مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
الحياة مسرح كبير والناس أبطالها، يداول الله أيامها بينهم، ويجري في ساحاتها ما قد يشيب له الولدان من هول ما كتبه على الجبين!.
الكتاب القصير في محتواه والعميق في آلامه، يدور حول الزوجين اللذين جاء ارتباطهما آية بما أودعه الله بينهما من مودة ورحمة، حتى تأبى الفطرة السليمة في أن تشذّ بعض الأحيان، فترمي من أعاجيب النفس البشرية بما هو أعجب! لا تستهويني حكايات صراع الديكة، لكن تروق لي الحكمة وتأسرني العبرة في تصاريف القدر .. ولله في خلقه شؤون.
يضع الكتاب محمد عبد الوهاب مطاوع (1940 : 2004) .. الكاتب والصحفي المصري الذي حرر (باب بريد الجمعة) الأسبوعي في جريدة الأهرام المصرية خلال ما يقارب ربع قرن من الزمان، وساهم في زيادة نسبة التوزيع للأعداد الصادرة منها في ذلك اليوم بالتحديد .. فقد كان يتلّقى أسبوعياً الآلاف من رسائل القرّاء وهي تحمل هموماً مادية أو صحية أو عائلية أو اجتماعية، فيتصدّى لها بأسلوب أدبي إنساني رفيع يجمع بين ثراء العقل وجزيل الحكمة مدعماً بالمأثور من القول، وبمجهود شخصي يعينه فيه فريق عمله لإعانة أولئك القرّاء واستقبال من أمكن منهم في مكتبه، حتى استحق لقب (صاحب القلم الرحيم) .. رحمه الله. وبالإضافة إلى المناصب التي تدرّج فيها في الحقل الصحفي حتى وصل إلى منصب رئاسة التحرير، فقد أصدر زهاء خمسين كتاب تتضمن قصص إنسانية مختارة من بين رسائل بريد الجمعة، وشيء في أدب الرحلة، ومقالات في أروقة النفس والحياة.
يحوي الكتاب سبعة عشرة مشكلة زوجية أرسلها القرّاء إلى الصحفي طلباً لمشورته، وقد امتهن -كما ذُكر- تقديم هذا النوع من العطاء الإنساني في عموده (بريد الجمعة)، وهو يتصدى لكل مشكلة بالنصح والمشورة وبالأنسب من الحلول على قدر ما أوتي من علم وخبرة وحكمة وبصيرة. لكن، وعلى الرغم من جميل القول والإخلاص في المشورة ما أمكن، فقد أتى رد الصحفي متحيزاً في بعض الرسائل إلى بني جنسه! فعلى سبيل المثال، يظهر وهو يحثّ الزوجة الوفية في رسالة (الشيء الجذاب) على غفران خيانة زوجها، وافترض -كيف لا ندري- أن الزوجة قد ندمت ورغبت في العودة إلى طليقها بعد مرور الأعوام الطوال وبلوغ الأبناء سن الرشد، وهي التي لم تتطرق في رسالتها لشيء من هذا البتة، بل لم تتنازل قيد أنملة عن كبريائها واعتزازها بنفسها. عجباً! أهو الغرور الذكوري كالعادة في قلب الأمور ارضاءً لعقدة الطاووسية؟ ثم أنهى رسالته بشيء من التهكم وبتحذير لمن أراد الارتباط بها على أنها “عصية على المغفرة” كما وصمها! ثم يتجدد التحيز لزوج آخر في رسالة (أحزان الخريف)، عندما فضّلت الزوجة الاستقرار مع أولادها في البلد العربي الذي يعملون فيه، بل وطالبت زوجها بالطلاق، ثم بالزواج من أخرى كحل وسط!. ألم يتساءل الصحفي عن خفايا موقف الزوجة المحتّد؟ ألم يقع في خلده أن يكون زوجها سبباً رئيساً في تعنتها نحوه؟ لقد عُرف عن الصحفي -لا سيما من خلال العديد من كتبه المتعلقة برسائل القرّاء- اعتماده في تحليل مشكلة ما يطرحها أحد الزوجين على تقصي أسبابها عند الطرف الآخر!. وعجباً مرة أخرى، لمَ لمْ يستخدم أسلوبه ذاك في المشكلة التي أثارها هذا الزوج من طرفه؟ يتكرر التحيز لصالح الزوج على حساب الزوجة في الردود على رسائل أخرى ومشاكل مثارة، كما في (الحساب الخاص) و (الحلم الجميل) و (جسر العودة) و (الشيء الغامض) .. وللقارئ المنصف الحُكم.
رغم هذا، فالكتاب يعرض مقاطع من صور ظلامية للنفس البشرية ولمدى تعقيداتها، كفيلة بأن تدمي القلب، وهي ليست سوى غيض من فيض غشي عمر الصحفي حتى أفضى إلى بارئه وقد أمضاه في تنفيس ما استطاع من كرب البشر.
ومن الكتاب الذي يحظى بثلاثة نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس ما راق لي من عذب القول في نص يأخذ من زهر الليلك عبقه، كما ورد في مقدمة كل رسالة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
لقد قرأت هذا الكتاب عند إصداره، وعدت الآن بعد مضي الأعوام لقراءته من جديد، ولأجدد معه ما حملته في تلك السن المبكرة من أدب وفكر وخواطر تتنشّق الحياة، ولأتيقن أن البشر يتناسخون في قوالب من معادن نفيسة ورخيصة تتفاوت، وإن اختلفت أسمائهم وأشكالهم وعناوينهم! وكأنني عدت إليه مجدداً لأجدد جروحاً ما برحت أن أضافت إلى عمري أعماراً.
تلك رسائل سُطّرت في تسعينيات القرن الماضي، ولا يزال صداها يتردد إلى اليوم رغم رحيل كاتبها، مؤكداً أن ما يصدر من القلب بصدق .. يصل ويتواصل.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (45) في قائمة ضمت (85) كتاب قرأتهم عام 2019، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (80) كتاب فقط! وهو سابع كتاب اقرؤه في شهر يوليو ضمن عشرة كتب.
وهو كتاب يعود في طبعته الأولى إلى عام 1999 وقد قرأته للمرة الأولى خلال تلك الفترة تقريباً، وأعود لقراءته للمرة الثانية اليوم، كعادتي بين الحين والآخر في قراءة قديم الكتب واسترجاع شيء من ماضي الفكر!
وعلى أرفف مكتبتي الجوداء، يصطف 42 كتاب آخر للكاتب في طبعاتها الأولى، اقتنيتها جميعاً وأنا في سن مبكرة جداً، وهي مجموعة أسالت الكثير من الدمع .. رغم هذا، فهي من الكتب المحببة لدي والتي لا أتردد في تصنيفها بـ (تستحق القراءة وإعادة القراءة).
تسلسل الكتاب على المدونة: 160
تاريخ النشر: مايو 1, 2022
عدد القراءات:773 قراءة
التعليقات