مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
كتاب يضم مجموعة مقالات عني بها كاتب تونسي وهو يتناول أطرافاً من سيرة الأديب الأرجنتيني الأصل (بورخيس)، وقد أضفى عليها ككل -بطبيعة الحال- انطباعه الشخصي وتحليلاته الأدبية كمطّلع متعمق على أعمال الأديب، وهو بهذا ضمّنها ترجمة لبعض أشعاره، واقتباسات لبعض أقواله، مع سرد عدد من المواقف التي جاءت إما على لسان الأديب أو بقلمه هو، وهو يستلهم تجليّاته المتوارية بين طيّات سيرته .. وقد جاء تصنيف الكتاب كـ (دراسة) على غلافه الأول! لذا، تراه يقول ابتداءً: “كان خورخي لويس بورخيس مكتبة كونية بالمعنى الحقيقي والعميق للكلمـة، وقـد سـاعده اتقانه للغـات عـدة مثـل الفرنسية، والألمانية، والإنجليزية، والإيطالية، على اكتساب ثقافة موسـوعية عاليـة، وعـلى النهـل مـن ثقافات مختلفة ومتعـددة. وهـذا مـا تعكسـه قصصـه ومقالاتـه ومحاضراتـه التـي لا تقتصر فقـط عـلى الخوض في مواضيع أدبية وشعرية ونقدية، بل تتعدى كل هـذا لتشمل الفلسفة، والعلوم الاجتماعيـة والأنثروبولوجية، وعلـم الأديان، والسحر والتنجيـم، أو مـا يـسـمى بالعلـوم السـوداء”. وفي هذا، يذكر الكاتب إقبال بورخيس في الأشهر الأخيرة من حياته على تعلّم اللغة العربية مستعيناً بمعلم مصري من مدينة الإسكندرية، وذلك لرغبة منه في إعادة قراءة (ألف ليلة وليلة) التي فُتن بها منذ صغره، في نصّها الأصلي.
إنه إذاً خورخي لويس بورخيس (1899 : 1986)، الكاتب الأرجنتيني المولد السويسري الإقامة. اشتهر بإصداراته في الأدب والنقد والشعر والقصة وكتابة المقالات، وإعداد مقدمات الكتب، وتأليف المسرحيات، إضافة إلى إسهاماته في ترجمة بعض الأعمال الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسكندنافية، إلى الإسبانية، وقد حصل على عدد من الجوائز والتكريمات العالمية، كما تُرجمت بعض أعماله إلى العربية، منها: كتاب/ نافذة العرب على العالم .. كما تنقل عنه في ذلك شبكة المعلومات.
يعرض الفهرس قائمة مطوّلة من المقالات التي يحظى معها الكتاب بنجمتين من رصيد أنجمي الخماسي، والذي أعرض ما جال في خاطري من تجليّاته بعد القراءة في الأسطر القادمة، وباقتباس في نص ملهم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) بالإضافة إلى ما سبق من اقتباس:
“أحب البيت الواطئ
البيت الذي يصل فوراً إلى السماء
البيت الذي لا تزاحمه طوابق أخرى سوء الهواء ..
أحب وقت الساحة
أحب البيت الكبير
على طرف باحة ..
أحب الوقت الساكن
الوقت برغبات غير مفيدة
وبأن لا نفعل أي شيء ..
أحب حبيبتي الضوئية الموعودة
ضماناً للسعادة في قلب النعمة
أحب جسدها الفتي الذي لا يطفئه الظل ..
أحب أن أرى عند الآخرين ما يواصل حركتي
مثل القمر الذي يلمع وحيداً في عدد هائل من المرايا ..
أحب الشارع الهادئ بكل شرفاته التي تتقاسم السماء
والأروقة السخية المثقلة بالأمل ..
أحب الشارع الوحشي
الذي يمزقه الغروب والرحيل“
لم أكن حتى هذا الكتاب أعرف شيئاً عن سيرة بورخيس الأدبية، غير أنني تعرّفت عليه ابتداءً من خلال كتب مواطنه، الأديب العالمي ألبرتو مانغويل -الأرجنتيني الأصل الكندي الجنسية- الذي ذاع صيته في العشرين عاماً الماضية كمترجم وروائي وكاتب مقالات، والذي حالفه الحظ -كما يقول- بأن يتتلمذ على يد الأديب لويس بورخيس، وهو أحد أبرز أدباء القرن العشرين.
وأختم بما راق لي في خواطر بورخيس عندما قبل على مضض القبول بإدارة المكتبة الوطنية، بعد إلحاح أصدقاؤه وتوزيعهم عريضة عن هذه المطالبة، إذ كتب حينها: “لقد تخيّلت الجنة دائماً على شكل مكتبة! آخرون تخيّلوها على شكل حديقة أو قصر. كنت إذن هناك .. أي في قلب تسعمائة ألف مجلّد بمختلف اللغات” .. وعني، فأتخيل المكتبة (لا الجنة) تطفو فوق الغمام الأبيض، باتساع الأفق، المظلل لقصر الحديقة .. في تلك الجنة!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً من المفكّرة: جاء تسلسل الكتاب (18) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2022، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية خلال العام نفسه، ضمن (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
أنشطة شهر أغسطس: استأنفت القراءة بعد انقطاع عدة أشهر لاستكمال مهمة ما .. وكأني تنفست الصعداء من جديد!
تسلسل الكتاب على المدونة: 349
تاريخ النشر: أغسطس 29, 2022
عدد القراءات:533 قراءة
التعليقات