وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .. إنه كتاب يستحضر من الروحانية ما يرمم القلب الكسير والروح المنهزمة والنفس الضالة، لتُغسل الأدران ويتجدد الأمل وترتقي الروح .. وتقترب!
كم كنت أرجو أن تكون عبارة التزكية هذه في محلّها .. العبارة التي استلهمْتُها قبل قراءة الكتاب .. لا من فراغ بل بفضل الصخب المدوي الذي صاحب هدير التمجيد العارم وهتاف جمهرة القرّاء حين ضجت به منصّات القراءة عن بكرة أبيها، فضلاً عن عنوانه الذي جاء يتملّق الروحانية، وكأنه سيحلّق بقارئه حتماً في رحلة معراجية خارج المكان والزمان رأساً نحو السماء السابعة، وهو في حقيقته ما برح يابسة صحراوية تسودها ثقافة الجهل المقدّس، وتسرح فوقها وتمرح خزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان!.
وكما يؤمن المسلمون بأسماء الله الحسنى التي سمّى بها نفسه، أو أنزلها في كتابه العزيز، فضلاً عن تلك التي استأثر بها في علم الغيب عنده، أو علمّها أحد من خلقه خالصة له، فإن مؤلف الكتاب اختص عشرة منها واجتهد لتبيان كنهها من خلال طرح ما، أذكرها تباعاً كالآتي: الصمد / الحفيظ / اللطيف / الشافي / الوكيل / الشكور / الجبّار / الهادي / الغفور / القريب.
غير أن الكتاب الذي أجزل إليه فريق عظيم من القرّاء عظيم الحمد والثناء، وقد رُفع مقامه إلى مصاف (الأكثر مبيعاً) أو بالكاد، ما كان في الحقيقة ليستحق، وقد جاء كنسخة مهترئة لكتاب (لا تحزن) الذي وإن كان في مجمله مسروق المحتوى خاوِ المضمون فقد جاء حسن اللفظ .. وأختزل الأسباب فيما يلي:
- العنوان المموه، والتلاعب بالألفاظ بما يتناسب وعقلية المنتمين لثقافة الجهل المقدّس، بحيث يصبح كل ما ارتبط اسماً أو رسماً بالدين فهو قدسي بالضرورة، وأن من أنكر عليه في شيء فالتكفير له بالمرصاد، بالإضافة إلى استخدام أسلوب الإيحاء في التدليل على عظمة المحتوى في اختيار عنوان فخماً عظيماً.
- الضحك على الذقون، من خلال الاستعانة بأقاصيص مروية عن فلان حدّث بها علّان عن آخر، تتطرق إلى مواقف واهية وحجج ساذجة وأقاويل ضعيفة السند، لا تزيد عن مستوى ركيك في الطرح سطحي المضمون، بل ولا تخدم الهدف الذي جاء من أجله الكتاب كما أريد له! تأتي تلك الاستشهادات على شاكلة التغريدات الصباحية أو الوصايا الفيسبوكيّة، كأن يحلّف أحدهم المتابعين بترديد ذكر ما .. “وأنت حلفت”، أو يرفق صورة لحشرة مطبوع فوق أحد أجنحتها كلمة التوحيد ثم يطالبهم بالتكبير، أو أن يأتي بحكاية رجل ما سقى نملة عطشة وجدها ضالّة في الطريق، فارتدت أمه المتوفاة بصيرة في التو.. وغيرها من شطحات.
- استغفال إيمان وعقيدة ورشد كل امرئ بالغ عاقل، لا ينبغي وأن تنطلي عليه مهاترات ومزايدات وادعاءات أياً من كان، فإن كان الكتاب في بساطته يصلح للناشئة أو لمن أراد أن يستقيم أو لمن استجد في الإسلام -على الرغم من خزعبلات بعض ما جاء فيه- فهو من السطحية ما يجعله أشبه بمواد الدراسة الابتدائية أو (حواديت الجدّات)، أو كاسيتات مشايخ الصحوة في الثمانينات على أقرب تقدير .. إذ ليس هو بالكتاب الذي يشفي غليل المؤمن الحق لا سيما نحو تجليات أسماء الله الحسنى، كما يدعي الكتاب بيانها.
- تجارة بيع الوهم، في تقديم الحلول السحرية التي لا أصل لها ولا منطق تعتمد في مجملها على الخرافة من القول والأساطير وما تبدو كمعجزات خارقة، لا يقدّم معها المرء المسلم شيئاً ولا يؤخر، بل تصبّ في مفهوم التواكل لا التوكّل الحق الذي يأمر في الأخذ بالأسباب، فيظهر المرء منهم وكأن لا عليه سوى قول كذا وكذا بعدد كذا وكذا وستفتح له السموات أبوابها بماء منهمر .. هكذا في تسطيح لمفهوم العمل والدعاء والتوكل على الله، وكأن الحياة غضةّ بضّة خضرة نظرة تخلو من المصائب ولا ينغّص صفوها الابتلاءات ولا تحتاج إلى حلول واقعية، وإن الاستغفار هو الحل الفوري والدائم والوحيد في كل زمان ومكان!. إن أسلوب التلقين الذي سلّم له مجتمعاً بأسره في تعاطيه مع شؤون دينه ودنياه، بالإضافة إلى تسلّط الخرافة وتفشي الجهل وإيعاز كل حدث لقوى غيبية من جان وشيطان، لهو أحد سمات المجتمع الجاهل، وإن ادعى خلاف ذلك.
- الاستهلاكية في حشو أرتال من كلمات تسترسل وتفيض عن الحاجة في إيصال المعنى المطلوب، والذي كان له أن يتم في كلمات وجيزة، كما يحدث أحياناً في خطب الجمعة ذات السجع المصحوب بالجرس الموسيقي، فضلاً عن تلك التي تلعب على وتر العاطفة فتهيّج الشعور أو تدرّ الدموع حتى تبتل اللحى!. ليس هذا سوى مضيعة للوقت كان ينبغي أن يُستغل في خير، فضلاً عن إهدار لموارد من ورق وأحبار وخدمات من شحن وتوزيع .. الخ.
إكراماً لمتفرقات من هنا وهناك جاءت بين أسماء الله الحسنى في الكتاب، أرفق نجمة واحدة من رصيد أنجمي الخماسي، وأقتبس من الفضل الذي صاحب اسم الله (القريب) في نص سماوي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
“ومما قُرر في كتب العقيدة أن لله معيتين: معيّة خاصة باهل ولايته .. وهي معيّة محبة ونصرة وتوفيق، ومعيّة عامة لجميع خلقه .. وهي معيّة علم وسمع وبصر وإحاطة”.
ختاماً .. إن الدين الذي يقوم في جوهره على علاقة روحية متينة بين الإنسان وخالقه لهي أجدر بالارتقاء عن مجرد نظم كلام ونمنمة عنوان لكتاب يحظى بتقريظ منقطع النظير لا لشيء سوى أنه يحمل اسمه جل جلاله.
والله المستعان!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (7) في قائمة ضمّت (105) كتاب، قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو ثالث كتاب اقرأه في شهر فبراير من بين ستة كتب .. وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية ضمن (90) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!.
لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (فبراير)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“يبدأ الفايروس بالتوحش ويبدأ الحجر الصحي مع نهاية الشهر“.
تسلسل الكتاب على المدونة: 193
التعليقات