الكتاب
كيف يبرر التعذيب؟ في عمق سيناريو القنبلة الموقوتة
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
How to Justify Torture: Inside the Ticking Bomb Scenario - By: Alex Adams
المترجم/المحقق
د. إيمان معروف
دار النشر
منشورات تكوين
الطبعة
(1) 2020
عدد الصفحات
182
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
03/24/2024
التصنيف
الموضوع
التعذيب المسوّغ أخلاقياً والمبرر سياسياً
درجة التقييم

كيف يبرر التعذيب؟ في عمق سيناريو القنبلة الموقوتة

يقرأ الكتاب (سيناريو القنبلة الموقوتة) قراءة نقدية وموضعية، وهو السيناريو الذي يبيح استخدام العنف بدافع الخير .. الرخصة التي عليها أن تمنع أي تردد من ممارسة التعذيب الجسدي ما سنحت الفرصة على فرد ما، أراد إحداث دمار من شأنه أن يقضي على أفراد كُثر!

وكدفاع عن التعذيب، وعلى الرغم من اعتباره سلوكاً خاطئاً لا لبس فيه، ولا يجوز ممارسته كإجراء روتيني في المطلق، فإن الأزمات الطارئة التي يستشهد بها السيناريو تخلق حالة استثنائية عن نفعية التعذيب باعتباره ليس سلوكاً خاطئاً بالضرورة على نحو مستمر، ما يفرض الاعتراف به، ويجعل له القبول بين العامة. “إن لهذا الاعتراف عواقب سياسية هائلة. إذ من خلال طرح قضية متطرفة للغاية ينال فيها التعذيب مسوّغاً أخلاقياً، يصبح خرق المحظورات المطلقة التي تقيد التعذيب ممكناً وفق التفكير الأخلاقي والأدبي السائد ووفق القانون الوطني والدولي. أي أن سيناريو القنبلة الموقوتة بات حجة تدافع عن التعذيب وتؤيده، وتؤدي عملها هذا عن طريق تقويض أحد أهم المبادئ السياسية والأخلاقية في العالم عن سابق قصد. وبمجرد أن نعترف بأن التعذيب ليس خطأ لأنه قادر على إنقاذ أرواح بريئة، فإننا نمنحه الشرعية الأخلاقية، وحتى الصفة البطولية”.

وفي حين لم يتوانَ الرئيس الأمريكي باراك أوباما من التواطؤ مع ممارسة التعذيب رغم انتقاده القوي لبرامجه في العلن، فإن خليفته دونالد ترامب لم يتورّع عن تأييد التعذيب في حملته الانتخابية، مؤكداً على أنه سيعيد استخدام ما يُسمى بـ (الإيهام بالغرق) كأحد أساليب التعذيب، بل وحتى أسوأ منه، حال فوزه في ترشّحه. أما ممثلو وكالات الاستخبارات البريطانية، فقد اعتبروا التعذيب أمر لا مفر منه “ويمكن تبريره أخلاقياً”، وقد استعانوا بحالة تم من خلالها إحباط عملية إرهابية، بالتعاون مع أجهزة المخابرات السعودية التي مارست التعذيب على المشتبه بهم، بطبيعة الحال.

لذا، ونظراً لما يشهده خطاب العالم المتحضر، السياسي والثقافي والشعبي، على الصعيد الدولي، من مطالبات بإعادة إحياء التعذيب كوسيلة فعّالة لتجنب ما هو أشد شراً، فإن مؤلف الكتاب -باعتباره أحد المناهضين لهذا التوجه- يسعى لإخضاع مبررات ممارسة التعذيب لمعول التدقيق النقدي، كهدف عام لكتابه. ولتحقيق هذا الهدف، يتتبع المؤلف أكثر الطرق المتبعة في تبرير التعذيب عبر التاريخ، والمتمثلة ثقافياً في الأعمال الروائية والتلفزيونية والسينمائية والمسرحية، والتي تخدم في المقام الأول الأجندات السياسية التي تسعى لإضفاء الشرعية على تلك الممارسات. وللتقريب في مساهمة هذه العروض تجسيد الأفكار التي تدعي تحقيق العدالة من خلال صراع الحق والباطل، يقول المؤلف: “يُفترض أن الأشخاص الذين يُطلب منهم النظر في مسألة التعذيب ضمن سيناريو القنبلة الموقوتة، قادرون على تخيل موقف يمكن فيه تجنب عواقب وخيمة في اللحظة الأخيرة بفضل تصرف واحد يقوم به الفرد البطل. فالثقافة الشعبية تجعل تصوّر سيناريو القنبلة الموقوتة أسهل وأكثر قبولاً من خلال تكرار تمثيل هذه المواقف. وبالنتيجة، يصبح من الأسهل تصوّر هذا السيناريو على أنه تجربة فكرية واقعية، أو على الأقل ذات مصداقية”.

بعد (المقدمة: التعذيب وبنية الفطرة السليمة)، يفصّل الكتاب في هذا السيناريو من خلال ثلاثة فصول رئيسية ينفصل عنها عدة مواضيع، ويستقطع لهذا اثنتان من رصيد أنجمي الخماسي .. والفصول هي:

  • الفصل الأول: الفائدة النفعية / التعذيب بصفته تكنولوجيا موضوعية
  • الفصل الثاني: الفضيلة / بطولات الشر من (هاري القذر) إلى (دير ديفيل)
  • الفصل الثالث: الحماية / التعذيب بصفته مسئولية الأب

ومن الكتاب الذي جاء في ترجمة احترافية من نصه الأصلي (How to Justify Torture: Inside the Ticking Bomb Scenario – By: Alex Adams)، أعرض ما علق في ذهني بعد قراءته، وباقتباس في نص صعب (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

  • إن الحالات الافتراضية التي يخلقها سيناريو القنبلة الموقوتة في سعيه لتبرير التعذيب، لا تتفق مع الآلاف من حالات التعذيب التي تحدث في الواقع حول العالم. يقول المؤلف: “إن تأطير سيناريو القنبلة الموقوتة مضلل للغاية، لدرجة أنه يحجب حقيقة التعذيب كنشاط طويل الأمد وبطيء ومدمر بلا رحمة، وأن لا علاقة له بحلّ المشاكل وشيكة الوقوع”.
  • والمؤلف في سعيه نحو تفكيك حبكة سيناريو القنبلة الموقوتة، يوضح أن السيناريو قد تم تصميمه من أجل توضيح “نقطة عامة حول وضع يجوز فيه التعذيب، ويمكن تعديل تفاصيله بطرق لا تُعدّ ولا تُحصى، دون المساس بالفرضية المركزية”. لذا، تصبح الحجة الأساسية لهذا السيناريو وكأنها تنصّ ببساطة “على أنه إذا كان بإمكانك إيقاف حدوث شيء سيء عن طريق القيام بشيء آخر سيء ولكن ليس بالسوء الذي تريد إيقافه، فعليك ألا تتردد. وهذا بالضبط هو الجوهر الراسخ للحجج النفعية (فكرة أن على المرء اختيار أهون الشرين إذا أجبر على ذلك)”. لذا، “نرى أن الغاية الأخلاقية العامة للسيناريو تنقذه من أي هجوم على تفاصيل أي تصور موضوع له”.
  • في استشهاد المؤلف بإحدى الروايات، يصف ممارس التعذيب المعلومات التي حصل عليها بـ (الموثوقة) التي لا تحتمل الخطأ، إذ أن ضحيته ما كان لها سرد الأكاذيب وهي تحت وطأة التعذيب! لذا، يظهر الجاني الممارس للتعذيب فخوراً في خلق ظرف مشبع بالمعاناة أفضى كنتيجة حتمية إلى الإدلاء بمعلومات حقيقة. على هذا، يصبح المنطق واضحاً: “الألم يستنطق الحقيقة! وكلما زاد الألم زادت المعلومات الصادقة التي نحصل عليها”.
  • استناداً إلى التحليلين الطبي والنفسي المتعلقين بمدى قدرة الشخص الخاضع للتعذيب على التحمل، تصوّر رواية (محاكمات صهيون) لمؤلفه (آلان ديرشوفيتز) مدى احترافية ممارسي التعذيب وقد تجرّدوا من أي تعاطف إنساني، في استخدام التقنية الأكثر فعالية لاستنطاق ضحيتهم، والذي “تحوّلت صرخاته إلى همسات، ومن ثم استسلم للصمت، وتدفقت الكلمات والمعلومات من فمه في نهاية المطاف”. يقول المؤلف في نقده لهكذا تصوير يشرعن ضمنياً ممارسة التعذيب: “يعتمد المحققون الاسرائيليون على حكمهم المنطقي لتقييم التكتيك الأكثر نفعاً لتطبيقه على المشتبه به، ويميزون بوضوح بين التعذيب الجسدي والتعذيب النفسي، ليس على أي صعيد أخلاقي بل على صعيد عملي بحت. وبدلاً من استخدام العنف الجسدي يقوم ممارسو التعذيب بتخدير السجين وإقناعه بأنه يقف أمام الشخص الذي أساء معاملته في طفولته، مما يدفع الضحية (الذي يطلق عليه اسم «الهمجي Savage» من باب السخرية) إلى الاعتراف بمعلومات تمنع هجوماً إرهابياً يهدف إلى إثارة حرب في الشرق الأوسط مع إسرائيل، وهو نوع من تكرار مسرحية حرب الأيام الستة مع القوى العربية النووية. بطبيعة الحال، يلبّي التعذيب الغرض المرجو منه”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (26) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب (6) ضمن قراءات شهر مارس .. وقد حصلت عليه من متجر (بيت الكتب) الإلكتروني في ديسمبر العام الماضي، ضمن (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

وعلى رف (علم النفس) في مكتبتي، عدد متزايد من الإصدارات، فضلاً عن تلك القديمة التي انضمت إليها من مكتبة العائلة  .. أذكر منها: (خمسون طريقة للقضاء على الاكتئاب من دون عقاقير) – تأليف: سارة روزينثال / (النفس والحياة) – تأليف: د. طارق الحبيب / (التخاطر عن بعد والاستبصار: قوة العقل والإرادة) – تأليف: غاي ليون بليفير / (نوادر جحا الكبرى: وآراء علماء النفس في فلسفة الضحك) – تأليف: خليل حنا تادروس / (اشف نفسك ذاتياً: الأسباب النفسية للأمراض والطرق الميتافيزيقية لتجاوزها) – تأليف: لويزا خي / (الشذوذ النفسي) – تأليف: د. مصطفى غالب / (انفعالات النفس) – تأليف: رينه ديكارت / (هل نولد عنصريين؟ اضاءات جديدة من علم الأعصاب وعلم النفس الإيجابي) – تأليف: جيسون مارش وآخرون / (الصمت: لغة المعنى والوجود) – تأليف: دافيد لوبروطون / (ربما عليك أن تكلم أحداً: معالج نفسي وحياتنا كما يكشفها) – تأليف: لوري غوتليب / (فن الإغواء) – تأليف: روبرت غرين / (تشريح التدميرية البشرية) – تأليف: أيريك فروم / (تقنية التحليل النفسي) – تأليف: سيغموند فرويد

من فعاليات الشهر: يقابله في العام الهجري 1445 شهر رمضان المبارك، والذي انقطع فيه عادة عن القراءة، غير أنني تمكّنت من استقطاع وقتاً يسيراً للقراءة في هذا العام، وكان مثمراً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 476

تاريخ النشر: أبريل 1, 2024

عدد القراءات:335 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *