الكتاب
مكتوب على الجبين
المؤلف
دار النشر
مكتبة مدبولي الصغير
الطبعة
(1) 1999
عدد الصفحات
234
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
07/19/2019
التصنيف
الموضوع
وأن البشر أتعس مما نتصور
درجة التقييم

مكتوب على الجبين

الحياة مسرح كبير والناس أبطالها، يداول الله أيامها بينهم، ويجري فوقها ما قد يشيب له الولدان من هول ما كتبه على الجبين!.

الكتاب القصير لفظاً والعميق إيلاماً يدور حول الزوجين اللذين جاء ارتباطهما آية بما أودعه الله بينهما من مودة ورحمة، حتى تأبى الفطرة السليمة لأن تشذّ في بعض الأحيان، فترمي من أعاجيب النفس البشرية بما هو أعجب! لا تستهويني حكايات صراع الديكة، لكن تروق لي الحكمة وتأسرني العبرة في تصاريف القدر .. ولله في خلقه شؤون.

يحوي الكتاب سبعة عشرة مشكلة زوجية أرسلها القرّاء إلى الصحفي عبدالوهاب مطاوع طلباً لمشورته، وقد امتهن تقديم هذا النوع من العطاء الإنساني في عموده (بريد الجمعة)، فيجده القارئ وقد تصدى لكل منها بالنصح والمشورة وبالأنسب من الحلول على قدر ما أوتي من علم وخبرة وحكمة وبصيرة. لكن! وعلى الرغم من جميل القول والإخلاص في المشورة ما أمكن، فقد أتى رد الصحفي متحيزاً في بعض الرسائل إلى بني جنسه! فعلى سبيل المثال، يظهر وهو يحثّ الزوجة الوفية في رسالة (الشيء الجذاب) على غفران خيانة زوجها، وافترض -كيف لا ندري- أن الزوجة قد ندمت ورغبت في العودة إلى طليقها بعد مرور الأعوام الطوال وبلوغ الأبناء سن الرشد، وهي التي لم تتطرق في رسالتها لشيء من هذا البتة، بل لم تتنازل قيد أنملة عن كبريائها واعتزازها بنفسها. عجباً! أهو الغرور الذكوري كالعادة في قلب الأمور ارضاءً لعقدة الطاووسية؟ ثم أنهى رسالته بشيء من التهكم وتحذير من أراد الارتباط بها من أنها “عصية على المغفرة” كما وصمها!. ثم يتجدد التحيز لزوج آخر في رسالة (أحزان الخريف)، عندما فضّلت الزوجة الاستقرار مع أولادها في البلد العربي الذي يعملون فيه، بل وطالبت زوجها بالطلاق، ثم بالزواج من أخرى كحل وسط!. ألم يتساءل الصحفي عن خفايا موقف الزوجة المحتّد؟ ألم يقع في خلده أن يكون زوجها سبباً رئيساً في تعنتها نحوه؟ لقد عُرف عن الصحفي -لا سيما من خلال العديد من كتبه المتعلقة برسائل القرّاء- اعتماده في تحليل مشكلة ما يطرحها أحد الزوجين على تقصي أسبابها عند الطرف الآخر!. وعجباً مرة أخرى، لمَ لمْ يستخدم أسلوبه ذاك في المشكلة التي أثارها هذا الزوج من طرفه؟ يتكرر التحيز لصالح الزوج على حساب الزوجة في الردود على رسائل أخرى ومشاكل مثارة، كما في (الحساب الخاص) و (الحلم الجميل) و (جسر العودة) و (الشيء الغامض) .. وللقارئ المنصف الحُكم.

رغم هذا، فالكتاب يعرض مقاطع من صور ظلامية للنفس البشرية ولمدى تعقيداتها، كفيلة بأن تدمي القلب، وهي ليست سوى غيض من فيض غشي عمر الصحفي حتى أفضى إلى بارئه وقد أمضاه في تنفيس ما استطاع من كرب البشر .. رحمه الله.

ومن الكتاب الذي يحظى بثلاثة نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس ما راق لي من عذب القول في نص يأخذ من زهر الليلك عبقه، كما ورد في مقدمة كل رسالة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

  • في (الشيء الجذاب) .. هناك عائد لكل فضيلة. يقول الصحفي: الجائزة التي ينالها من يحرمون أنفسهم من المتع واللذات غير المشروعة بأنواعها، هي في الثقة التي يهبها لهم الآخرون بلا تحفظ، وفي الارتفاع فوق الريب والظنون”.
  • في (علامات الخطر) .. هناك اختيار صارم يوجّه خط الحياة. يقول الصحفي: “همة الانسان هي التي تعينه على مغالبة أهواء النفس، وعدم الانسياق وراء رغائبها وحدها دون رادع من ضمير أو دين”.
  • في (النسمة الرقيقة) .. هناك تأرجح للإرادة ينتهي عادة بخذلان. يقول الصحفي: “ذكاؤنا الواعي تغيب عنه الحقيقة، لكن إرادتنا الوضيعة هي التي تغلبنا في كثير من الأحيان، وتميل بنا إلى حيث يميل هوى النفس”.
  • في (أشباح الذكرى) .. هناك سم اسمه الغضب وطعنة اسمها الغيرة. يقول الصحفي: “الغضب الأهوج يعمى البصر والبصيرة، والغيرة وحش آخر أكثر ضراوة وتغييباً للعقل منه”.
  • في (الفراغ المشحون) .. هناك طمع للنفس لا يحده حدّ كالشرب من ماء البحر يستلزم المزيد. يقول الصحفي: “إن من أهم أسباب شقاء الانسان أن يثبّت عينيه على ما ينقصه وحده، ويتعذب بتطلعه إليه، فيغفل عمّا أتيح له من أسباب كثيرة للسعادة، وكلما تحققت له رغبة تعذب بغيرها”.
  • في (أحزان الخريف) .. هناك إيمان لا يكتمل حتى توافق محبة الذات محبة الآخر. يقول الصحفي: “من الإنصاف أن نضع سعادة الآخرين في اعتبارنا ونحن نطلب سعادتنا، وألا ننسى حقوق الآخرين علينا ونحن نطلب حقوقنا”.
  • في (الحساب الخاص) .. هناك خلاف لا ينبغي معالجته بالانفصال. يقول الصحفي: “بعض الأثر السلبي لمنازعات الأبوين أرحم كثيراً من انفصالهما، وتمزق الأبناء بينهما”.
  • في (الحلم الجميل) .. هناك من الملائكة قلة في هيئة بشر. يقول الصحفي: “إن أطهر النفوس النفس التي خبرت الألم فرغبت في أن تجنب الآخرين مرارته”.
  • في (الأحلام الغريبة) .. هناك المال وهناك القيم .. ولا مفاضلة بينهما. يقول الصحفي: “إن مال الدينا لا يغني الأبناء شيئاً إذا فسدت قيمهم، وإنه لأفضل لهم مائة مرة أن ينشئوا على القيم الصحيحة في أسرة سوية محدودة الإمكانات عن أن يرثوا أموال قارون وقد اختلت قيمهم وموازينهم، ودفعوا ثمن تمزق الأسرة”.
  • في (جسر العودة) .. هناك تجارب تصقل الزوجان رغم اختلاف حدة التأثر. يقول الصحفي: تجربة الانفصال تحفر في شخصية الرجل آثارها العميقة، وتغير الكثير من أفكاره ونظرته للحياة، تماماً كما تفعل في شخصية المرأة”.
  • في (الجوهرة الثمينة) .. هناك غثيان مصاحب لمكيال السكر الزائد. يقول الصحفي: إشعار الآخرين بالذنب تجاهنا لكي يزيدوا من عطفهم علينا واستمساكهم بنا إذا اخطأوا، ينبغي ألا يتجاوز الحدود الآمنة حتى لا يؤدي إلى نتائج عكسية”.
  • في (الأسئلة) .. هناك من لطائف الله ما يستر وما يحمي. يقول الصحفي: لمن يكون «الستر» وتوفيق الله وحمايته إلا لأبناء «مرضى الشرف»؟ ومتى أمّن المال وحده مستقبل أحد أو مستقبل ذريته”؟
  • في (الأمثلة) .. هناك نعم من الله الباطنة ما تستوجب الحمد. يقول الصحفي: كلمة «الحمدلله» مفتاح كل خير. وأهم نعمة من الله هي القناعة والصحة”.
  • في (الفكرة الجريئة) .. هناك من العزائم ما تحرّك الجبال الراسية. يقول الصحفي: الإنسان قادر دائماً على تعديل أفكاره وإعادة فرزها ومراجعتها ونبذ الخاطئ منها بالإرادة القوية، والعقل المفتوح، والرغبة الملحة في التغيير والإصلاح”.
  • في (الحركة الخاطئة)‎ .. هناك حياة يقابلها اللاقناعة. يقول الصحفي: الإنسان معذب دائماً برغباته وأمنياته، ولا حدّ لمطالبه من الحياة”.
  • في (الشيء الغامض) .. هناك نفس لوّامة تفتك بصاحب النية الصافية إذا زلّ. يقول الصحفي: الضمير الحي قد تصيبه أحياناً غاشية فيغفو قليلاً أو يتغافل، لكنه لا يموت أبداً، بل يستعيد عافيته بعد قليل ويحاسب نفسه عن اختياراتها، ويردها إلى الصواب”.
  • في (الشيء الواضح) .. هناك قليل من مروءة في واقع الأزواج رغم الوصايا المقدّسة. يقول الصحفي: إن صاحب المروءة والدين إذا أحب زوجته أعزها وأكرمها، وإذا كرهها لم يظلمها، ولم يؤذ مشاعرها بما تكره”.

ومع هذا الكتاب، يصطف على أرفف مكتبتي الجوداء اثنان وأربعون كتاباً للصحفي في طبعاتها الأولى، اقتنيتها جميعاً وأنا في بواكير العنفوان، وهي مجموعة أسالت من أدمعي الدافئة أنهارا! رغم هذا، فهي من الكتب المحببة لدي والتي لا أتردد في تصنيفها بكتب (تستحق القراءة وإعادة القراءة). ولقد قرأت هذا الكتاب آنذاك وعدت بعد مضي الأعوام لقراءته من جديد، لأجدد معه ما حملته في تلك السن المبكرة من أدب وفكر وخواطر تتنشّق الحياة، ولأتيقن أن البشر يتناسخون في قوالب من معادن نفيسة ورخيصة تتفاوت، وإن اختلفت أسمائهم وأشكالهم وعناوينهم! ولكأنني عدت إليه مجدداً لأجدد جروحاً ما برحت أن أضافت إلى عمري أعماراً.

تلك رسائل سُطّرت في تسعينيات القرن الماضي، ولا يزال صداها يتردد إلى اليوم رغم رحيل كاتبها، مؤكداً أن ما يصدر من القلب بصدق .. يصل ويتواصل.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (45) في قائمة ضمت (85) كتاب، قرأتهم عام 2019 .. رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (80) كتاب فقط!

 

تاريخ النشر: مايو 1, 2022

عدد القراءات:447 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *