مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
كتاب رغم مادته العلمية، فقد استشهد بواقع إنساني ما جعله فاجع ومؤلم وذو شجن قاسٍ! قد يأتي القدر بالحوادث التي تراها أعين الناس المجردة كجرائم قتل أو اغتصاب أو انتحار أو غرق أو حرق أو حمل سفاح أو موت طبيعي، حتى يأتي الطب الشرعي ليقلب الآية ويُثبت العكس .. فهنا، كما يقول المؤلف وهو طبيب شرعي “نطلّ من خلال نافذة الطبيب الشرعي على عالم الإجرام، ولا دهشة في هذا، إنما الدهشة تأتي أولاً حينما نغوص معاً في أعماق المجرم نسبر أغواره ونرصد فيه لحظة اليقظة والتوبة، لنكتشف أن خيراً ما زال ينبض مع نبض قلبه .. وإنما الدهشة تأتي ثانياً حينما نغوص معاً في أعماقنا نحن البشر نرصد فينا لحظات الغفلة والسقوط، لنكتشف أن شراً ما زال يجري مع دمائنا وفي عروقنا حتى مع الأبرار منا (إلا من عصم ربي)”.
أما عن الطبيب الشرعي محور الكتاب، فهو زميل ذلك الطبيب الذي نرتاد إليه في المستشفى .. وفي حين أن الأخير يتعامل مع البشر وهم أحياء، يتعامل الأول معهم وهم أموات! والمؤلف خير من يعرّف به، فهو: “طبيب تخرج في كلية الطب، لكنه غير مصرّح له بمزاولة مهنة الطب! لأنه ببساطة طبيب قاض يعمل في وزارة العدل”.
يغفل الكثير منا عن الدور الحقيقي للطبيب الشرعي، إذ يعتقد جلّنا بأن دوره يقتصر على فحص جثة المتوفي أو تشريحها في حال حامت شكوك حول وقوع جناية ما في حقه، إلا أن دوره في واقع الأمر هو أوسع من هذا بكثير! إذ يتشعب دور الطبيب الشرعي إلى البت في كثير من القضايا، مثل فحص أداة الجريمة، حالات الاغتصاب، الإفراج الصحي، الأهلية العقلية، إثبات البنوة، العجز الجنسي، حالات التعذيب …..، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
يعرض الفهرس أربع وعشرين موضوعاً حرجاً متضمناً مقدمة تعريفية مؤثرة، استحق بها الكتاب ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي .. من خلالها، يعرض المؤلف عدد من الحالات التي عاينها خلال فترة عمله. وعلى الرغم من محدودية الحالات المذكورة، إلا أنها كفيلة بأن تستحضر قدر كبير من الألم والبؤس والعجب والدهشة لما ما قد تؤول إليه النفس البشرية من تردي ووحشية وشيطنة! فكيف لأم أن تشترك مع عشيقها في قتل طفلها بعد ولادته بغرز دبوس في رأسه؟ وكيف لأب أن يقيد رجلين ويدين طفله ويرميه في الصرف الصحي بعد تورطه في قتله؟
وبعيداً عن الحق الذي لا يضيع بين يدي الخالق، والقوانين المرعية التي سنّتها البشرية، فإنه لا يسلم البر والفاجر من لحظات الغفلة والسقوط، ويأتي المجتمع ليساوي بينهم في العقاب دون مراعاة للتصنيف، بل ويقسو في عقابه دون مراعاة لضعف النفس البشرية.
ومن هول الحوادث ما يكشف عن الوحش القابع في داخل الإنسان، يتحيّن لحظة ضعفه حتى ينقض لا يلوي على شيء .. أسرد حادثتين في نص دموي كما أوردهما المؤلف (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) إضافة إلى ما سبق من الاقتباسات:
جرت العادة أن تطغى المهنة على صاحبها! نعم، يبدو ذلك جلياً في عمق الشعور الإنساني للمؤلف الذي تبدّى من خلال تأملاته في النفس البشرية وعجائب صنيع الله فيها، ومن خلال استشهاده بالكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تثري كل حالة مروية بين دفتي الكتاب.
بينما يقف القارئ إجلالاً للمؤلف د. عماد الديب وللشرفاء من زملائه في هذه المهنة التي يلزمها التجرد من المشاعر الإنسانية من أجل خدمة الإنسانية .. يقف مذهولاً من هول تلك النفس العجيبة التي بين جنبينا، ويردد مسبحاً بعجيب خلق الله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (17) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما! وهو أول كتاب اقرأه في شهر ابريل من بين ثلاثة كتب. وقد كان ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة، بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات.
من فعاليات الشهر: مضيت في رحلة إلى البرتغال لمدة أسبوعين. كانت ممتعة للغاية، طفت فيها أرجاء البلد وشاهدت ما تبقى من آثار العرب الأندلسيين، من خلال برنامج سياحي مكثّف ضم الكثير من سيّاح أوروبيين وأمريكيين. وبينما كان معظمهم يستمتع بمرحلة ما بعد التقاعد، كنت (الصغيرة) بينهم التي حَظيتْ بدلال الجميع. أسترجع كذلك أنني حضرت في الشهر السابق برنامج لتعلّم مبادئ اللغة البرتغالية، وقد كان لطيفاً أن أتبادل مع البرتغاليين كلمات مما تعلّمت.
تسلسل الكتاب على المدونة: 50
تاريخ النشر: أبريل 10, 2021
عدد القراءات:1224 قراءة
التعليقات