الكتاب
من شارع الرشيد إلى أكسفورد ستريت: قصص للضحك والبكاء
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
From Rasheed Street to Oxford Street: Stories for tears and laughter – By: Khalid Kishtainy
دار النشر
دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة
(3) 1999
عدد الصفحات
202
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
11/12/2018
التصنيف
الموضوع
الإنسان في مزيج من ضحكات ودموع .. وحزن مغلف بفرح
درجة التقييم

من شارع الرشيد إلى أكسفورد ستريت: قصص للضحك والبكاء

كتاب يحوي بين دفتيه مجموعة قصصية، يتأرجح فيها قلم الكاتب بين انتاج سياسي عنيف اللغة وبين سخرية لاذعة عن واقع الحياة وشظف المعاش .. في مزيج لا يتجانس من ضحكات ودموع، وحزن يغلّفه فرح.

يوضح المؤلف في المقدمة التي خطّها بعنوان (كلمة ونص) مدى واقعية القصص الواردة في مجموعته، فبينما يأتي بعضها من نسج الخيال يأتي بعضها حقيقة عاصر هو أحداثها وشخوصها. بيد أن المجموعة إجمالاً في مختلف الأحداث والوقائع والمواقف التي جاءت بها تعكس صورة أو أكثر للقارئ حين يجد بينها موضعاً لنفسه أو لأهله أو لأقرانه، أو مما شهد عليه قليلاً أو كثيراً.

ومن خلال نصف صفحة، يتعرّف القارئ على كاتب المجموعة. إنه صحفي عراقي الأصل، ولد في بغداد واستقر به الحال في بريطانيا، وهو يحتل حالياً عمود في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، ينشر فيها مساهماته الأدبية والفكرية والساخرة كذلك. يظهر الصحفي متعدد المواهب، حيث تفيد سيرته الذاتية دراسته للقانون والفنون معاً، وعمله في التدريس والتأليف والترجمة والإذاعة والإعلام. أما نصف الصفحة الآخر، فيطالع القارئ من خلاله بعض من باكورة إنتاجه الغزير.

تعرض صفحة (المحتويات) ثلاثة أقسام رئيسية تندرج تحتها تلك القصص المتنوعة، كالآتي:

  1. من شارع الرشيد
  2. وإلى أكسفورد ستريت
  3. قصص بالإنجليزية

ومن المجموعة التي نشرها الكاتب في قالب مقالات صباحية، والتي حظيت بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، أسرد ما علق في ذاكرتي منها، وباقتباس في نص شجي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) وقد جاء عنوانها المرادف بالإنجليزية (From Rasheed Street to Oxford Street: Stories for tears and laughter – By: Khalid Kishtainy):

من المجموعة العربية:

  • كم هو الوطن غال .. وأسأل كل مغترب شريف، وأسأل منهم الأستاذ عبدالمقصود عندما طلب من صاحبه المسافر في زيارة خاطفة إلى بلده “حفنة تراب”، والتي أدخلت صاحبه في سلسلة من مغامرات انتهت ببعثرة “حفنة الوسخ” على أيدي ضباط الأمن في مطار البلد، وتقريعه بوابل من شتائم تبعتها نظرات اشتباه واتهام وازدراء أيضاً!. يعكس الكاتب كل هذه المعاني في القصة الأولى (حفنة وسخ)، ويصوّر في لوعة منظراً على لسان بطل القصة وهو في رحلته، قائلاً: “وكان من الطبيعي أن تقودني قدماي في الأخير الى المقبرة. كل الطرق في مدننا العربية تقودك في الأخير الى المقبرة. تستقبلك عند دخولك المدينة وتودعك عند خروجك منها. وتذكرك بأن من ماتوا أكثر عدداً ممن بقوا، وان ما عانيته من ازدحام الشارع والأسواق في طريقك إليها أهون بكثير مما ستعاني من ازدحام عندما يحملونك اليها”.
  • أتت قصة النساء المطاطيات في (المطاط في خدمة الجميع) تفضح ازدواجية صنف من رجالات بنو العرب! تلك الازدواجية التي يلتحف فيها أولئك بجلابيب من وقار وأثواب لأعراف وأزر أخلاقية فوق شبق محتدم وسعار جنسي حامي الوطيس، لا يختلف في أواره الطبيب الحصيف عن نظيره المحامي المهيب وأخيهما الأخير البائس الفقير .. فهم سواء في إطلاق المكبوت حين يجن الجنون أو حتى حين لا يجن. تأتي المفارقة في أن الفضل بحصول سعد بن مظلوم على وكالة دمى النساء الكاوتشوك المصنوعات بحرفية في بريطانيا، يعود إلى أستاذ للتاريخ الإسلامي في جامعة بغداد، والذي اطلعه على “بعض المجلات الخلاعية والجنسية التي حملها معه ضمن كتبه وأطروحته الجامعية، كما يفعل سائر الأساتذة” المبتعثين، وقد عاب هذا الأخير على الأوروبيين إلغاؤهم تجارة الرقيق الأمر الذي آل بحرمانهم التمتع بالإماء وملكات الأيمان، حتى جاءت تلك النسوة “اللاستيك” بتضاريسهن ومنحنياتهن وألوانهن وطهارتهن وخنوعهن يضاهين “الأمة المبتاعة في غربي أفريقيا” بل حتى “الزوجة المعقود عليها في عالم الشرق”، في حين جاءت كلفة الواحدة منهن دينار فقط لا غير عن كل ليلة ليلاء.
  • على الرغم من عدم توضيح المؤلف مدى واقعية قصته التي جرت أحداثها في متحف اللوفر مع زميلة الدراسة الإنجليزية والتي التقاها صدفة في عطلة الصيف هناك، فقد اثارت مزيج من انطباعات متضاربة عند قراءتها .. من السلاسة في تعامل الفرنسيين مع غير الناطقين باللغة الفرنسية، إلى الهواية العجيبة في تناول الطعام خلسة أمام ابتسامة الموناليزا بغية الاستلهام الإبداعي، إلى الوقوع في شرها عند انكسار البيضة النيئة فوق السجاد التاريخي بالمتحف، وبين الإحراج ومن ثم الهروب والتسبب في مزيد من الخسائر، ومع خيبة أمل الزميلة، انتهاءً بضياع وجبة العشاء الموعودة .. هي قصة أثارت الضحك والدهشة بجدارة في (سر ابتسامة الموناليزا). رغم هذا، يقول الكاتب في بدايتها: “الفرنسية هي اللغة الوحيدة في العالم تبدو فيها الأسعار المجحفة عذبة على أسماع الزبون”.
  • وفي (صراع مع الشمس)، لم ترحم تلك الأعراف الاجتماعية البالية فطيمة السقيمة التي أنهك جسدها ذاك المرض وتطلّب نقلها إلى مستشفى المدينة!. ولأن النار تخمد أمام العار، اشترط وجهاء القبيلة على ابن عمها وخطيبها الفتيّ حميد بنقلها وإعادتها قبل غروب الشمس، وإلا فإن الألسن والدم والعار لهما بالمرصاد!. لم تسعف شهامة ابن العم وسباقه مع الزمن إنقاذ ابنة عمه، فأعادها بالداء من غير الدواء قبل المغيب، فوفى حميد بنذر الحفاظ على شرف ابنة عمه، ولم توفِ فطيمة في ليلتها شربة الماء التي تمنتها قبل أن تسلّم الروح.

لست يا فطيمة سوى غيض من فيض فطيمات كُثر كان نصيبهن الوأد وهن أحياء .. لا بفعل الحفائر والمدافن، بل بفعل أدران اجتماعية أفرزتها مخيلات ذكورية أشد درناً، واتخذت اصطلاحاً أسم عُرف ومروءة ونخوة وشهامة بل ودين .. ما أنزل الله بها جميعاً من سلطان!.

….. رحمك الله يا فطيمة وصويحباتك.

من المجموعة الإنجليزية:

ملاحظة: ما بين القوسين ترجمتي الخاصة للنص.

  • في الرمزية التي حملتها قصة (من أجل الحب والمال FOR LOVE AND MONEY)، يظهر جلياً كيف يضطر المواطن البائس إلى استغلال جزء من المال العام الذي يكون تحت تصرفه بحكم الوظيفة التي يشغلها، بغية تحسين وضعه المادي، وذلك من خلال أتان العجوز حسنة وحمار جبّار عامل النظافة، حيث تلجأ الأولى إلى تهيئة عش الزوجية لإتمام عملية تخصيب أتانها عن طريق حمار الثاني، طلباً في التكاثر والإعانة على شظف العيش. غير أن الحمار لم يكن فحلاً كما كان متوقعاً بل “إنه وحش مؤمم .. إنه حمار حكومة”، كما صرح الشيخ الروحاني حين لجأ إليه الاثنان ليرى ما الخطب، وقد دفعا له أجرته وأجرة عمّاله، وقد عمل فيما بعد على تحضير وصفة نادرة من المنشطات الجنسية تحتوي على تمر قديم ممزوج بنشارة خشب وبرسيم أحمر جاف منقوع في حليب إبل حامض، مستعيناً بوصية الشيخ والي البرثولي إلى خصي السلطان عبداللطيف في كتابه (تسع وتسعون صنيعة حب للحيوانات ذات الحوافر)، والمتضمن اقتباسات كثيرة من الكتب المقدسة. في الوقت الذي ينشط فيه الحمار عن عجزه، تتطور الأمور إلى أسوأها، حين يقتحم كبير المفتشين مسرح الجريمة الذي كان يحتل قارعة الطريق، ويعاين بالجرم المشهود سوء استغلال موارد الدولة، حينذاك تكون انتهت اللعبة” ويخسر جبّار وظيفته على إثرها، ومن ثم “كان لا بد من فصل المخلوقين، وهما ملكا القطاع الخاص والقطاع العام للاقتصاد المختلط للجمهورية”. تُختم القصة بمشهد لأربع مخلوقات تقطع الصحراء في سعادة، يستمر فيها جبار وحسنة بالنظر ورائهما طوال الوقت وهما يحفزّان البهيمين على السير، وبالزجر أحياناً بـ: “خذ يا ابن الكافر”. يقول الكاتب ختاماً: “وخلفهم، حيث عاشت حسنة سنوات عديدة، ظلت عربة الحمير واقفة في مكانها وما زالت حمولتها الكاملة مشغولة وعموديها متجهان إلى أعلى. سرعان ما أصبح مشهداً مألوفاً وتوقف الأطفال عن تسلقه وتوقف المتسولون عن البحث فيه. وانتشرت القصة في جميع أنحاء الحي من فم إلى فم: (هربت حسنة العجوز مع حمار الحكومة)”.
  • أما القصة الفضائحية (المنديل THE HANDKERCHIEF) والتي عكست جانب من الفساد السلطوي والملحق بالضرورة بالفساد الأخلاقي، فتنسحب على كل قُطر عربي لا محالة، رغم أن الكاتب قد خصّ فيها أرض العراق كمسرح لأحداثها. يأخذ جنون العظمة بـ “القائد الأوحد” مأخذاً بحيث “شرع لملء الأرض وسماء بابل بصورته”، فقد أصبح أي شيء محظور مباح بمجرد الإضافة الحكيمة لصورته .. شمل ذلك البضائع التي كانت ممنوعة من الاستيراد، مثل علكة الفقاعات للأطفال والأسنان الصناعية للكبار والنايلون الأمريكي للنساء، فقد تم منحها جميعاً تراخيص استيراد معفاة من جميع الرسوم الجمركية طالما قد دُمغت بصورة القائد. قد يقف الأمر عند هذا الحد في سلام بين أفراد الشعب المقموع، غير أن منديلاً مطرزة حوافه بالذهب يحمل صورة القائد المعظّم قد تسبب أو كاد في خراب عش الزوجية للسيد هارينجتون وحرمه، بعد أن عبر بابل في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر بين الجبال والبحار، ليستقر في القطعة الداخلية للسيد المدير العام وهو يستقلّ مترو أنفاق لندن عائداً من مؤسسته في المساء إلى منزله. كان السيد هارينجتون بريئاً براءة الذئب من دم ابن يعقوب ومما كالت له زوجه من تُهم، فهو لم يكن خائناً ولا زبوناً لعاهرات عربيات ولا فارسيات ولا مثلي الجنسية، بل كان كل ما في الأمر هو تزامن جلوسه إلى جانب سكرتيرة الاتحاد النسائي الثوري العراقي ذلك المساء المشؤوم، والتي حين أرادت استخدام منديلها أطاح به تيار هوائي فوق أشد الأعضاء حساسية للسيد هارينجتون، والذي سارع بدسّه في بنطاله ظاناً أنه طرف قميصه .. كل هذا وسط الابتسامات المختلسة من شفاه مرتادي المترو، والحرج الشديد للسكرتيرة الخائبة! يجدر بالذكر أن السكرتيرة كانت قبل زيارتها المجيدة إلى بريطانيا في وفد رسمي رفيع المستوى، قد كوفئت بحفاوة منقطعة النظير من قبل القائد الأوحد بجلال قدره، والذي أهداها بيديه الكريمتين المنديل المذّهب -بطل القصة- والمميز عن باقي المناديل المطبوعة بصورته، وذلك حين كبر عليها تلطيخ المنديل المدبوغ بصورة القائد واقتراحها من ثم لرئيسة الاتحاد حمل كل عضوة منديلان، بحيث يحمل إحداهما صورة القائد ويُستخدم الآخر في التف والتمخّط لكونه أصم! أما النقش العربي الذي زخرف المنديل وتسبب في كارثة الزوج النبيل حين فوجئ به وبزوجه تحمله كمستمسك خيانة ضده، فقد حمل كما أشارت إليه عبارة “عاهرة عربية قذرة! اجتماع مهم في لجنة مع مومس مساء كل خميس”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل المجموعة القصصية (42) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهي خامس ما قرأت في شهر نوفمبر من بين سبعة كتب .. وقد حصلت عليها من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية منذ أعوام مضت، وعلى الأغلب وقت صدورها.

تسلسل المجموعة القصصية على المدونة: 103

 

تاريخ النشر: فبراير 5, 2022

عدد القراءات:724 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *