الكتاب
تدابير القدر
المؤلف
دار النشر
دار وحي القلم
الطبعة
(3) 2014
عدد الصفحات
111
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
12/26/2018
التصنيف
الموضوع
قصص ليعتبر بها أولو الألباب
درجة التقييم

تدابير القدر

على الرغم من أنها مجموعة قصصية قد لا تختلف في ظاهرها عن غيرها، إلا أن الكاتب اختار لها عنواناً فرعياً يصفها بـ (قصص واقعية هادفة)، حيث يسرد فيها بعض من قصص إنسانية جرت حقيقة على أرض الواقع، يغلّفها طابع روحاني طاغٍ وتفعم بجزيل الحكمة والعبرة والموعظة. لهذا، يكيل الكاتب في مقدمة كتابه تشنيعاً على مؤلفي القصص التي تفتقر إلى المستوى الأخلاقي المطلوب في النشر على العامة، فضلاً عن ناقليها من لغاتها الأجنبية، مثل: “القصص الجنسية التي تغري بالفساد، ومنها القصص ذات الطابع الإجرامي التي تُغري بالجريمة، ومنها القصص التافهة التي تبدد الوقت عبثاً”، وقد وضع نصب عينيه إثراء القرّاء بقصص تعود بالنفع والخير والصلاح عليهم. حيث يقول ابتداءً: “وحياة المرء تنتهي بالموت، وحياة الدنيا محدودة بالأيام والأشهر والسنين، وحياة الآخرة بلا حدود، فلا ينبغي أن نعمل لحياة فانية، ولا نعمل لحياة باقية، وهذه القصص تحث على العمل الصالح في الدنيا للآخرة”.

أما الكاتب، فهو محمود شيت خطاب (1919 : 1998) يعود في أصله إلى مدينة الموصل الواقعة في شمال العراق. التحق بالعمل الدبلوماسي كوزير، والعسكري كقائد حيث شارك في حرب فلسطين عام 1948، وله من المؤلفات ما تتجاوز المائة وستين كتاباً في العلوم الدينية وكذلك السياسية، فضلاً عن عدد من المقالات والأبحاث المنشورة في الصحف والمجلات العربية والإسلامية.

يستقطع الكتاب القصير نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي، والذي تعرض صفحة الفهرس منه ثمانية عناوين لقصص مختلفة تتقدمها صفحتي (إهداء) و (مقدمة)، هي:

  1. الرؤيا الصادقة
  2. تتمة الرؤيا الصادقة
  3. يا أيتها الحمامتان اشهدا .. لقد شهدتا
  4. قاتل أبيه
  5. الملّاح القاتل
  6. وليمة قندهارية
  7. مجالس الذكر
  8. في ضيافة النبي

… وعن هذه الأخيرة التي جاءت بخاطرة لا بقصة، فقد حمّلها الكاتب نفحات مفعمة بالابتهالات والروحانيات والأشواق وهو يستحضر مشاعر غمرته بالحب والرضا والسكينة عند حضرة الروضة الشريفة، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وذلك أثناء زيارته للمدينة المنورة. وفيها قال: “يا الله .. هنا العظمة الحقة، هنا الجلال والجمال، هنا الهدى والنور. إن كل عظمة غيرها سراب، وكل جلال غيره غثاء، وكل جمال عداه هراء، وكل هدى إلاه ضلال، وكل نور بعده ظلام”.

ومن قصصه المؤثرة، أفرد الأسطر القادمة للقصة الثالثة التي جاءت بعنوان (يا أيتها الحمامتان اشهدا .. لقد شهدتا)، والتي يتجلّى فيها مكر الله في تدبير القدر الذي وإن طال أمده لا بد وأن يحقّ العدل في الحياة الدنيا، الأمر الذي يدعو إلى تعظيم مقامه عز وجل، وهو يُمهل ولا يُهمل .. وباقتباس في نص روحاني (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

تشهد حمامتان فوق غصن شجرة على مقتل تاجر موصلي بطعنة خنجر عالجه بها رئيس عصابة لمجموعة من قطّاع الطرق بعد أن سلبه كل ما يحمل معه من مال، وقد كان هذا اللص قد “جمع من المال الحرام مبلغاً ضخماً، فبدده على موائد الميسر ومجالس الشراب والمواخير .. والمورد الحرام ينفق على الحرام ولا يخلّف غير الآثام والخراب” .. ففي صغره، كان يجالس قطاع الطرق الذين كانوا يُضفون على ما اقترفوه من جرائم سمات البطولة وهم أبطالها “كما يُضفي عليهم الذين يسمعون أحاديثهم من أضرابهم سمات الرجولة، فيتبختر السكارى في غيّهم وانحرافهم كأنهم خالدون في الدنيا وليست لحياتهم نهاية كما كانت لها بداية ولا على ما اقترفوه من حساب”. وقد كان تاجر المواشي والأغنام قد حلّ على مدينة حلب من أجل صفقة لبيع مواشيه في سوقها التي تمت بربح عظيم، حيث كمن له ذلك الشقي مع أفراد من عصابته في وادٍ بعد مراقبته بحذر وترّقب! “وكان التاجر في استغاثته وتوسّله ينظر يميناً وشمالاً، لعله يجد من يغيثه ويستجيب لتوسله، ولكنه لم يجد أحداً من الناس، ووجد فوق الشجرة التي ذُبح تحتها حمامتين، فقال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: أيتها الحمامتان اشهدا” .. الرجاء الذي أثار سخرية القاتل فقهقه له كثيراً وهو يكرر “أيتها الحمامتان اشهدا” ثم “مضى إلى سبيله وهو يقهقه كأنه سمع نكتة بارعة تستدر القهقهة والضحك والابتسام”. وبعد أن تُطوى الأيام والشهور والأعوام، ويتعاقب الولاة والقضاة والخلائق، وقد تم تقييد الحادثة المؤسفة ضد مجهول حين وقوعها مع الاكتفاء بتقديم النعي لأبناء التاجر الفقيد الذين “أوكلوا قضيته إلى الله” .. يقدم القاتل إلى وليمة دُعي لها مع كثير من وجهاء المدينة وعامة الناس، وقد كبرت سنه بعد أن بقي طيف التاجر المغدور يطارده والحمامتان أينما حل وذهب، فإذا بحمامتين محمّرتين فوق طبق شهي قبالته .. فيحملق، ويسترجع ذكرى ما حدث وكأنها شاخصة أمامه في تلك اللحظة بكامل أركانها الفاجعة، ويطرق برأسه ملياً فلا يقوى على الكتمان، ثم يصدح بـ “قهقهة لا إرادية يستعيد بها قهقهته الإرادية وهو يجهز على القتيل، كأنه نسي الوليمة والمدعوين، وعاد بذاكرته إلى الماضي البعيد .. فهو حاضر كالغائب أو غائب كالحاضر” .. فينطق بتفاصيل جريمته النكراء كبيرها وصغيرها، ويقرّ بها على مرأى ومسمع من الجميع الذين أصيبوا بالذهول التام .. “ولاحقته الأنظار المستغربة والأسئلة المبهمة، وبشكل لا إرادي تنهد طويلاً ثم انطلق يحدّث من حوله قصة المنكوب بروحه وماله، كأن قوة خفية قاهرة تحرك لسانه بشكل لا إرادي، فلم يترك شاردة ولا واردة من قصته إلا وأفشاها للحاضرين”. وحينما أفاق من سكرته بعد فوات الأوان، وأحيل اعترافه إلى قائد الشرطة بعد أن وصل إلى مسامع والي حلب الجديد وحُكم عليه بالإعدام شنقاً، أجاب حين سأله أبناءه وزوجه وأقاربه وكل من صادفه كيف أباح بسره المكتوم بعد طول سنين قائلاً: “إن إرادة قاهرة شلّت إرادتي واجبرتني على الكلام”. وفي اللحظة التي لفّ فيها حبل المشنقة عنقه قال يعترف اعترافه الأخير: “لم أتكلم بلساني، بل بلساني الحمامتين اللتين كانتا في الطبق المستقر أمامي في دعوة العشاء”. وقد أقرّ من قبله الوالي والقاضي وقائد الشرطة وجميع الناس: “لقد شهدتا”. ووسط تهليل وتكبير الحشود التي تجمعت في موقف يشهد من عجيب تدابير القدر ما يشهد، تحوم أسراب من الطيور فوق جثمان القاتل حتى تستقر اثنتان منهما فوق رأسه .. لا تتحركان، “وهدرت الحشود بصوت واحد: لقد شهدتا”. يختتم الكاتب هذه القصة بقول يذكّر المؤمنين الذين تنفعهم الذكرى بأن الله غالب على أمره، فإن عجز قانون الأرض عن إحقاق الحق فإن قانون السماء نافذ .. وبالمرصاد، ولو بعد حين، فيقول: “عجزت عدالة الأرض في اكتشاف سر القتيل السليب، فبقي ‎القاتل السالب طليقاً سنين طويلة، يحمل معه السر الدفين .. ‎ولكن عدالة السماء كانت للقاتل السالب بالمرصاد، ‎فكشفت سره وساقته إلى القضاء .. ‎وأمهله القدر ساعة، ولكنه لم يهمله إلى قيام الساعة .. ‎وشهدت الحمامتان، فساقته شهادتهما إلى مصيره المحتوم”.

وأختم بدوري بالآية الكريمة التي افتتح بها الكاتب كتابه وقد أهداه إلى من يستمع القول فيتّبع أحسنه .. “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (50) ضمن قائمة من (52) كتاب قرأتهم في عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهو سادس كتاب اقرؤه في شهر ديسمبر من بين ثمانية كتب، والذي حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية في نفس العام ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

وللكاتب -إضافة إلى هذا الكتاب- كتب أخرى تصطف فوق أرفف مكتبتي الغرّاء، هي: فتوح البلدان الإسلامية / قادة فتح الأندلس / عدالة السماء / أقباس روحانية / نفحات روحانية.

من فعاليات الشهر: لا شيء سوى استغلال الوقت الضائع من العام لقراءة المزيد، غير أن هذا الشهر لم تزد الكتب المقروءة فيه عن الشهر السابق إلا بواحد.

تسلسل الكتاب على المدونة: 121

 

 

تاريخ النشر: مارس 23, 2022

عدد القراءات:523 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *