشبقي عبارة عن كيان جنسي كامل متكامل، فإن عرضه يُنذر بإحداث فراغ ديني لدى الذكر، لا يردمه سوى (طاقية الإخفاء) التي تتكفل بشّل تلك الحاسة المزدوجة عن العمل، عند إسباغ الظلمات على ذاك الجسد! إن منع هذه “الغواية الجنسية” المتأصلة هو من صميم عمل النساء أنفسهن، كراعيات خُلّص لها، وإلا فلتستبشر الغاوية منهن بالعقاب الإلهي، والجسدي تحديداً. في هذا، يستشهد الكتاب بتنظير إحدى التائبات بعد أن أصابت دمّلة بغيضة إحدى شفتيها التي طالما تحمرّت وتبرّجت، في إسهاب عمّا أصاب بقية أعضاء جسدها جرّاء فُحشها في زمن غابر .. وهذا لا ينم سوى عن عقلية مريضة بداء الذنب، ونفس تحمل خطيئة حواء حتى النخاع! يسترسل الكتاب عند هذا النمط من الشخصية للحديث عن ظاهرة (الذنب والعقاب الذاتي)، الذي تستخدمه تلك النسوة في التكفير عن رغباتهن القابعة داخلهن! ويضرب المثل في سارة هيرفويه التي تورطت في هجوم فاشل قرب كاتدرائية نوتردام بباريس، حيث دأبت على جرح جسدها أثناء مراهقتها كعقاب. تعقيباً على هذا، يذكر الكتاب نصاً أن: “جميع هذه العناصر تتآلف حول فكرة مفادها أن ميدان الالتزام الديني لكثير من النساء اللواتي يتجهن نحو التطرف هو جسدهن، وأن العدو هو رغباتهن التي يحكمن عليها أنها آثمة. فيجدن في الأيدولوجية السلفية ستاراً واقياً وسلاحاً ليجابهن شيطانهن الخاص”. يختم الكتاب هذا المبحث بالاستدلال على هذه الغواية المقلقة للعقيدة، المحرضة للفتنة، السيئة السريرة، المهددة للرجولة، والحائلة دون التعبد .. من خلال ارفاق رابط إلكتروني يُظهر أحد شيوخ السلفية في تصوير خفي يخطب فيه من فوق المنبر وقد انبرى ضد العضو الأنثوي في عدوان شبقي مستعر، ليجلجل قائلاً -وأقتبس نصاً من الكتاب- أن: “رأس المرأة هو فرج مهبلها” .. وهو يقول في المشهد نصاّ: “وجه المرأة كفرجها” .. ولا أعلم حقيقة -وقد شاهدت ذاك المقطع تقززاً- من أي عضو حينها كان ذاك الحيوان المنوي يستنزل عصارة خطبته!؟.
  • يخلص الكتاب في خاتمته إلى التأكيد على صدق مفهوم “العبور ثنائي الاتجاه” كوصف للمقاربة التي عمدت إليها الدراسة بين التحليل النفسي والبحث الاجتماعي، في الكشف عن الكثير من القنوات التي تصبّ في دوافع أولئك الرجال والنساء، واستبعاد البعد الأحادي. فهناك من الأطروحات ما تختزل الأسباب في: الإسلام الراديكالي فقط، أو غواية الانترنت فقط، أو الاضطراب النفسي فقط ….، بيد أن الظاهرة أعقد من أن يتم تبسيطها وحصر أسبابها في جانب واحد. وهذا ما نبّه إليه عدد من المختصين، أمثال هايزنبيرغ وما ارتآه في (مبدأ اليقين)، وادغار موران في نظرته نحو الواقع كمركّب. ومن غير شك، فقد ساهم التعاون بين المجالين إلى كشف الغموض عن النص، وخلفية انجذاب تلك الشابات نحو نظام ثوري يقمع حرياتهن في زمن طغت فيه الليبرالية وعلت دعوات تمكين المرأة، وإبدالهن بشعور أنثوي استثنائي يدغدغهن كأمهات لـ “أشبال الخلافة”، وزوجات للمجاهدين، وأراملة للشهداء منهم فيما بعد.

بالإضافة إلى ما سبق وبرؤوس أقلام حادة، أكتب في مقتطفات بعض ما حفرته مسامير الكتاب في ذاكرتي، كما يلي:

  • تسجل الإحصائيات عدد 500 امرأة أوروبية التحقن بداعش مقابل 5000 رجل أوروبي، حتى وقت إعداد البحث عام 2015، كما أن نسبة النساء الانتحاريات بلغت 5% ، في 125 حادثة من أصل 2300 حالة، في الفترة ما بين عامي 1981 و 2011.
  • تكشف السجلات المرضية لبعض الداعشيات صدمات نفسية قد تعرضن لها في فترة المراهقة، جرّاء خبرات جنسية ارتبطت بالشعور بالذنب، أو بسبب تحرش جنسي من قبل محارمهن.
  • تنخرط بعضهن في سلك الدعشنة كردة فعل ضد العلمنة والتي تعتبر حجاب المرأة، بشكل أو بآخر، شكل من أشكال الاستعباد الذكوري وقمع الحريات، كاللاتي تمردن ضد قانون منع ارتداء الحجاب في فرنسا.
  • في مفهوم “السلفية الجديدة”، ترفع السلفيات شعار “جسدي ملكي” في تلميح استفزازي ضد العلمانيات اللاتي يعتقدن أنهن ضحيّن بأجسادهن مقابل الذوبان في مجتمع يساوي بين الرجل والمرأة. بناءً عليه، لا يقتصر الحجاب على الرأس فقط، بل يمتد إلى أخمص القدمين، في مفهوم جديد يقوم على اللامساواة ودونية الهوية.
  • تشطح بعض المراهقات في الانتقام لذواتهن ضد ما تعرضن له من اضطهاد في طفولتهن، أو بمجرد الرغبة في إثبات وجودهن، فيعمدن إلى الاستفزاز بانتهاك أعراف المجتمع، أو تجاوز حدود اللباقة، فليس نموذج (البطلة) حكراً على البالغات.
  • يعاني بعض الرجال السيكوباثيين من “عقدة إخصاء” سببتها النساء عندما نافسنهم بقوة واقتدار في كافة ميادين الحياة، فيُصبح الحصول على رتبة داعشي عنيف هدف لترميم الكرامة الذكورية المشروخة، واستعادة الفحولة المسلوبة، وتطبيب جروح المكلومين.
  • كانت إحدى صفات “الزوج المثالي” التي تملّكت تلكن اليافعات حين التحقن بصفوف الدواعش هي (السوبرمانية)، أي الرجل الذي يواجه الموت ولا يبالي. كان هذا نتيجة تجارب عاطفية سابقة مع رجال غير ناضجين وغير مسئولين.

وعن قساوة ما جاء به الكتاب في تأصيل جنسانية الأنثى كمخلوق شبقي (فول أوبشن) يهدد عفة الرجل، أقتبس في نص حارق -فيما اقتبست آنفاً- الآتي، (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

“تقف المرأة حائلاً بين الرجال وترسيخ إيمانهم بالله، وتحملهم على فقدان عقيدتهم أمام انبهارهم بها .. لذلك هي مبغوضة مطلقاً! تولد آثمة وتبقى آثمة طوال عمرها، وعليها أن تُثبت العكس أبداً. ها هنا الوظيفة الأولى لاقتران ظاهرة الجهاد بالمرأة”.

يعجبني أن أقول دائماً بأن أي كتاب لا يقود إلى كتاب فهو كتاب مبتور. على الرغم من أن الكتاب لا يحوي صفحة للمراجع، إلا أنه أشار في أحد الفصول إلى كتاب/ الجهل المقدس، لمؤلفه أوليفيه روا، وهو كتاب يتعرض للديني كمحرّض أول للأصولية والتطرف. من المفارقات أنني قد اقتنيت هذا الكتاب سابقاً وأجّلت قراءته. اعتقد أنه آن الأوان لقراءته بعد هذا الكتاب الذي تعرض للظاهرة من الناحية السيكولوجية-السيسيولوجية.

بعيداً عمّا سبق، وكأي كتاب لا يخلو من أخطاء غير مقصودة، يرد في الكتاب عدد من الأخطاء المطبعية التي أسرد منها حسب ترتيبها في الصفحات، الآتي:

ص27 غير مباشرو: مباشرة / ص29 بإقامة نطام: نظام / ص29 الشبان الذي يعانون: الذين / ص37 لأحكامها شريعته: لأحكام / ص41 ويهاجر للحاق به: ويهاجرن / ص41 بعض الفتيات يتباهى ويشعر بالفخر لأنه: يتباهين ويشعرن بالفخر لأنهن / ص50 يجد بعضهن نفسه يائساً: تجد بعضهن نفسها يائسة / ص58 يهتممن بشئونهم: بشئونهن / ص63 لأنهن لم يرافقنهن: يرافقنهم / ص75 بصورة أو بأرى: بأخرى / ص141 لاتعين: لا تعين / هذ الانقلاب: هذا. في ملاحظة أخرى، وردت هذه العبارة في صفحة 17 “… ثلاثين ألف مقاتل مسلم أجنبي إضافة إلى العراقيين والسوريين”. من الأفضل استبدال (غير عربي) بـ (أجنبي).

في عجالة -وعلى سبيل النقد الأدبي- فإن هذا الكتاب:

  • سليم اللغة وواضح المفردات، في العموم.
  • مبسّط الترجمة، رغم أنها أتت حرفية في بعض المواضع، تتضح في استخدام بعض التركيبات اللغوية غير المألوفة أو غير المفهومة، مثل: عدد لا بأس به من التمفصلات / تقع في التمفصل ما بين القطبين الأقصيين / المنهج العلائقي / التضافر العبر-مناهجي / اختلاف مطلق وماهوي / امتيازات هوياتية / عسر هوياتي / الأكثرية الكاثرة / نادرة وأقلوية / المنظمات الإسلاموية / مأسسة الظاهرة / ردكلة الإسلام / البنية الجماعاتية / لا تعين بنيوي / بعداً تطوافياً.
  • متناغم الإيقاع في سرد الأفكار حول موضوعاته المختلفة وعلى طول الكتاب.
  • مثير في أسلوبه الأدبي لعاطفة القارئ، ومحفز للنظر إلى ما تموج به الحياة من سوء، يعود منشأه إلى نزعة الشر المتأصلة في النفس البشرية، إلى جانب نزعة الخير.
  • خصب الخيال في إيراد بعض الأمثلة لتوضيح فكرته، من أسماء شخصيات وحوادث إرهابية، كانت مدعاة لتحريك محرك البحث جوجل، والاستزادة من المعلومات حولها. مثل: الفرنسية إيميلي كونيغ، الإنجليزية سامنثا لوثويت، الفلسطينية وفاء ادريس، الأخوان كواشي وإميدي كوليبالي، مجموعة بادر ماينهوف (جماعة الجيش الأحمر).

ختاماً، وبعيداً عن الطرح العلمي، إنه أمر لو تفكّر فيه كل ذي لب .. لعجيب! حين يفعل الجهل المقدس أفاعيله في طمس ملكة التفكير الحرّ لمخلوق بشري كرّمه الخالق روحاً وجسداً .. فيتردى ليختار مسخ كرامته إلى حد يأنفه الحيوان .. فلنعمل النظر مرات ومرات في “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (36) في قائمة ضمت (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو خامس كتاب اقرأه في شهر يونيو من بين واحد وعشرين كتاب، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2020 ضمن (90) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

لقد كان عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

في هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (يونيو)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

“كان شهراً حافلاً بالقراءة وإعداد مراجعات الكتب المقروءة .. مع استمرار الحجر الصحي بطبيعة الحال”.

من فعاليات الشهر: كنت قد استغرقت في القراءة بشكل مهووس خلال النصف الأول من هذا العام دون أي فاصل يُذكر، رغم الوقت الذي استقطعه عادة بعد قراءة كل كتاب من أجل تدوين مراجعة عنه! ما حدث في تلك الفترة هو تراكم الكتب التي أنهيت قراءتها من غير تدوين، حتى قررت على مضض بتعطيل القراءة لصالح التدوين .. وأقول “على مضض” لأن القراءة المسترسلة من غير انقطاع بالنسبة لي هي أشبه بالحلم الجميل الذي لا أودّ أن أستفيق منه، لكنني تمكّنت من تخصيص وقتاً جيداً في نهاية هذا الشهر لتأدية عمل الأمس الذي أجلّته للغد.

تسلسل الكتاب على المدونة: 217

تاريخ النشر: مايو 31, 2022

عدد القراءات:670 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *