♥
وفي يونيو من عام 2024
أي بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف على افتتاح مدونتي
أصبحت مدونتي تضم مراجعات كتابية
عن 500 كتاب
♥
مع خالص الشكر لأصدقاء الكتب على الدعم والمتابعة
♥
اقرأ
لا
لأنني
زاهدة
في
الحياة
لكن
لأن
حياة
واحدة
لا
تكفيني
♥
ليست المباني التي تحيط بأهلها مجرد قوالب صُبت من خرسانة وأسمنت ورمل وماء، بل واجهة لثقافة شعب حاضر وماض .. الثقافة التي تعكس فن وذوق وطقس وعقيدة وتاريخ وحضارة كل من ينتمي لها. لا تختلف العمارة العراقية كثيراً عن شبيهاتها من مدن الشرق، غير أنها حظيت بغرام من لا يشبهها في شيء!
إنه المعماري الأمريكي الفذّ فرانك لويد رايت (1867 : 1959)، أو (جني بغداد) كما أطلقت عليه الصحف الأمريكية ظناً بتلبّسه، حين رفض العمل على بعض التصاميم المعمارية لمدينة نيويورك (ومن لا يتمنى؟)، مقابل حضوره لمدينة بغداد والعمل بدلاً من ذلك على تصميم وتخطيط مركز ثقافي بها. لقد كان ذلك بناء على استدعاء خاص من ملك العراق فيصل الثاني آنذاك، وقد كان المعماري حينها يحتفل بعامه التسعين والذي عقّب قائلاً: “أنها أجمل هدية عيد ميلاد”. لم يأت ذلك من فراغ، فقد ارتبط منذ صغره مع بغداد بقصة عشق استلهمتها مخيلته من سحر الألف ليلة وليلة، وبالتاريخ الذي ازدهر زمن هارون الرشيد، وقد أخذ منه الطابع المعماري الشرقي مأخذاً .. العشق الذي جعله يضع نصب عينيه وصل ماضي الشرق بحاضره، في الوقت الذي أصبح فيه معمارياً بارزاً. ليس مستغرباً إذاً أن تمثّل بغداد له (جنة عدن) في الأرض، وقد تصوّر تمثالي (آدم وحواء) اللذان خطط لتصميمهما في مركز حديقته تحت نافورة تشكّل قبة من ماءها، أو كما قال: “حيث بدء الحضارات في بغداد”.
لم تقف خططه التصميمية عند دار الأوبرا وما سيُلحق بها من مراكز تسوّق ومواقف للسيارات وحدائق مطلّة، بل كانت خطة شاملة تستهدف العمارة على ضفتي نهر دجلة، فوضع لذلك أيضاً مخطط لدائرة البريد، وجامعة بغداد، وعدد من المتاحف. كان المعماري يتحلى من شيم الأخلاق ما جعله يوكل مهام التنفيذ إلى المعماريين العراقيين، بعد أن عكف دؤوباً على مهام التصميم والتخطيط ثمانية أشهر متواصلة “وأرسلها إلى مجلس الإعمار في بغداد، وكان فرحاً جداً وفخوراً بهذا الإنجاز وهو يعرض التصاميم في مكتبه، ويتحدث عنها في الأوساط المعمارية، كما عرضها على أفراد الجالية العراقية في أمريكا، واعتبرها خيرة ما أنتج في سنين حياته الأخيرة”. يعود رايت من ثم إلى بلاده ومعه شيء من تلك التصاميم للعمل بها في ولاية أريزونا، لتشابه جوها إلى حد ما مع جو بغداد، في لفتة على إصراره تحقيق حلمه وعشق المدينة .. وقد تم اعتمادها رسمياً في السجل الوطني للمواقع التاريخية في أمريكا. أما في ظل البيروقراطية، واشتعال ثورة تموز عام 1958 في العراق، وبحجة اعتباره “مشروع خيالي ضخم مكلف قد لا يمكن تنفيذه في الحال”، فقد أخرّ المجلس المختص في وزارة الإعمار قرار اعتماد التصاميم لصالح إعمار الأبنية الملّحة كما ارتأى. وبمرور الوقت، وبعد مرور خمس سنوات على الثورة، تم رمي التصميمات والمخطوطات فوق سطح وزارة الإعمار، حتى تم العثور عليها متفرّقة من قبل معماريين عراقيين، اكتمل تجميعها مع بداية السبعينيات من القرن الماضي.
ومما يجدر الذكر به، فإن المعماري الأمريكي -رغم شعبيته- لم يكن محبوباً لدى سلطات بلاده لا سيما المخابراتية، وقد عملت على تجنّب تكليفه بالأعمال الحكومية حين أبدى اعتراضه على مبنى حكومي تم تشييده وفق طابع كلاسيكي لثلاثينيات القرن الماضي، في حين أن “المباني الحكومية هي للشعب” كما كان يعتقد، وأن الشعب الأمريكي يتألف من شعوب عدة بطبيعة الحال. وعلى إثر هذا التصريح الذي يرفض تقديم اعتذار عليه، يُسجن لعدة أيام، حتى تقوم سينما هوليوود بإنتاج فيلم عنه يحمل اسم (هورد رورك) فيما بعد، يضج بدوره الرأي العام على مشهد المحاكمة فيه، تأكيداً على قيم حرية الرأي لديه.
يعرض فهرس الكتاب القصير التسلسل لمهمة المعماري الأمريكي في بغداد. ومن بينها، أعرض ما علق في ذهني بعد القراءة -وقد حظي الكتاب بنجمتين من رصيد أنجمي الخماسي- وباقتباس في نص طوبي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، كما يلي:
وأختم في قول للمعماري لا يخلو من تصوف وجمال ومحبة للوجود .. في نصه الأصلي باللغة الإنجليزية وترجمته:
كلما تعيش أكثر تصبح الحياة أكثر جمالاً، أما إذا كنت تتجاهل بحماقة الجمال فسوف تجد نفسك بدون حياة وحياة فقيرة، ولكن إذا كنت تستمر في الجمال فسوف تبقى الحياة معك كل الأيام
The longer I live the more beautiful life becomes. If you foolishly ignore beauty, you will soon find yourself without it. Your life will be impoverished. But if you invest in beauty, it will remain with you all the days of your life
بالإضافة إلى هذا، يزخر الكتاب بمجموعة من الصور لمباني ومخطوطات ومناظر عامة، وكذلك نصوص من المداخلات التي أجراها المعماري الأمريكي منقولة بلغتها الأصلية مع الترجمة.
رغم أن الكتاب يظهر اختصاصي في أغلب أجزائه، إلا أنه يضيف قدر من الفائدة للقارئ العادي في فن العمارة.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (37) في قائمة ضمت (57) كتاب قرأتهم عام 2021 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها وثلاثة كتب أعدت قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان أكثر بكثير، لكن لم تسمح ظروف الحياة لمجابهته! وهو عاشر كتاب اقرؤه في شهر نوفمبر من بين ثلاثة عشرة كتاب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في فبراير من نفس العام، ضمن (20) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.
على الهامش: لقد قمت بنشر المراجعة عن هذا الكتاب تحديداً في هذا الوقت، رغم وجود قائمة طويلة لكتب قرأتها مسبقاً والتي أنا بصدد تنقيح مسودات المراجعة الخاصة بها ونشرها .. لكن جاء هذا النشر المسبق بناء على طلب بعض المتابعين من أرض العراق .. فأرجو أن أكون قد وُفقت.
ومن فعاليات الشهر: لا شيء مميز فيه، غير أن حماس القراءة قد أخذ بي مأخذاً تلاه الشهر اللاحق، لما فرّطت من قراءة ما أعددت له من كتب كان ينبغي عليّ قراءتها في الأشهر الماضية .. أو هكذا أظن!.
تسلسل الكتاب على المدونة: 81
تاريخ النشر: نوفمبر 27, 2021
عدد القراءات:891 قراءة
التعليقات