BOOK0728
الكتاب
الثقة: العيش بعفوية والإقبال على الحياة
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Trust: Living Spontaneously and Embracing Life - By: Osho
المترجم/المحقق
أنطوان باسيل
دار النشر
شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
الطبعة
(1) 2023
عدد الصفحات
153
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/21/2025
التصنيف
الموضوع
ثق بالحياة ودعها ترقص بك
درجة التقييم

الثقة: العيش بعفوية والإقبال على الحياة

هنا الثقة تبدو شبه عمياء من أجل حياة مفعمة بالحرية!

يدعو أوشو قارئه بألا يهتم لعدد المرات التي خُدع فيها وإن كان عن طريق نفس الشخص وإن كان على علم باستمراره في خداعه، إذ أن الأهم هو الثقة، فلا يفقدها، فهي صميم جوهره، وإن للحياة أن يحياها بتلقائية وبمنأى عن تعقيدات الأنظمة الدينية والأعراف الاجتماعية وما سواها! بصورة أعم، يطرح أوشو هنا أمر هو أقرب إلى نَفَسٍ صوفي مضمَّخ بفلسفة الشرق، ومشحون برؤية وجودية للحياة بوصفها تدفّقاً لا يمكن القبض عليه بالعقل أو التخطيط.

قبل أي شيء … إنه إذاً المعلم أوشو من جديد .. أو تشاندرا موهان جاين (1931 : 1990) الذي تذكر شبكة المعلومات أنه ولد في الهند البريطانية، ودرس الفلسفة ودرّسها في الجامعات المحلية، ومن ثم تدرج في العلوم الصوفية ليُصبح (غورو) أو معلم روحاني فاقت شهرته حدود وطنه، ليصل إلى العالمية ويُلقب بـ (زوربا البوذي)، إشارة إلى توجهاته الانفتاحية رغم دعوته الروحية! ففيما يتعلق بنظرته إلى العلاقة الحميمية التي تبدو إباحية، ما أكسبه شهرة (معلم الجنس بلا منازع) كما تداولته الصحف العالمية، فإنه يجعلها بمثابة طاقة خلّاقة لا تقلّ أهمية عن الممارسات الروحية في تكامل بناء الإنسان، جسدياً ونفسياً وروحانياً. وبينما تختاره صحيفة (صنداي ميد داي) الهندية كواحد من عشرة روّاد شكّلوا مصير الهند، إلى جانب بوذا ونهرو وغاندي، تختاره صحيفة (الصنداي تايمز) البريطانية كواحد من ألف شخصية عالمية صنعت القرن العشرين، وهو الذي يصفه الكاتب الأمريكي (توم روبنز) بأنه “الرجل الأكثر خطورة منذ يسوع المسيح”. أما عن اسم شهرته الذي اختاره له مريدوه، فهو مشتق من اليابانية، وذو مقطعين، إذ يعني (أو) التوقير أو الامتنان، و (شو) الوعي الواسع أو الوجود الماطر .. بحيث يصبح معنى الاسم ككل (المحيط العظيم). والطريف أن الاسم يُقرأ كما هو من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، في إشارة إلى المعراج الروحي الذي واصل المعلم الارتقاء فيه، وعمل على توحيد الأقطاب والسمو فوق الثنائيات، في الكون المحيط.

أما في هذا الكتاب الذي جاء عن ترجمة متقنة من نصّه الأصلي (Trust: Living Spontaneously and Embracing Life – By: Osho)، فيقدّم أوشو أطروحة فلسفية وروحية تتناول مفهوم الثقة كقيمة وجودية تتجاوز المعتقدات الجاهزة والأنماط الذهنية التي كبّلت الإنسان الحديث، فالثقة، في رؤيته، ليست موقفاً ساذجاً أو ترفاً نفسياً، بل هي حالة وعي نابعة من الانسجام مع الذات والوجود .. نقيضة للخوف والشكّ المرضي، وليست بديلة عن الإيمان المؤسّس على العقيدة الخارجية.

ينطلق أوشو من نقد لاذعٍ لما يسميه “أنظمة الإيمان المعلّبة”، سواء كانت دينية أو سياسية أو أخلاقية، إذ يرى أنها نزعت من الإنسان استقلاله الداخلي واستبدلت الحدس الطبيعي بسلطة خارجية. ومن هنا، يدعو إلى استعادة الإيمان الفطري بالحياة الذي يولد مع الإنسان، قبل أن تشوّهَه التربية الاجتماعية والمؤسسة العامة. هذه الثقة الأصيلة، برأيه، لا تُعلَّم ولا تُلقّن، بل تُستعاد عبر التحرّر من الخوف، والانفتاح على المجهول، والعيش في اللحظة الراهنة.

يربط أوشو بين الثقة و”الوجهة” لا “المقصد”. فالمقصد في نظره وليد العقل، يحدّد المستقبل ويكبّله، أما الوجهة فهي حركة حيّة نابعة من تدفّق اللحظة، أشبه بإيقاع القلب أو نبض الشعر. المستقبل، وفقاً له ليس غاية مرسومة، بل فضاء مفتوح يتشكّل عبر المشاركة الكاملة في الحاضر، ومن هنا، تصبح الحرية هي الثقة، والثقة هي الحرية، لأنهما تضعان الإنسان أمام مسؤوليته المطلقة في عيش تجربته الخاصة دون خرائط أو وصايات فكرية.

ثم يذهب أوشو إلى أن الذهن الباحث عن الأمان هو أكثر ما يقيّد إمكانات الإنسان، إذ يدفعه إلى التمسّك بالماضي والهرب من المجهول. لذلك لا سبيل إلى “الإنسان الحقيقي” إلا بتعلّم فنّ اللامقاومة، أي القبول الكلي بما هو كائن دون خوف أو قلق، لأن الوجود نفسه “يهتم”، والعالم ليس مكاناً معادياً بل أمّاً تحتضن أبناءها. بهذا المعنى، تتحوّل الثقة إلى صلاة داخلية لا تحتاج إلى كلمات .. إلى تسليم عميقٍ للحظة وللمعنى الذي تحمله الحياة، حتى في الموت!

في كلمة أخيرة، إن “الثقة” عند أوشو ليست نظاماً معرفياً ولا سلوكاً أخلاقياً، بل أسلوب وجود يستبدل السعي إلى السيطرة بالانغماس في التجربة .. وهي في جوهرها دعوة إلى الوعي البريء، إلى الشجاعة في مواجهة المجهول، وإلى التحرّر من الماضي والمستقبل، كي يتجلّى الإنسان في أنقى صور حضوره: “كائن يرقص مع الحياة في كل لحظة”.

ختاماً، هنا الثقة تُرسم كفن للوجود، من خلال رؤية أوشو في التحرّر من الخوف واستعادة الإيمان الفطري بالحياة، وهو يجمع بين الروحانية والتفكير الوجودي، ويُبرز الفكرة المركزية من أن الثقة ليست سلوكاً أو فكرة، بل فنّ في العيش واتحاد باللحظة.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (128) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي أنهيت قراءته من الجلدة للجلدة في جلسة واحدة، وقد حصلت عليه من معرض عام 2023 للكتاب ضمن (400) كتاب .. وهو ثامن ما قرأت في أكتوبر ضمن (15) كتاب! جاء هذا الكتاب كترشيح من البائع في دار النشر، حيث كان كما قال حينها إصدار جديد ورائع!

من فعاليات الشهر: كعادة كل عام، تتراكم الأعمال في خواتيمه، وأصبح وسطها، في سباق مع الزمن لاستدراك ما مضى من تقصير في خطة القراءة!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: الزهر الأنيق / الفلسطينيون والتحرر: موقف مسيحي / علم التقبيل: ما تخبرنا به شفاهنا / نقيض المسيح / مع النبي

تسلسل الكتاب على المدونة: 728

تاريخ النشر: أكتوبر 22, 2025

عدد القراءات:83 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *