مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
لا تفاجئ د. نوال زينب السعداوي قرّائها كثيراً! ففي جرأة وصدق وبلاغة وبيّنة معتادة، ينقل قلمها الرشيق كرشاقة قامتها، في تدفق سلس متناغم، صور لأحداث عاصرتها لا تفارق مخيلتها، بين أنماط بشرية وحشرات زاحفة وطعام رديء وأجواء رمادية، ومشاعر اختلطت فيها الرهبة من المجهول والإصرار على المواجهة والحفاظ على روح متّقدة .. خلف القضبان! وكل ذلك كان بلا ادعاء، بلا تهمة، وبلا قاضٍ، استقطعت أوصالاً من شبابها آنذاك.
إنها إذاً د. نوال السعداوي (1931 : 2021) الرائدة في مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة على وجه الخصوص. تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة عام 1955 وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة. وبالإضافة إلى ممارسة مهنة الطب، تقلّدت مناصب مرموقة في بلادها، كمنصب الأمين العام لنقابة الأطباء، ومنصب المدير العام لإدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة، ورئاسة تحرير مجلتي الصحة والجمعية الطبية .. كما ساهمت في تأسيس الجمعيات الحقوقية، وقد حصدت عدد من الجوائز العالمية، وتُرجمت أعمالها العلمية والفكرية والروائية إلى أربعين لغة. تشرّبت الطبيبة قيم الصدق والحرية والاعتداد بالذات منذ طفولتها، حيث ناضل والدها ضد الاحتلال البريطاني وشارك في الثورة الشعبية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، حتى تم معاقبته بتعطيل ترقيته لسنوات بعد نقله إلى قرية صغيرة، وقد كان حينها مسئولاً في وزارة التربية والتعليم. لا عجب إذاً أن يتم زجّها في سجون الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وتحديداً في عام 1981 ضمن حملة استهدفت مجموعة من الأدباء والكّتاب والصحفيين، بشبهة نشر الآراء التحريضية ضد الوطن ورموزه .. وقد قالت في مذكراتها عن قيمة الإنسان: “إن كل شيء أجنبي أصبح أعلى قيمة من أي شيء مصري .. حتى الإنسان”.
تفاصيل قاسية لا تخلو من تفاؤل، تسردها الكاتبة من لحظة اعتقالها إلى ما بعد إطلاق سراحها، يعيشها القارئ في كل لحظة، بما تحملها من قهر واستعباد، وبما يتخللها من ابتسامات وقفشات، وبما يغلفّها من تحدٍ وأمل، تحلّت بها الدكتورة .. السجينة السياسية، مع قريناتها السجينات السياسيات والسارقات والداعرات والقاتلات .. والشاويشات أيضاً. وعن تلك التفاصيل أتحدث كما يلي:
تُلقي الكاتبة الضوء على نماذج من أخلاق السجينات المتأرجحة بين التشدد الديني والانحلال الخلقي، فمن السجينات من انتقبن، وتلين القرآن ليل نهار، وقد تشبعن بكل ما من شأنه تحقير المرأة والحطّ من قدرها كإنسانة في المقام الأول! ومن السجينات من قتلت زوجها وقطعته إرباً بعد أن وجدته مستلقياً فوق ابنتها ذات التسع سنين، وذلك عندما عادت من عملها اليومي في فلاحة الأرض إلى دارها فجأة، حيث يقبع زوجها آكلاً شارباً نائماً شاخراً ليل نهار! ومن السجينات مومسات كن يتبجحن في إسفاف، وقد شوهدن يتحرشن بطبيب السجن الذي كان يتعاطى معهن في نشوة، عُرف بها.
بين ثنايا المذكرات، تعود الكاتبة بالذاكرة أدراجها، مسترجعة ملامح من طفولتها بين أم شمّاء أبيّة تثور لكرامتها، وأب حرّ مناضل يلعن الإنجليز .. بساطة جدتها لأبيها في الريف، وأبّهة جدتها لأمها في الترف، ورغم اقتضاب الكلمات، فقد أثارت الدكتورة قدر من الشجن في رثاء والدتها ولحظات احتضارها التي لا تُنسى!.
يُدرج الكتاب تحت أدب السيرة الذاتية، وأدب السجون أيضاً .. أياً كان، فقد حظي بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي. وقد جاءت خواطر الدكتورة بين سطور مذكراتها لتنمّ عن حس وفكر، وعن جمال وفلسفة، لطالما آمنت بها ووصمت بها .. اكراماً تارة، واتهاماً تارة أخرى. وأختم باقتباسات من مأثور قول الكاتبة في نص ثوري كثورتها الباقية ما بقيت الحياة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
ختاماً .. يتزامن توقيت نشر أول كتاب للدكتورة نوال السعداوي على مدونتي مع أول يوم لرحيلها (21 مارس 21) .. وإنها ليست بمصادفة أن تُفقد الأم في يوم الأم!
ترحل الحرة .. وتبقى القضية!
ولروحها السلام.
تم نشر المراجعة على:
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل المذكرات (26) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما. وهي رابع ما قرأت في شهر يوليو من بين ست كتب، وقد حصلت عليها من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2016 ضمن (35) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
تسلسل المذكرات على المدونة: 37
تاريخ النشر: مارس 22, 2021
عدد القراءات:1414 قراءة
وكيف لمجتمع يكبل المراة ويراها عورة ان يكون حرا!!!!!!!!!!! ادا لم نستطع تحرير العقول فان لنا ان نحرر الاوطان؟
رحم الله الكاتبة وجعل علمها في ميزان حسناتها
وكفاه المجتمع عقاباً مخزياً حين يعتبر المرأة عورة .. أن تكون أمه عورة !!
الثورة لا بد أن تأتي من الداخل .. من نسف عقول عشش فيها هراء موروث أضفى عليه المحرّفون صفة القدسية!
رحم الله د. نوال قدر ما نهش مقامها وعلمها وفكرها الفجّار .
شكراً جزيلاً هالة