مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
كتاب قاس! فإن كان للكتاب أن يحدث ألماً، فقد استحق هذا الكتاب كامل رصيد أنجمي الخماسي لجدارة ما خلّفه من جرح نزفت له العين والقلب والروح معاً!.
يستغرق الكتاب وقتاً عميقاً .. ليس لعدد صفحاته، ولا لكثرة رواياته، ولا لصعوبة لغته، بل تعجباً لقدر ما تنطوي عليه النفس البشرية من نزعة وحشية وشر متأصل وغدر دفين، قد تتفجّر مع أول شرارة تستعّر أمامها وتستطير!. يعايش القارئ نماذج لتلك النفوس حية ماثلة فوق سطور الكتاب، فلا يلبث أن يقرأ صفحة من صفحاته حتى يستوقف القراءة وزمنها ليتمتم متعجباً: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا”.
يقول الناشر ابتداءً في صفحة (هذا الكتاب) قولاً تعاطفياً .. لكنه لا يشفي الغليل: “ويقع المخلوق الجميل في الشراك! لا تشفع له دموعه الرقيقة، ولا توسلاته الفزعة .. وبعد لحظات ينتهي كل شيء كما يتوهم أشرار العالم! لكن حادث الاغتصاب يظل حكماً بالإعدام البطيء على امرأة لم تقترف ذنباً سوى أنها وقعت في طريق الأشرار الجائعين”.
يعرض الكاتب في فهرس كتابه إحدى عشرة ضحية، وقد غالب بكائه حين أهداه لروح الضحية الثانية .. سمر اللبنانية الحسناء إذ علم أنها لن تقرأه أبداً! تأتي عناوينها كما يلي:
بين دفتي الكتاب قدر من المآسي، لم ترتبط بضحايا من الجنس اللطيف فحسب بل طالت بعض الرجال أيضاً، في دراما تُصنّف تحت عجائب النفس والقدر!.. كم يصعب عليّ أن أسرد بعضاً منها كما يلي:
ملاحظة: ما سيرد لا علاقة له بمادة الكتاب، إنما يعبّر عن رأيي الشخصي .. لذا وجب التنويه.
وكملح على جرح، تتنافس قوانين الاغتصاب في محاكم الدول العربية (أيها أشد فتكاً بالضحية المغتصبة) .. وذلك من خلال تخفيف عقوبة المغتصب قدر الإمكان، حيث تتراوح العقوبات ما بين جلد أو سجن أو دفع غرامة أو دفع مهر الفرج الذي اغتصب، بل تصل إلى حد الإعفاء التام من العقوبة إذا تزوج من ضحيته! وهنا يجتمع الغبن والبغي معاً، ففي حين يكون المغتصب قد كوفئ مرتين: عندما اغتصب مجاناً وعندما تزوج مجاناً، تكون الضحية قد عوقبت مرتين: عندما اغتُصبت مرة وعندما اغتُصبت (شرعاً) كل يوم ألف مرة!. أما عن إحدى الدول العربية الإفريقية، فقد نافس قانونها الأكثر وحشية قوانين إخوته الذكورية الآنفة من أخوة يوسف الباقين .. إذ تتعرض الضحية للجلد إن لم تكن متزوجة أو للرجم حتى الموت إن كانت متزوجة، في حال تقدّمها ببلاغ ضد مغتصبها ولم تتمكن في نفس الوقت من إثبات أن عملية الاغتصاب تمت بغير موافقتها.
الويل إذا كان المشرّع شيطان إنسي .. والويل الويل إذا ساد وحكم!.
غير أن هنالك من الأخبار ما يُثلج الصدر! فمع تنامي جرائم الاغتصاب حول العالم ضد النساء والأطفال معاً، سعى مشرّعو القوانين إلى صياغة سياسات جديدة للتصدي لها، منها (تطبيق عقوبة الإخصاء). فبينما يعمد (الإخصاء الجراحي) إلى استئصال “طقم” القضيب والخصيتين كاملاً، يعمل (الإخصاء الكيميائي) إلى سلب المغتصب فاعلية الرغبة الجنسية والقدرة على الاستثارة. ومن الدول التي شرعت في تطبيق هاتين العقوبتين: أندونيسيا، باكستان، نيجيريا، التشيك، أوكرانيا، ولاية ألاباما الأمريكية .. والمزيد قادم بإذن الله!.
خاطرة متقّدة: وددت لو اتقنت تلك الجراحة وتلقفت الساطور وشرعت في بتر تلك الزائدة الدودية الرعناء الهوجاء بين تلكما الفخذين، وملحقاتها .. وكفيت البشرية شر الحيوانات المنوية!.
وعلى جانب آخر، وفي حين تعجّ شبكة المعلومات بأخبار عن آخر اختراعات الأجهزة الوقائية ضد الاغتصاب، يبدو أن (اللولب الأنثوي) الذي اخترعته الباحثة الطبية سونيت إهليرز أواخر القرن الماضي والذي أطلقت عليه اسم (Rape-aXe) يعدّ الأول بينها! حيث تسترجع الباحثة معاينتها لحادثة اغتصاب في جنوب أفريقيا تعرضت لها إحدى الفتيات ليلاً، حين تمتمت لها بأمنيتها وهي تبدو كجثة تغيب عن الحياة شيئاً فشيئاً قائلة: “تمنيت لو أن لي أسنان في الأسفل”. كانت الباحثة حينها شابة، الأمر الذي ساعدها في العمل على الإيفاء بوعدها للفتاة في إيجاد حل لمثيلاتها من الفتيات يوماً ما. لقد كان اللولب الذي تمكنت من اختراعه بنجاح عبارة عن قطعة ترتديها الفتاة في الأسفل، تحتوي على صف من خطاطيف (أسنان)، آمنة بشكل كاف لها لكنها قاسية بما يكفي حين تنغرس بشراسة في قضيب المغتصب مسببة له ألماً شديداً، تمنعه من التبول أو حتى من السير، ولا يمكنه إزالتها إلا عن طريق طبيب مختص. وفي الوقت الذي وزعت فيه الباحثة ما يقارب ثلاثين ألف قطعة مجانية على سبيل التجربة، فقد قامت بتسعيرها بدولارين فقط للقطعة عند طرحها في الأسواق. لقد استعانت الباحثة بالأطباء والمهندسين والباحثين النفسيين للتأكيد على سلامة وأمان الاختراع على المرأة، ودعت النساء إلى التواصل معها حول ملاحظاتهن وتجاربهن، كما نبهت على أن أفضل الأوقات لارتداء الجهاز أو القطعة هو حال اضطرارهن الخروج في موعد تحوطه الشكوك، أو إلى أي منطقة غير آمنة بما يكفي!.
… بوركت يا سونيت إهليرز، وأكثر الله من أمثالك.
أما واقع العالم العربي، فيشهد على بعض المواقف التي تتعامل مع إجراءات الحدّ من جرائم الاغتصاب فيه كمحاولات غير مرّحب بها كما يجب! ففي جمهورية مصر العربية ومع ازدياد حالات التحرش، طالبت النائبة البرلمانية (زينب سالم) عام 2017 بسنّ قانون يسمح بتغليظ العقوبة على المتحرش تصل إلى حد (الإخصاء)، لاسيما في حال كرر المتحرش فعلته! وفي خضم ما ضجّت به وسائل الإعلام حينها في تناول العقوبة المقترحة، واقتراح بعض الإعلاميين (الرجال) تطبيق الإخصاء الجسدي لا الكيميائي مراعاة للتكلفة، تأخذ أحدهم (الحمية القضيبية) ويقوم من فوره -وهو على رتبة عقيد- بإجراء مداخلة هاتفية يطالب فيها بالمقابل تطبيق عقوبة (قطع الثدي) على المتحرشة! وفي حين أن الشمس لا تُغطى بغربال، وأن الإحصائيات العالمية تؤكد على نسبة المتحرشات شبه المعدومة، الأمر الذي يجعل من مجرد طرح فكرة هكذا قانون ضرب من سخف أو هراء، يظهر شعور المتصل -وقد انبرى يحابي عن مقام صاحب الجلالة (القضيب) المعظّم- مفضوحاً! كيف لا وقد بات قضيب سعادته مستهدفاً لعملية إخصاء مرتقب، على طريقة: (من على قضيبه بطحة يحسس عليها). فلتطمئن يا سعادة العقيد! قضيبك في أمان طالما أنك توفيه حقه من الاحترام ولا “تحشره” فيما لا يحق له .. فلا يطاله لا كيمياء الخصي ولا ساطوره!
… فعلاً، يكاد المريب أن يقول خذوني .. ويكاد المغتصب أن يقول اخصوني!.
إن أي رجل حقيقي لا بد وأن يبارك مثل هذا القانون، وذلك لأن نسائه سيكنّ في مأمن من الذئاب البشرية، كما أن عفته الأخلاقية ستتكفل بجعل عضوه في الحفظ والصون فلا يهاب مشرط ولا عقار! فمن غضب على سنّ مثل هذا القانون فهو إما متحرش في حقيقته أو ديوث في أصله، وفي كلتا الحالتين، هو ليس برجل!.
في الختام .. أعود للناشر لاقتبس في نص زهري هذه المرة من عذب قوله وهو يرى أن: “المرأة مخلوق جميل ورقيق .. لا يسيئ فهمها غير الأشرار وقناصي المتع وعبيد الرغبات والشهوات”.
نعم! هي كذلك .. وهم كذلك أيضاً، بل أدهى وأشرّ وأمرّ!
لقد كانت كل كلمة في هذا الكتاب كفيلة باستفزاز كل ما حوى جلدي من مسام! ويل الجحيم لأولئك الفجار يصلونها في الدنيا قبل الآخرة ..
كتاب اقتنيته منذ ما يقارب العشرين عاماً، وها أنا اقرأه للمرة الثانية الآن .. جددت به تأملاتي وتفكّرت في خلق النفس البشرية، ثم انتبهت أن اخبار الماضي لا تزال هي أخبار الساعة!
وما أشبه الليلة بالبارحة.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (18) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما! وهو ثاني كتاب اقرأه في شهر ابريل من بين ثلاثة كتب. وقد كان ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات.
من فعاليات الشهر: مضيت في رحلة إلى البرتغال لمدة أسبوعين. كانت ممتعة للغاية، طفت فيها أرجاء البلد وشاهدت ما تبقى من آثار العرب الأندلسيين، من خلال برنامج سياحي مكثّف ضم الكثير من سيّاح أوروبيين وأمريكيين. وبينما كان معظمهم يستمتع بمرحلة ما بعد التقاعد، كنت (الصغيرة) بينهم التي حَظيتْ بدلال الجميع. أسترجع كذلك أنني حضرت في الشهر السابق برنامج لتعلّم مبادئ اللغة البرتغالية، وقد كان لطيفاً أن أتبادل مع البرتغاليين كلمات مما تعلّمت.
تسلسل الكتاب على المدونة: 14
تاريخ النشر: يناير 31, 2021
عدد القراءات:2206 قراءة
ما اقبح البشر عندما يتحولون الى دئاب…. وما يزيد الطينة بلة تحويل الضحية إلى مدنب
وكما أقول دائما ,,,دكر الله الناس كوقود للنار قبل الحجارة لعلمه بما سيكون منهم من شرور لم يسبقهم إليها من أحد ولن يسبقهم اليها أحد.
(وقودها الناس والحجارة) صدق الله العظيم
وقد تنفد الحجارة ويبقى أولئك الأشقياء تُسعّر بهم النار!!..