وإذا أراد الإبداع يوماً .. عربياً أن يتجسد، فالفخر أن يتمثل قلماً بين إصبعي د. نوال السعداوي!
قد يكون (لا جديد) مع هذا الكتاب! فبعد النظر، وموضوعية النقد، والتحليل الفكري، وجرأة الطرح، والطرح في علم وخلق، وقراءة ما بين سطور الحياة .. هو ديدن من امتلكت القلم الحر، فأصبحت على الساحة الفكرية وما تُبدع، (ماركة مسجلة)، بين غثّ المرتزقة وسمين الحكماء.
إنها إذاً د. نوال السعداوي (1931 : 2021) الرائدة في مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة على وجه الخصوص. تخرجت في كلية الطب من جامعة القاهرة عام 1955 وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة. وبالإضافة إلى ممارسة مهنة الطب، تقلّدت مناصب مرموقة في بلادها، كمنصب الأمين العام لنقابة الأطباء، ومنصب المدير العام لإدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة، ورئاسة تحرير مجلتي الصحة والجمعية الطبية، وساهمت في تأسيس الجمعيات الحقوقية، كما حصدت جوائز عالمية، وتُرجمت أعمالها العلمية والفكرية والروائية إلى أربعين لغة.
يحتل فهرس الكتاب صفحة ونصف الصفحة في عرض محتوياته، من خلال عناوين لا تخلو من التشويق، أذكر منها على سبيل المثال: ماذا يحدث فيما يسمونه الشرق الأوسط؟ / وما هي الأخلاق يا رجال؟ / تزايد العنف وانتهاك العرض / الفكر الإرهابي .. ما منبعه؟ / النعامة التي تخفي رأسها في الرمال .. وما ظهر كان أعظم / سقوط شعار تمكين المرأة. لا عجب إذاً أن يستنفد الكتاب رصيد أنجمي الخماسي كاملاً وبجدارة.
كعادتي مع كل كتاب عالي القيمة، أحار من أين أبدأ في تسطير ما جاء به! لذا، أكتفي من هذا الكتاب بما يلي:
- في موضوعها الذي عنونته بتساؤل عن (ما هو مفهوم الشرف والأخلاق؟)، تستحضر د. السعداوي ذلك البرنامج المصوّر الذي ناقشه ضمن فريقين، اتخذ فيه حزب اليمين المظهر الخارجي من حجاب ولحية المعيار في الحكم، بينما اعتنق حزب اليسار السلوك العملي للقيم والمبادئ كمعيار أصدق. وبينما لفت انتباهها لغة جسد اليمينيين من زيغ بصري وتقلص عضلي، فاجأتها جرأة الشاب -والذي بدى في أول وهلة كـ (كمالة عدد) بين صفوف الجمهور- حين صرح في ثقة أن هناك من الفواحش ما تستتر خلف الأحجبة!.
- تستخدم د. السعداوي تعبير “الاحتباس” وهي كلمة “نابية” تعود إلى عصر الرق، حين استرقّ الرجل المرأة وحبسها وامتلكها ضمن ما امتلك من عبيد ومواشي ومتاع .. العصر الذي لا يزال يتلبّس بعض دول العالم من ناحية قوانين الزواج فيه، وعلى رأسها العربية. (ملاحظة ذكية: استُخلصت صفة “رقيقة” للمرأة من هذا المعنى العبودي). لذا ترتفع عقيرة السادة الملاّك ناشزة ضد أي بادرة لفك أسر المرأة من حبسها، في حين تجد من يتشدق بينهم عن حقوق الإنسان، وكأن المرأة ليست بـ (إنسان). تسترجع في هذا موقف الأستاذة الجامعية التي ما برحت تزمجر مؤكدة حق الزوج في الطلاق والسفر ومحرّمة على الزوجة ذات الحقوق، فنفقة الزوج تستوجب طاعة الزوجة، والإنفاق مقابل الاحتباس. عليه، لا تفرق د. السعداوي بين حال الزوجة الخاضعة لزوج تبغضه مقابل ماله، عن حال البغي التي تبيع جسدها لرجل أشد بغضاً مقابل ماله أيضاً!.
- في مقالتها التي حملت استفسار بـ (ماذا نعني بكلمة دين؟)، تستنكر د. السعداوي عدم قدرة الأم عند أقوام منح جنسيتها لأبنائها، رغم تغنيهم بديباجة (الجنة تحت أقدام الأمهات) في تعظيم لقدسية الأمومة. وعند موضوع الجنان، لا ترى فرقاً بين نعيم المرأة في الدنيا عنه في الآخرة، فتقتصر على زوج تنتظره ضمن حاشية من فاتنات ميتافيزيقيات سرمديات العذرية .. قد يطول انتظارها بطول أعدادهن! وفي هذا الموضوع الجدلي، (يطّيب) أحد الشيوخ خاطر امرأة أتت تسأله، فيؤكد تعدد أزواجها في الجنة لانتفاء شبهة اختلاط الأنساب، فهناك الغلمان! غير أن شيخ آخر يتصدى ليجهض أي بادرة أمل تحملها المرأة، ويؤكد حفظ حقوق الرجال في الغلمان كحق خالص!.
- تستكمل د. السعداوي حديثها في نفس المقالة، لتكيل الوعظ لبابا الفاتيكان في اعتراضه على عمليات الإجهاض، ضمن ما قدّمه من اعتراضات رسمية على قرارات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عُقد في القاهرة عام 1994، وفي سؤاله الاستنكاري الذي وجهه للأمم المتحدة، إذ كيف تكون “مع الموت ضد الحياة”؟ وبدورها تستنكر د. السعداوي عدم توجيه البابا نفس السؤال للأمم المتحدة حين وافقت على استخدام القوة ضد العراق في حرب الخليج عام 1991، وزهق أكثر من نصف مليون نفس!. وبالتالي، تعطي لنفسها الحق في مسائلة بابا الفاتيكان، إذ هل يعتقد أن الأرواح تكمن فقط في الأجنة داخل الرحم وخلف الحياة؟ أم أن أرواح الشعب العراقي والشعب الفلسطيني تحيا على الأرض من غير أرواح؟ لم تكتف، بل تقدمت -ضمن المؤتمر- والناشطات في جمعية تضامن المرأة العربية بورقة اعتراض رسمي ضد منطق الأصوليين الدينيين والسياسيين في الانتقاص من أهلية المرأة وقدرتها في اتخاذ قرار خاص متعلق بجسدها وجنينها. ورفضت الورقة سياسة الكيل بمكيالين، في إيعاز الأمم والولايات المتحدة كوارث الفقر والبطالة إلى “خصوبة النساء” وليس إلى السياسة الرأسمالية الجشعة التي تسود العالم.
- لا تزال المؤسسة الاستعمارية تفعل أفاعيلها في أراضينا باستخفاء، تحت غطاء مشروعات التنمية ومنح القروض، واستغلال الموارد الطبيعية والانتاج المحلي في التصدير العالمي لتعود علينا بفتات، حتى أصبحنا “ننتج ما لا نأكل، ونأكل ما لا ننتج” حسب رأي د. السعداوي!. هكذا تُسلب الكرامة حينما لا يصنع الإنسان طعامه، فما المعونات الأمريكية إلا جزء يسير من ثرواتنا المنهوبة عاد إلينا.
- وفي إشارة إلى كتابها (المرأة والصراع النفسي) الذي لا يقل أهمية عما بين أيدينا، تُعيب د. السعداوي على الأطباء النفسيين قصور ادراكهم الصحيح للمرأة ككيان إنساني قبل أي شيء، مما يتسبب في المزيد من المضاعفات النفسية تسوء من حالتها. لا تكيل اللوم كثيراً للطبيب المعالج، فهو رجل ضمن من تعرّض من الرجال لموروث طبقي-ديني-أخلاقي-اجتماعي، ترسّخ لديه في الحمض النووي، يعجز معه تبرير تمرد المرأة لاعتبارات الكرامة الإنسانية. بيد أن هذا التمرد لا يعكس سوى صحة المرأة النفسية في صراعها مع مجتمع بدائي -وإن ادعى الحضارة- يسعى لسلبها امتيازاتها الطبيعية. ومع هذا اللبس، يلجأ هذا الطبيب -الذكوري أم الجاهل .. لا أعلم- إلى “قتل هذا التمرد الطبيعي” عن طريق الجلسات الكهربائية وإعادتها سالمة إلى ما أسمته بـ “حظيرة الخضوع” لموروثات قيم الأنوثة والأخلاق.
- كم يتفاخر الرئيس الأمريكي وحاشيته في الحكومة الأمريكية بعرقهم وعقيدتهم وقوميتهم إلى حد العظمة في اعتبار الثقافة الأمريكية هي السائدة والرائدة عالمياً، في حين يستنكر هؤلاء موقف امرأة عربية تفتخر بالمثل بهويتها العربية ودينها الإسلامي. هكذا شهدت د. السعداوي ازدواجية العم سام في فترة عملها كأستاذة جامعية زائرة هناك.
- يُستخدم الدين كسلاح ذو حدين، فهو الورقة الرابحة دائماً في يد السلطان ووعاظه، للفتك بالثوريين من النساء والرجال، وكسلاح مضاد للورقة الرابحة التي يستخدمها هؤلاء الثوريين بدورهم، ضد الطغاة والاستنصار بعدل الله.
- رغم الحركات الدينية الفكرية المستنيرة التي تعمد إلى تفسير القرآن الكريم والأحاديث الشريفة من خلال منظور جديد يساوي بين أصل الجنسين وكافة البشر، لا تزال تتسم بالضعف مقابل الرأي المعارض الأقوى نفوذاً دينياً وسياسياً. وعلى الضفة الأخرى، تنشط الحركات الفلسفية المثالية لتعلي من شأن العقل مقابل الجسد، غير أنها لا تزال متأثرة بالفلسفة العبودية، فتعلي قيمة الرجل من حيث الأصل والفكر على حساب المرأة كفرع وجسد.
- تستبرأ د. السعداوي للدين كقوة فاعلة في الترسيخ لدونية المرأة، حيث ترى أن للسياسة اليد الطولى في تسيير المجتمع مستخدمة كافة الأدوات لخدمة ما يعزز سيادتها، متضمنة في هذا الدين ورجاله وقطاعات الاقتصاد والإعلام وغيرها. وفي هذا تقول إن “الدين خادم للسياسة” في إعادة تفسير ما يلزم لصالحها فقط، الأمر الذي يؤدي إلى تغلغل هذه القيم في العقل الواعي واللاوعي لدى الشعوب، وترسيبها، على مر التاريخ الإنساني.
- في عام 1998، وبعد ربع قرن من الزمان، ينتصر القانون للدكتورة نوال السعداوي في تحريم وتجريم ختان الإناث! يذكر التاريخ أن هذا الإنجاز جاء بعد أن تم مصادرة كتابها (المرأة والجنس) الذي بحث طبياً هذه الجريمة، وبعد أن تصدى لها زملائها الأطباء، ومعهم رجال الدين في اتهامها بالتحريض على الفساد، لتعزلها السلطة السياسية من منصبها في وزارة الصحة في نهاية المطاف. إنها لمفارقة أن يتفق الطبيب مع المطهراتي في اتهام عضو المرأة التناسلي كناشط جنسي متهور، يهدد العذرية ويغوي الرجل الوديع .. لذا استلزم البتر، وآخر العلاج الكي!.
- في تحدٍ .. نالت الكويتية حق الانتخاب، وتظاهرت الجزائرية ضد الإرهاب السياسي المتلفّع بالدين، وتظاهرت معها السعودية في حق فطري لقيادة السيارة، وهتفت السودانية ضد الرئيس مطالبة بالخبز. أما المصرية فقد اقتحمت بعلم وثقة وجرأة معهودة كافة ميادين العمل فأصبحت تعيل اقتصادياً أسرتها بعد أن كانت عالة تُعال.
- تقوم بعض الفلسفات الإسلامية القائمة على الاجتهاد -كأصل من أصول التشريع- بتقديم العقل على النقل حين يتعارضا، فمصلحة الإنسان متغيرة بينما النص ثابت. تعرض د. السعداوي هذا الرأي في مجمل حديثها عن تحايل الزوج في تسجيل جلّ ما يقدمه للزوجة تحسباً للخلع. لتتساءل: أي مؤسسة أسرية مقدسة تقوم على أسس مادية في شكل مهر وكسوة ونفقة؟ هل يُفسر هذا إحجام النساء عن التورط في مثل هكذا علاقة تقوم على المقايضة بين الجنس والنفقة، وتفتقر إلى جوهر الحب وروح الصدق والإخلاص؟ وهل فعلاً لا لوم على بعض الدول الإسلامية حين سنت قانوناً يمنع تعدد الزوجات أمام ما أسمته د. السعداوي بـ “الفوضى الجنسية للرجل”، واستهتاره نحو مسئوليته المقدسة تجاه أسرته؟
- عادة ما يعاقب النظام الذكوري الضحية ويكافئ المجرم، فالزوجة مسئولة عن سبب طلاقها فقد أهملت زينتها، والمغتصبة مسئولة عن حادثة اغتصابها فقد خرجت من مكمن بيتها الذي هو محميتها الطبيعية!. لا عجب إذاً أن يلغي قانون العقوبات المصري مؤخراً البند الذي يسقط تهمة الاغتصاب عن الرجل إذا تزوج ممن اغتصبها. وهنا أصاب بتقزز حاد لأقول: وكأن المغتصب المحظوظ يُكافئ مرتين حين اغتصب مجاناً وتزوج مجاناً، وتُعاقب المغتصبة المغدورة مرتين حين اغتُصبت وحين تزوجت مغتصبها. أي قانون بشري-وحشي هذا؟
- على هامش صميم المادة الفكرية للكتاب، تتعرض د. السعداوي في موضوع (إعادة قراءة التاريخ) إلى مفارقة تاريخية!. ففي حين يعود أصل كلمة فلسفة إلى شاعرة اغريقية تدعى (سافو)، فقد صنّف الفيلسوف أرسطو المرأة ضمن (الأشياء) وليس (الأشخاص) كقسمين رئيسيين لموجودات المجتمع. قد حُق لها عند ذلك أن توصمه وأمثاله من أصحاب النزعة الذكورية بـ “فلاسفة العبودية”.
- وفي ختام الموضوع السابق، تلخّص د. السعداوي رأيها في ازدراء الأديان للمرأة والتي حظيت في القرون الساحقة بمنصب آلهة معبودة!، فهي دون الرجل في (التوراة)، ورمز مطموس للروح القدس بين ثالوث (الإنجيل)، ومخلوقة -بدل خالقة- من ضلع أعوج في (الإسلام). تعقيباً، وكرأي شخصي صريح، هذا من قبيح ما جاءت به تحريفات النصوص السماوية المقدسة، والتي تحمل مع الأسف صفة القداسة عند البعض حتى وقتنا الحاضر.
- في ختام كتابها، تتفاءل د. السعداوي بما أسمته “النضال الشعبي” الذي يشنه مستنيرو العالم، نساءً ورجالا، من مختلف الأعراق والثقافات، ضد قوى السلطة السياسية والدينية. لقد بدأت تتزعزع عراها وتخور قواها كما بدى ذلك -وعلى سبيل المثال- في موقف بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني كسابقة لم يشهد لها تاريخ الكنيسة الكاثوليكية مثيلاً من قبل، حين طلب في القداس المنعقد في مارس 2000 المغفرة للكنيسة عما اقترفته من آثام خلال العقود الماضية، من عنف تم تحت راية المسيح، وتحرّش بعض القساوسة بنساء جنسياً، وإساءة معاملة المرأة ككل. ليس ذلك بمشهد مستبعد عن شرقنا الأوسط!. ويصدق الشاعر الشابي في قوله: (ولا بد لليل أن ينجلي .. ولا بد للقيد أن ينكسر).
في تدوين رشيق باستخدام رؤوس الأقلام، أذكر بعض ما أشارت إليه د. السعداوي في قضايا مهمة، كما يلي:
- أسباب ختان الذكور توراتية أكثر منها علمية، إذ ارتبط وعد الإله بالأرض المقدسة لبني إسرائيل بقربان يتمثل في اقتطاع لحم الغرلة.
- شيخ الأزهر يعلنها أخيراً: (ختان الإناث شأن طبي وليس فقهي)، في حين كان الإمام محمد عبده أكثر جرأة عندما تبرأ في القرن الماضي للدين الإسلامي من ختان الذكور ووصفه بأنها عادة يهودية، بل إنه “اسراف في الاستدلال ولم يأمر الله به” .. على ذمة الشيخ محمود شلتوت.
- أصبحت (العنوسة) اختيار للمرأة حر، واستبدلت لقب (عانس) الذي أكل عليه الدهر وشرب بلقب (أستاذة، مهندسة، قاضية، محامية، دكتورة، دبلوماسية، كاتبة، سيدة أعمال).
- والنص مرفق في الكتاب كمثال .. تبلغ أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية من التعقيد ما يجعل من استصدار حكم شرعي صحيح عملية بالغة الصعوبة، تروح ضحيته المرأة في جميع الأحوال.
- ثالوث (الإبداع-التمرد-النساء) يشير بذكاء إلى فضل المرأة في تمردها على الجهل الذي قاد بدوره إلى المعرفة، فخُلق معه الإبداع.
- من أشكال تدمير العقل، استمراء المرأة لعبوديتها -كوضع طبيعي- تحت سيادة الرجل القاهر الغاضب المعنّف، وتحت أغلفة من الهوية الثقافية والأعراف الاجتماعية والأحكام الدينية.
- وعن (نساء الظل)، يأتي توصيف الطب النفسي الفرويدي مطابقاً لهن حين صدّقن أن سعادتهن في الأصل هي سعادة الجارية في نيل رضا سيدها، في الدارين.
- المناصب التي تتولاها زوجة الرئيس تزول بزوال منصبه، ويبقى ما كان نابعاً من ذاتها الإنسانية فقط. لهذا نجد جلّهن يحاربن المبدعات ويقصينهن، ويقربن منهن الوصيفات الفارغات وأشباههن من الرجال.
- ظاهرة (قتل المؤمن) سابقة على المذهب الوهابي، فالصليبي كان يقتل باسم المسيح، واليهودي لا يزال يقتل الفلسطيني طمعاً في وعد إلهه يهوا في الأرض.
- المثلية الأمريكية رفيقة المصرية، تفتي -وقد التفعت- بأن الحجاب فرض ينص عليه القرآن بينما لا يحرم المثلية!. وحين تستوضح د. السعداوي: وماذا عن عمل قوم لوط؟ تجيب بأنه لا يُقاس عليه، فقد كانوا رجالا!.
- في ازدواجية، يؤيدون كونداليزا رايس لقوتها، ويعارضون المصرية في عدم تغطية رأسها. يؤيدون الأمريكية في تولي الرئاسة، لكن المصرية ناقصة العقل والدين، تعيق حيضتها مهام الرئاسة.
ولإثارة المزيد من فضول القارئ، أوصي بقراءة موضوع (من هي المرأة الصالحة؟) وموضوع (عمليات الختان للذكور والإناث)، وموضوع (أنا أفكر إذاً أنا لا أصلح رئيس دولة) وموضوع (حين يستيقظ الضمير الإنساني) ولن أتطرق لهم ولو بالنزر اليسير، من أجل اللعب على عنصر التشويق.
بالإضافة إلى ما تقدم من درر فكرية، فإنه من الجميل اقتباس نصاً ألمعياً مما جاد به قلم د. السعداوي، (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) في الآتي:
- تقول في موضوع (من هي المرأة الصالحة): “الفضيلة لا تكون فضيلة إلا بالحرية والاختيار، أي المسئولية، أما الفضيلة التي تفرض بالقوة والإجبار والوصاية فهي ليست فضيلة، وإنما مجرد خضوع للقهر”.
- وتختم الموضوع السابق برأيها في جوهر القيم الإنسانية، فتقول: “إن جوهر الأخلاق والشرف يتعلق بعقل المرأة والرجل، بقدرتهما على الدفاع عن العدل والحرية والصدق. إن شرف الإنسان، المرأة أو الرجل واحد، والأخلاق لابد أن تكون مقاييسها واحدة، وإلا انعدمت الأخلاق”.
- يجتمع العلم مع المنطق في موضوعها المؤلم عن (عمليات الختان للذكور والإناث)، لتقول: “إن الذكاء الفطري للأطفال يحول دون الاقتناع بأشياء غير منطقية، إلا أن هذا الذكاء الفطري سرعان ما يتبدد تحت الضغوط الاجتماعية والأسرية والتهديد بالعقاب في الدنيا والآخرة”. وتستطرد لتقول: “إن الأطفال جميعاً ينسون الحوادث المؤلمة كنوع من الدفاع عن الذات، بل إن الكبار أيضاً ينسون والنسيان نوع من الجهل لأنه يخفي تجارب الألم في حياتنا، ويخفي معها الأسباب التي أدت إلى هذا الألم .. أدت إلى بتر جزء سليم من جسد الإنسان”.
- تجيب عن السؤال في موضوع (لماذا الإبداع والتمرد والنساء؟) من خلال كلمات وجيزة، حيث: “ينجح الابداع في تدمير النظام القائم أو الفكر القديم أو المسلمات القديمة، ويخلق نظاماً جديداً أكثر تطوراً .. أكثر عدالة وحرية وإنسانية”.
- تنشر د. منى حلمي في مجلة روز اليوسف ما يثير حفيظة المجتمع الذكوري وما يصاحبها من غيرة مصدرها عقدة نقص، إذ تقول: “يشكل نموذج المرأة بدون رجل أو بدون زوج أكبر تحد للثقافة الذكورية، وكلما كان اختيار المرأة لهذا النموذج نابعاً من ارادتها الحرة وقناعتها الشخصية وليس مفروضاً عليها، زاد اضطهاد المجتمع الذكوري لها”.
- يرتبط الإبداع بالجنون في أوله، حيث: “أصبحت نظرية الفوضى جزءاً من علم الكون الجديد، وبدأ العقل الإنساني يدرك أن اللانظام جزء من النظام، بمثل أن الليل جزء من النهار، والموت جزء من دورة الحياة والجنون جزء من العقل والإبداع”.
رغم ما سبق، يؤخذ على د. السعداوي استنباط رأي مغلوط في إقصاء الدين الإسلامي للمرأة عقائدياً وتشريعياً وسياسياً!. حيث ترى أنه حين شمل الخطأ والاعتراف والعقاب آدم وحواء، إلا أن التوبة اختصت بآدم فقط .. وهذا رأي لا يصح بأي شكل من الأشكال! ففي حين دلّت الآيات على اعترافهما بخطئهما وطلب المغفرة من الله معاً، وحظوتهما بالتوبة معاً، فإن سورة طه تشير بوضوح إلى مسؤولية آدم الأولى في إثم الأكل من الشجرة المحرمة .. لا حواء.
بعيداً عن مادة الكتاب، فقد وردت بعض الأخطاء المطبعية، التقطتها عيني الفاحصة أثناء القراءة. أذكر منها تباعاً حسب الصفحات: ص11 أما ما نسميه الموضوعية: أو بين ما نسميه / ص13 تمشل: تشمل / ص27 يمكن الوهم: يكمن الوهم / ص44 حين وافقت: وافق / ص48 وفقد لاحظت: فقد / ص49 وعدم قدرنها: قدرتها / ص55 لم بكن: يكن / ص57 وتزابدت الهوة: تزايدت / ص57 لأنهم نصف هذا الوطن: لأنهن / ص57 المفروضة عليهم: عليهن / ص63 العقل الواعي واللاوعي: اللاواعي / ص94 إن فئة مقهورة في المجتمع: إن أي فئة / ص100 بنظام جديد خاصة: خاص / ص100 بمراجعة الزواج: الزوج / ص125 وقلت للمسئولة: للمسئول / 134 روائية حيالية: خيالية / ص135 تم إباددة: إبادة / ص143 القهر والاستبعاد: الاستعباد / ص144 ينطقها النسان: اللسان / ص161 سراح الجانب: الجاني / ص171 الصلاة في الكنيسة بجوار الأرض: مكررة / ص171 يرجى التجارة العالمية: برجي / ص171 أصبحت تمتم: تتمتم / ص173 اتجلترا: إنجلترا / ص173 يتفاخرون: يتفاخرن / ص174 يعشق: يعشقن / ص179 والزرقاوي كلا ظواهر إسلامية: كلا زائدة / ص181 انى حملت السلاح: التي / ص182 لأته الأكثر قوة: لأنه / ص185 وأنت رابح: رايح / ص188 بهو يصبح مليونيرا: فهو / ص193 الذي تغير اسمه إلى المجلس الأعلى: مكررة / ص194 الأدبية الشابة: الأديبة / ص198 تلكا الأحزاب: تلك / ص198 توفي بلير: توني / ص202 بوش دبلير: وبلير / ص213 كذب الآدباء: الأدباء / ص217 مدى مشاركتهم: مشاركتهن / ص217 فههل توجد: فهل.
في عجالة .. وعلى سبيل النقد الأدبي، فإن هذا الكتاب الفكري:
- سليم اللغة، واضح المفردات، ويخلو من الكلمات والتركيبات اللغوية الغريبة.
- متناغم الإيقاع في سرد الأفكار حول موضوعاته المختلفة، وعلى طول الكتاب.
- مثير في أسلوبه الأدبي لعاطفة القارئ، ومحفز لنظرته التحليلية في النفس والدين والحياة، ومحرّض لإعادة النظر حول الأمور، لا سيما المشبوهة والشائكة والجدلية منها.
- لطيف الخيال في إيراد بعض الأمثلة لتوضيح فكرته، من التاريخ ومن الحياة المعاصرة.
في كلمة ختامية ..
إنها المرأة المثيرة للجدل أبداً .. فليكن! لكنها أفكار لا تُبلى، بل بالنقاش الحر تثرى
إن الصدق وإن حاول المتنطعون بغيره طمره .. تحت ضباب قدسي أو أشبه .. له أن ينقشع ..
فلا يغطي الشمس غربال!
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (41) في قائمة ضمت (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو عاشر كتاب اقرأه في شهر يونيو من بين واحد وعشرين كتاب، وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب في شهر ديسمبر من عام 2019، ضمن ما يقارب (35) كتاب، كانوا حصيلة مشترياتي من شحنة الكتب تلك.
لقد كان عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
في هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (يونيو)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“كان شهراً حافلاً بالقراءة وإعداد مراجعات الكتب المقروءة .. مع استمرار الحجر الصحي بطبيعة الحال”.
من فعاليات الشهر: كنت قد استغرقت في القراءة بشكل مهووس خلال النصف الأول من هذا العام دون أي فاصل يُذكر، رغم الوقت الذي استقطعه عادة بعد قراءة كل كتاب من أجل تدوين مراجعة عنه! ما حدث في تلك الفترة هو تراكم الكتب التي أنهيت قراءتها من غير تدوين، حتى قررت على مضض بتعطيل القراءة لصالح التدوين .. وأقول “على مضض” لأن القراءة المسترسلة من غير انقطاع بالنسبة لي هي أشبه بالحلم الجميل الذي لا أودّ أن أستفيق منه، لكنني تمكّنت من تخصيص وقتاً جيداً في نهاية هذا الشهر لتأدية عمل الأمس الذي أجلّته للغد.
تسلسل الكتاب على المدونة: 221
التعليقات