مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
المرض النفسي هو سمة العصر .. فقلما يوجد أحد لا يعاني نفسياً بشكل أو بآخر! كيف لا وقد خُلق الإنسان في كبد، ويأتي اعتوار نفسه صورة من صور مكابدته في هذه الحياة، وقد قال أبو العلاء المعري من قبل: “كل من لاقيت يشكو دهره .. ألا ليت شعري هذه الدنيا لمن؟”.. غير أن د. عادل صادق يؤكد أن الحب هو الدواء الناجح المشترك لأي مرض كان، إذ يقول في مقدمة كتابه: “تهوي النفس مريضة إذا مات الحب في خلاياها” .. فالحب هو جوهر الحقيقة .. جوهر الخلق .. جوهر المرض والشفاء.
هو كتاب رائع .. بالحب يبدأ وبه ينتهي .. يلخّص فيه د. صادق كعادته المعلومة العلمية بأسلوب أدبي رفيع يخاطب عقل وروح القارئ معاً، وهو يسرد عدد من أكثر الأمراض النفسية والعقلية شيوعاً .. أسبابها، أعراضها، طرق علاجها، وهو سرد موجز قد يدفع المهتمين للتوسع في البحث عنها فيما بعد.
عجباً كيف يرى القارئ وجوه من حوله بين الشخصيات المرسومة في الكتاب، والأعجب أنه قد يرى نفسه متلبساً ببعض الأمراض النفسية الذي يصرّ كبرياءه على إنكارها.
إنه إذاً د. عادل صادق (1943 : 2004). تعلّم وتخرج في كلية الطب عام 1966 نزولاً على رغبة والده، رغم ميله نحو الأدب والفن الموسيقى، ثم حصل على درجة الدكتوراة في الأمراض العصبية والنفسية عام 1973، وعمل أستاذاً للطب النفسي والأعصاب بكلية طب عين شمس. شغل مناصب أخرى منها رئيس تحرير مجلة الجديد في الطب النفسي، وأمين عام اتحاد الأطباء النفسيين العرب، وافتتح عام 2000 مستشفى يحمل اسمه لعلاج الإدمان والأمراض النفسية لا يزال يحظى بشهرة واسعة على امتداد الشرق الأوسط. عُرف بالنبوغ منذ صغره وبدماثة الأخلاق وإخلاصه للعمل وسعيه الحثيث نحو رفع وعي المجتمع بالمرض النفسي وسبل علاجه، وذلك من خلال مؤلفاته وأبحاثه التي تجاوزت الثلاثين إصدار، والتي أهلّته عام 1990 للحصول على جائزة الدولة في تبسيط العلوم.
حوى فهرس الكتاب ستة عشرة موضوعاً -باستثناء صفحات الإهداء والمقدمة والخاتمة- أسرد في مقتطفات مما علق في ذهني منها ما يلي:
ومن جميل ما ورد في الكتاب الذي استنفد رصيد أنجمي الخماسي كاملاً، اقتبس في نص من الليلك ما يلي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
… يبقى الإيمان بالله ينير بصيرة المؤمن بحكمته جلّ وعلا، وهو في أحلك الظروف!.
أختم كمسك باقتباس أخير للمؤلف -رحمه الله- في هذا المعنى الروحاني وقد خبر الحياة كطبيب نفسي ظل شبح الاكتئاب يطلّ أمامه في بعض الأحيان كمرض مبهم لا يعرف له حكمة:
“ولا أتصور إنساناً يدرك بعمق وفهم معنى الحياة إلا إذا مر بتجربة اكتئاب ..
ولا أتصور فناناً مبدعاً خلّاقاً يستطيع أن ينسج ألحاناً أو ألواناً أو كلمات تعبر عن الإنسان وحياته بصدق إلا إذا مر بتجربة اكتئاب ..
إن المرور بتجربة اكتئاب والخروج منها يكسب الإنسان وعياً جديداً”.
ورب ضارة نافعة!.
تم نشر المراجعة على صحيفة المشرق العراقية 22 يونيو 2022 – صفحة (10)
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (8) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة. وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه ضمن مجموعة من كتب المؤلف من معرض للكتاب بإحدى الدول العربية.
لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.
تسلسل الكتاب على المدونة: 31
تاريخ النشر: مارس 9, 2021
عدد القراءات:1515 قراءة
قرأة جميلة ورحلة في اعماق الإنسان …فعلا راقت لي…
تهوي النفس مريضة إدا مات الحب في خلاياها…
يفتقد البشر الحب .. لا الحب الغريزي فهو الطاغي وهو البلوى .. بل ذاك الحب الذي يصنع المعجزات.