مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
كتاب قليل الصفحات لكنه عميق فيما يقدم من فكر وحجة ومنطقية، يقوم على عدد من الأسئلة يطرحها صديق ملحد للمفكر د. مصطفى محمود -حاصل على درجة الدكتوراة من فرنسا ويقضي حياته مع الهيبز- ويصاحب أسئلته تلك نبرة ملؤها التحدي والعنجهية حول الخلق والخالق، يدفعه الغرور وهو منكر لوجود الإله .. وهو نفس التحدي الذي يتصدى له المفكر بتحدٍ آخر قائم على العلم والمنطق والإيمان، حتى تكاد كل إجابة تُختم بآية “فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ”.
يعرض الفهرس قائمة من تسعة عشر عنوان يدور حولها الحوار المحتدم بين الصديقين المؤمن والملحد، ولها من الإيقاع ما يحبس الأنفاس ويوقظ الفضول ويثير نهم المعرفة، منها: (لم يلد ولم يولد / إذا كان الله قدّر علي أفعالي فلماذا يحاسبني؟ / لماذا خلق الله الشر؟ / وما ذنب الذي لم يصله قرآن؟ / هل الدين أفيون؟ / وحكاية الإسلام مع المرأة / لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد؟ / هل مناسك الحج وثنية؟ / موقف الدين من التطور / فزنا بسعادة الدنيا وفزتم بالأوهام)!.
يحصد الكتاب رصيد أنجمي الخماسي كاملاً، والذي أعرض في الأسطر التالية غيض من فيضه، وباقتباس في نص إيماني (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
ليس العلم ولا الفكر ولا اللغة ولا الحساب ولا الحيلة ولا الدهاء … ما يخلق للمرء الحجة الدامغة في إحقاق الحق ودحض الباطل، بل هو نور يختص به الله عز وجل من اصطفاه من عباده المخلصين. وصدق عز من قال: “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ”.
أخيراً، لا يزال د. مصطفى محمود، المفكر (الغائب الحاضر) .. بأصالة فكره، وصدق منهجه، وإخلاصه لما يعتنق. لقد قرأت كتابه هذا وأنا في أوائل العشرين، ويأبى الذهب إلا أن يترامى شعاعه وإن مرت الأعوام، وتعاقب على الفكر الحر تيارات الدحض والتأييد والنقص والزيادة.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (32) في قائمة ضمت (85) كتاب قرأتهم عام 2019، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (80) كتاب فقط! وهو خامس كتاب اقرؤه في شهر يونيو ضمن أحد عشر كتاب .. وقد قرأته ضمن مجموعة من إصدارات المفكّر خلال أسبوع خصصته لإعادة قراءة بعض من إصداراته. أما عن هذا الكتاب تحديداً، فقد اقتنيته مع بدايات إصداره ضمن مجموعة كبيرة من إصدارات المفكر حيث قرأتهم حينها جميعاً، والتي جاءت في طبعة منسوخة بالآلة الكاتبة على أوراق ازدادت صفرة حتى اللحظة .. والمفارقة أن أجد فوق أرفف مكتبتي نسختين من الكتاب تعود للطبعات القديمة تلك!.
استحضر وأنا أعيد قراءة الكتاب موقف حدث بيني وبين زميلة كان يطيب لها التغني بشغف الكتب! فبعد أن أنهيت قراءته ولمست قيمته، توجهت إليها بكامل الشغف لأوصيها بقراءته. رحبت ظاهرياً واستعارته، وما لبثت أن أعادته كما هو وهي تترفع عن قراءته بحجة (أنهم قالوا لها لا تقرئيه .. فهو كتاب “مش كويس”). وأتساءل: هل طالت الكتب ثقافة القيل والقال؟ أم إنها الإمعية؟ ولمَ لمْ تقرؤه وقد كنت من الذين (قالوا عنه أنه “كويس”)؟ .. أما الأخرى فقد استعارته -مع ثلاثة كتب أخرى للمفكر- وتحايلت في إرجاعها، لتضعها في مكتبتها التي بدأت للتو في إنشائها، ولتتباهى -بالحيلة- احتوائها على نسخ قديمة من الكتب .. فقط! المفارقة أنها كانت تروّج لنفسها على أنها (لايف كوتش)، وتعتقد بـ (الكارما) اعتقاد راسخ.
من فعاليات الشهر: حضرت دورة مهنية مكثفة في مدينة لندن لمدة أسبوعين، لكنها لم تمنعني من متابعة القراءة هناك.
تسلسل الكتاب على المدونة: 148
تاريخ النشر: أبريل 26, 2022
عدد القراءات:642 قراءة
التعليقات