الكتاب
لماذا الحرب؟
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Warum Krieg? - By: Albert Einstein, Sigmund Freud
المترجم/المحقق
تقديم وتحرير: د. نادر كاظم - ترجمة: جهاد الشبيني
دار النشر
منشورات تكوين
الطبعة
(1) 2018
عدد الصفحات
60
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
04/17/2024
التصنيف
الموضوع
الحرب ومستقبل البشرية
درجة التقييم

لماذا الحرب؟

كتاب فكري .. وإن تناوله اثنان من أعلام علماء القرن العشرين، أحدهما في الفيزياء والآخر في علم النفس، فقد مسّ في فحواه قضية إنسانية كبرى تعني باستمرارية حياة البشر على فطرتها، ورفض تلك المعادلة غير المتكافئة التي طرفاها على النقيض: (حياة) و (حرب) .. حياة لكي تستمر، لا بد من فرض الموت في وجهه الآخر الأشدّ بشاعة .. الحرب!

في عام 1932، كلّفت (عصبة الأمم والمعهد الدولي للتعاون الفكري) في باريس، الفيزيائي الأشهر من نار على علم (ألبرت أينشتاين 1879 : 1955) بإدارة جلسة نقاش، يختار موضوعها والمُحاور الذي سيدير النقاش معه، حيث وقع اختياره على مؤسس علم النفس الحديث (سيجموند فرويد 1856 : 1939)، لتناول “مشكلة الحرب وأسبابها وكيفية الخلاص من تهديدها” .. وهي الجلسة التي أفضت بكل بساطة -رغم عظم موضوعها ومحاوريها- إلى تأكيد حياة الكائن البشري الفطرية دون أي محاولة لتدجينه، لا بسطوة قانون ولا بشنّ حروب .. وهي المناظرة التي تُعد إحدى أهم المناظرات التي شهدها القرن العشرين، رغم أنها لم تحظَ بحقها من الانتشار، وهي التي لو عاد محاوريها اليوم، لما وُجد اختلافاً كبيراً في خلاصة رأييهما، إذ لا تزال المعضلات الكبرى التي واجهت البشرية مطلع القرن الماضي، هي هي حتى الساعة!

من ناحية أخرى، لم يقع اختيار أينشتاين على مشكلة الحروب عشوائياً، فقد كان بعيد المدى في اعتبار مستقبل البشرية مرهوناً بمدى مواجهة الحروب الدائرة بها، لا سيما مع التقدم المضطرد في صناعة الأسلحة المدمرة. أما عن ترشيحه فرويد بالتحديد لمناظرته، فقد أثار إعجابه من قبل فكرة كتابه (الحضارة وإحباطاتها) التي تفكّ الرباط بين غريزتين تعتملان داخل النفس البشرية الواحدة: غريزة العدوان والتدمير، وغريزة الحب والرغبة في الحياة.

لقد كانت بادرة كريمة تقدّمت بها دار النشر لترجمة هذه المناظرة الثرية وإثراء المكتبة العربية بها ككل، وقد جاءت احترافية من النص الأصلي (Warum Krieg? – By: Albert Einstein, Sigmund Freud) إلى درجة تجعل من النص يبدو وكأنه نص عربي خالص .. وقد نال الكتاب أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي. ومن آراء المحاورين أدوّن أكثرها حكمة، وباقتباس في نص بلون الحرب (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • يكتب أينشتاين في يوليو 1932 إلى “السيد العزيز فرويد” عن الأمن الدولي الذي يجب أن تقع مسئوليته على عاتق كافة الدول، من خلال تأسيس منظمة دولية تجتاز في أحكامها القضائية والملزمة الحدود الوطنية، وتضمن في الوقت نفسه سيادة كل دولة ضمن إطارها المحدود. بيد أن الطبقة الحاكمة في كل دولة تحول دون تحقيق هذا الهدف، في مقابل إشباع نهمها السلطوي، وهي زمرة رغم صغرها “تلوي إرادة الأغلبية المعرّضة للخسارة والمعاناة بسبب الحرب”، بما فيها المدارس والصحافة ودور العبادة، التي تخضع بدورها للسلطة كأداة من أدوات تحقيق أهدافها. لكن، كيف للسلطة أن تنجح في إثارة مشاعر الجماهير وتحريكها نحو أهدافها؟ يجيب أينشتاين عن هذا السؤال قائلاً: هناك إجابة واحدة فقط معقولة، وهي أن الإنسان بداخله نزعة للكراهية والتدمير. في الأوضاع العادية، يكون هذا الميل مستتراً ولا يظهر سوى في الظروف غير المعتادة، إلا أن استدعاءه وترقيته إلى سلطة الهوس الجمعي مهمة سهلة نسبياً. وربما يكمن هنا صلب كل التشابك بين العوامل التي نضعها في الاعتبار، لغز يمكن للخبير في العلم المختص بالغرائز الإنسانية وحده، أن يحله“. يخلص أينشتاين في خطابه بالتفريق بين الصراع على المستوى الدولي، والصراع على المستوى الفردي، فيقول:أن غرائز الإنسان العدوانية تظهر في أشكال أخرى وفي ظروف أخرى. على سبيل المثال، أفكر في الحروب الأهلية التي كانت تنشب فيما سبق بسبب الحمية الدينية، وتنشب الآن بسبب عوامل اجتماعية، أو مجدداً اضطهاد الأقليات الدينية. إلا أن إصراري على شكل الصراع الأكثر نموذجية وقسوة وتطرفًا بين شخص وشخص كان مقصوداً، لأننا نحظى هنا بأفضل فرصة لاكتشاف طرق ووسائل نجعل بها كل النزاعات المسلحة مستحيلة“.
  • أما فرويد، فيرد على “السيد العزيز أينشتاين” في سبتمبر من نفس العام، ويكتب عن العلاقة بين الحق والقوة كما أشار إليها مناظره، غير أنه يحبّذ استبدال كلمة (قوة) بأخرى أكثر قسوة .. وهي (عنف)، واللتان تنجمان عن بعضهما البعض في رأيه، رغم تناقضهما! وعلى الرغم من تطور صور العنف الإنساني من القوة العضلية كما في مملكة الحيوان، إلى الأسلحة الفتّاكة، انتهاءً بالتفوق الفكري، إلا أن إجبار “أحد طرفي الصراع بالتخلي عن مطلبه أو اعتراضه نتيجة تقويض قوته وإضراره” هو الغرض الأساسي من كل حرب! يستمر فرويد في توضيح هذا الغرض الذي يمسك بزمامه فرداً طاغية ضد جماعة مستضعفة، وفي الطريقة الوحيدة حسب رأيه لمواجهتها، قائلاً: هذا هو أصل الأشياء إذاً، سيطرة الأقوى .. سيطرة العنف الغاشم أو العنف المدعوم بالفكر. مثلما نعرف، فقد تغير هذا النظام بحكم تطور الأشياء، وأصبح هناك طريق يقود من العنف إلى الحق أو القانون، لكن ما هو هذا الطريق؟”. هنا ينتقل فرويد في حديثه ليكون أكثر عملية، فيقول: “أنا أؤمن بوجود طريق واحد، الطريق المبني على الحقيقة القائلة بإمكانية مواجهة القوة العليا للفرد الواحد باتحاد عدد من الضعفاء. الاتحاد قوة! يمكن للاتحاد أن يحطم العنف، لأن قوة أولئك الذين اتحدوا الآن مثلت القانون، بعكس عنف الفرد الواحد. وعليه، فنحن نرى أن الحق هو قوة المجتمع، رغم أنه يظل عنفاً على استعداد أن يُوجه ضد أي فرد يقاومه، مستخدماً نفس الوسائل سعياً وراء نفس الأغراض، إلا أن الاختلاف الحقيقي الوحيد هو أن المنتصر لم يعد عنف الفرد، بل المجتمع”. ومن أجل ضمان ديمومة العدل للأغلبية وتحجيم سلطة الفرد الواحد، لا بد من الاستمرار، بل والتحريض عليه وتبنيه بكافة السبل. يقول: “بيد أنه من أجل أن يحدث هذا التحول من العنف إلى العدالة أو إلى الحق المستحدث، يجب أن يتحقق شرط نفسي واحد وهو أن يكون اتحاد الأغلبية مستقراً ودائماً، ذلك أنه إذا اتحدت الأغلبية من أجل مواجهة الفرد الواحد المسيطر وحسب لينفصم اتحادهم بعد هزيمته، فلن يتحقق شيء وسيأتي شخص آخر يرى في نفسه قوة طاغية وسيسعى مرة أخرى إلى فرض سيطرته بالعنف، وهكذا ستظل اللعبة تتكرر إلى الأبد. يجب أن تتم المحافظة على المجتمع بشكل دائم، وأن يخضع للتنظيم، وأن توضع قواعد تنظيمية تتنبأ بخطر التمرد، وأن يتم إنشاء هيئات للتأكد من أن هذه القواعد، أي: القوانين، تخضع للاحترام، والمراقبة تنفيذ أعمال العنف القانونية. إن إدراك مثل هذه المصالح المشتركة يؤدي إلى نمو الروابط العاطفية، بين أعضاء مجموعة متحدة من الأشخاص، التي هي المصدر الحقيقي لقوتها“.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (33) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو في الترتيب (3) ضمن قراءات شهر ابريل الذي قرأت فيه (13) كتاب .. وقد حصلت عليه من متجر (بيت الكتب) الإلكتروني في ديسمبر من عام 2023، ضمن (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

وعلى رف (الفكر والحياة) في مكتبتي، عدد جيد من الإصدارات .. أذكر منها: (الإنسان العاري) – تأليف: سعيد بنكراد / (ثلاثة عشر شيئاً غير مفهوم) – تأليف: مايكل بروكس / (رقصة الحياة: الزمن الثقافي والزمن المعيش) – تأليف: إدوارد هول / (تاريخ الفكر الصيني) – تأليف: آن شنغ / (إرادة القوة) – تأليف: فريدريك نيتشه / (الثقافة والإمبريالية) – تأليف: ادوارد سعيد / (رسالة في اللاهوت والسياسة) – تأليف: سبينوزا / (موجز تاريخ الدماغ والروح) – تأليف: ماتياس إيكولد / (عن الموسيقى) – تأليف: بيتر هاندكه / (الجهل العام) – تأليف: جون لويد / (حاء) – تأليف: بثينة العيسى / (الأوثان) – تأليف: ميخائيل نعيمة / (المثقفون والجنس والثورة) – تأليف: لور كاتسارو / (اغتصاب العقل: سيكولوجيا التحكم في الفكر وتشويه العقل وغسل الدماغ) – تأليف: د. جوست ميرلو / (تاريخ ويوتوبيا) – تأليف: سيوران / (أسباب للبقاء حياً) – تأليف: مات هيغ / (ضلع الانسانية الاعوج: فصول في تاريخ الأفكار) – تأليف: إزيا برلن / (أخلاقيات عالمنا الواقعي) – تأليف: بيتر سينغر

من فعاليات الشهر: يقابله في العام الهجري 1445 ما تبقى من شهر رمضان المبارك وعيد الفطر في العاشر منه .. وفي هذا الشهر عادة انقطع عن القراءة، غير أنني تمكّنت في هذا العام من استقطاع وقتاً يسيراً للقراءة، وكان مثمراً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 483

تاريخ النشر: مايو 2, 2024

عدد القراءات:473 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *