الكتاب
شارع الرشيد
المؤلف
دار النشر
الدار العربية للموسوعات
الطبعة
(1) 2004
عدد الصفحات
365
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
03/27/2017
التصنيف
الموضوع
أجواء عبقة بنكهة الماضي في شارع الرشيد
درجة التقييم

شارع الرشيد

كتاب توثيقي يحتضن بدفء ذكريات من التراث الشعبي العراقي، والذي يُعد (شارع الرشيد) خير شاهد على ما تكتنزه تلك الذكريات الحميمة من حضارة ومعمار وحِرف وأحياء وأزقة وأحداث وأسماء وأعلام، ترسم الثقافة العراقية في أبسط صورها وأعرقها على الإطلاق، ماضياً وحاضراً. يتفرّد هذا الشارع كأحد أبرز المعالم الحيوية في العاصمة بغداد بعراقة أخرى، حيث يرتبط به الفرد العراقي وجدانياً لما شهد في ساحاته من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية، مع ما اعترك فيه من مآسي، وما ازدان به من مسرّات، قد شكّل في مجمله تاريخ يعدّه مدعاة للفخر. يتحدث الكتاب عن نشأة الشارع وأسماءه وأسواقه ومشاريعه ومراحل تطوره والأحداث التي جرت عليه، ويتطرق إلى سرد عدد من روّاده من أدباء وسياسيين وأطباء ومهندسين وغيرهم، بالإضافة إلى استعراض جانب من التراث الأدبي الذي احتفى بالشارع نثراً وشعراً، أو كان شاهد عيان على الكثير من الأحداث التي وقعت بين جنباته آنذاك.

يؤلف الكتاب الأديب والمعلم الراحل باسم عبد الحميد حمودي (1907 : 2018)، والذي تذكر شبكة المعلومات بأنه كان في حد ذاته كنز من الإرث التربوي والأدبي والفكري الذي يزخر بدوره بثروة من الذكريات والصور ما يجعل منها تاريخ آخر.

هنا، يجتمع حب عدد من الأدباء العراقيين في تسطير مقالات هذا الكتاب، وهي مقالات حملت عبقاً من الماضي التليد ابتداءً من الخلافة العباسية حتى مجريات التاريخ في الماضي القريب، مع معرض للصور في ختامه. فعلى سبيل المثال، يرسم المؤلف (صورة ناطقة للعراق المعاصر) كأولى مقالات الكتاب، يليه أسامة ناصر النقشبندي وهو يخصص مقالته لـ (اطلالة تاريخية على شارع الرشيد)، بينما يسلّط عزيز الحجية الضوء على (بعض المعالم الترفيهية في شارع الرشيد قديماً) في مقالته، وفخري حميد القصّاب على (الأسواق التراثية المطلّة على شارع الرشيد). يعود المؤلف ليتناول الشارع بالنقد الأدبي من خلال مقالة (شارع الرشيد في الرواية العراقية)، بينما يتناول عبدالكريم عناد الحارس الليلي فيه، ووحيد الشاهري سينماته، وجودت عبدالمجيد العمري تعبيده وترصيفه.

قد يجد من عاش على أرض العراق وفي شارع الرشيد تحديداً هذا الكتاب، بمثابة فرصة لاسترجاع ذكرى ماضٍ أصيل عاصر أحداثه أو سمع بعض حكاياته من أجداده، بينما من لم يحظَ بطيب العيش في الرشيد، يجده بمثابة إضافة ثرية لحصيلة معلوماته. ومع هؤلاء، أنثر شذرات من الذكرى التي أحياها الكتاب بعد قراءته .. لمن عاش هناك ولمن لم يعش، وباقتباس في نص من عذب الفرات (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

  • لا يسير (شارع الرشيد) على طريق مستقيم، بل إنه منحرف، ولانحرافه سر يكشفه صادق الأزدي قائلاً: “ومع أن ذلك المهندس يعرف أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط بين نقطتين، إلا انه جعل شارع الرشيد غير مستقيم، ليس لأن العمارات العالية كانت تقوم على جزء كان الشارع سيمر بها وإنما لسبب آخر .. أن العوائل البغدادية المتنفذة تدخلت لحرف الشارع حتى تطل دورها عليه، أو لأنها حريصة على دورها الحسنة البناء والمتوارثة عن الآباء وربما الأجداد، وهكذا لم يأت شارع الرشيد مستقيماً كما ينبغي”.
  • أما (سوق الشورجة) العتيق الذي يعود تأسيسه إلى أواخر العصر العباسي ويطلّ على شارع الرشيد، فله عالم “غريب” على حد تعبير المؤلف الذي تابع فقال: “تشدّك نكهة توابله إلى سحر الشرق، وتجذبك ألوان شموعه الزاهية إلى عراقة الماضي المتجذر في نفوس العراقيين، وتعيد إليك رائحة صوابينه رائحة تراث بغداد الذي يربض هذا السوق في عمق شرايينها”.
  • يطل على شارع الرشيد كذلك (جامع الحيدرخانة) الذي شُيّد في العصر العباسي أيضاً، وخضع للتجديد في العهد العثماني، والذي “شهد صفحات مشرقة من أيام بغداد المعاصرة حيث كان مركزاً لثورة العشرين، يلتقي فيه الخطباء والشعراء ليثيروا حماس جماهير بغداد من أجل الثورة”.
  • ومع المتابعة سيراً إلى الجانب الأيسر من الشارع، وعبور ساحة الميدان ومن بعدها باب الآغا الذي كان مقرّاً رسمياً لإقامة آغا بغداد أو الرئيس القائم بأعمال المحلّة، وتخطيّ جامع مرجان الأثري الفخم، يتم الوصول إلى شارع الكنائس أو (عكد النصارى)، والذي فيه “تكثر الكنائس، ومنها كنيسة اللاتين، حيث مقر الأديب الأب انستاس ماري الكرملي، وهذه المناطق قديمة. ويذكر التأريخ أن للنصارى حالياً وفي الزمن العباسي احتراماً خاصاً، وكان للرهبان والقساوسة باب خاص للدخول على الخليفة العباسي. واعتاد أهل بغداد تقديم التهاني في أعياد الميلاد ورأس السنة، ويقرعون الطبول، والعراقيون يحبون المهرجانات”.
  • وبالإضافة إلى طراز (الركوكو) الذي كان يشكّل الطابع العام لعمارة شارع الرشيد والذي يأتي عادة مطعّم بالزخارف الإسلامية، هنالك أيضاً (الشناشيل) التي تقف شاخصة تحكي عراقة الفن المعماري السائد آنذاك، وتحاكي الهوية العراقية التي تميّزت بها مدن العراق وأحيائها وأزقتها وبيوتها القديمة، فـ “الشناشيل عبارة عن شبابيك الطابق الأول المطلّة على الزقاق وتكون معظم هذه الشناشيل بارزة على الخارج ومحمولة على روافع خشبية ومزوّقة بمسامير كبيرة نصف كروية تُسمى (جرصونات)”، وقد كانت هذه الشناشيل المنفذ الوحيد للنساء القابعات في الدار للنظر خارجه. واضافة إلى ما للكلمة من جرس موسيقي أنثوي، فقد اتخذها الفنانون مادة ثرية لإبداعاتهم، كما في قصيدة (شناشيل ابنة الجلبي) للشاعر بدر شاكر السيّاب، والمنحوتات الفنية واللوحات التشكيلية والصور الفوتوغرافية، فضلاً عن الأعمال الأدبية والروائية التي زخرت بها كتراث أصيل باقٍ.
  • أما ملحق الصور الذي عرض ماضي الشارع في لونين لا ثالث لهما، فقد جاء أكثر شجناً، ما بين الحياة التي كانت تنهض في مرافقها، والمارّة الذين التقطتهم العدسات وما ظنّوا حينها أنهم سيصبحون جزءاً من تراث حضاري يُشاد به. فمن الثلاثينات، هناك صورة تبدو فيها منطقة الحيدرخانة تحت وطأة القيظ، بينما تطوف عربات اللاندون التي تجرّها الخيول على طول الشارع، وكذلك صورة لمبنى سينما رويال الواقع في محلة باب الآغا يعلوه اسم السينما باللغة الإنجليزية، المجسّم كما يبدو بالنيون آنذاك. كذلك، تبدو واجهة جامع مرجان -الواقع على مقربة سوق العطّارين- من الفخامة ما يحيله إلى مسجد أثري بحق، لا سيما وهو مشيّد على نمط العمارة الإسلامية العثمانية، وقد عُرف عن البغداديين حبهم للجوامع التي كانت تمثّل لهم -بالإضافة إلى مقامها كدور للعبادة- أماكن للقاءاتهم ومضارب لاجتماعاتهم، بينما تظهر كنيسة مريم العذراء الواقعة في ساحة الميدان قبالة شارع الرشيد، شامخة رغم تصدّع أسوارها التي شيّدت في منتصف القرن السابع عشر للميلاد. أما جسر المأمون الخشبي والذي أصبح يُسمى بـ (جسر الشهداء) نسبة إلى شهداء ثورة تموز المطالبين بتأسيس الجمهورية، فيظهر ضيقاً على جانبيه، فيما يعدّ أول جسر ثابت بُني في بغداد على نهر دجلة.
  • وعلى الرغم من أن عرض الشارع كان يبلغ ستة عشر متراً في أول الأمر، إلا أن إهماله الذي استمر حتى العشرينات أحاله إلى شارع من الخرائب الذي لم تكتمل أبنيته. وفي هكذا وضع بائس، تفيض قريحة الشاعر (معروف الرصافي 1875 : 1945) رثاءً أو هجاءً أو ما بينهما، في قصيدة (الشارع الكبير) التي يقول في بعض أبياتها:

نكّب الشارع الكبير ببغداد                  ولا تمش فيه إلا اضطرارا
شارع إن ركبت متنيه يوماً                تلق فيه السهول والأوعارا
تتراص سنابك الخيل فيه                   إن تقحّمن وعثه والغبارا
فهي تحثو التراب فيه على           الأوجه حثواً وتقذف الأحجارا 
لو ركبت البراق فيه أو البرق                   نهاراً لما أمنت العثارا
تحسب العابرين فيه سكارى                من هواء تنسّموه غبارا
مستجيشاً من الجراثيم جيشاً               مسيّطراً عرمرماً جرّارا
وإذا ما مشيت في جانبيه                      فتجنّب رصيفه المنهارا
ودكاكين كالأفاحيص تمتدّ                          يميناً بطوله ويسارا

  • يبدو أن هنالك شيء من السبق الحضاري! فلقد كان (مقهى عزاوي) السبّاق قبل كافيهات شانزليزيه الباريسية، وهو أحد مقاهي بغداد الشعبية الواقعة في سوق محلة الميدان. كان بداية يقدّم عروض خيال الظل أو خيال الستار مع نشاطه الأساسي كمقهى، ثم تطوّر نشاطه إلى استحضار الراقصات على غرار ما استحدثته المقاهي الأخرى في السوق، “وقد ورد ذكر (كهوة عزاوي) هذه في الأغنية العراقية القديمة (فراكهم بجاني) التي يقول أحد مقاطعها: يا كهوتك عزاوي .. بيها المدلل زعلان” … وعني، أجدها من أكثر ما جاد به الفولكلور العراقي العذب طرباً وشجناً، لا سيما عندما يصاحبها صوت ذو بحة وكأنه صدى يتردد من ماضٍ، ودّ كتّاب هذه المقالات لو يعود!.

على الرغم مما سبق، فإن الكتاب لم يحظ من رصيد أنجمي الخماسي إلا باثنتين، حيث التكرار لمعلومات تناولها الأدباء في مقالاتهم، مع طابع التوصيف والسرد الجاف في بعضها، الأمر الذي قد يستحضر شيء من الملل! وفي حين قد يجد من عاش على أرض العراق وفي شارع الرشيد تحديداً هذا الكتاب بمثابة تهييج لذكرى ماض جميل عاصر أحداثه أو سمع حكاياته من أجداده، قد يجده الآخرون كتاب يميل إلى الرتابة في العرض والسرد. وعني، فأستحثّ الهمة لإيجاد كتاب أفضل يتحدث عن ماضي العراق، وقد وجدت على أرفف مكتبتي ما اعتقده يكفي للوقت الحاضر، منها: كتاب/ ثرثرة فوق دجلة: حكايات التبشير المسيحي في العراق 1935:1900 – كتاب/ بغداد في العشرينات – كتاب/ بغداد: ملامح مدينة في ذاكرة الستينات – كتاب/ مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797 – كتاب/ العراق في رسائل المس بيل 1917:1926 – كتاب/ الكلية الطبية الملكية العراقية من خلال سيرة ذاتية 1940:1946 – كتاب/ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي – كتاب/ شخصية الفرد العراقي – مجلدات/ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث.

ختاماً أقول: إن كانت العرب تظن بأن لكل امرئ من اسمه نصيب، فإن العراق حاز من اسمه كامل النصيب .. وحُقّ له.

 

تم نشر مقالة عن الكتاب على:

صحيفة المشرق العراقية في 17 أغسطس 2022 – صفحة (10)

ضفة ثالثة / العربي الجديد – 9 اكتوبر 2023

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (16) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهو أول كتاب اقرأه في شهر مارس من بين ستة كتب. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية منذ أعوام مضت، مع عدد من الكتب التي تتناول تاريخ العراق، وأجلّت قراءته حتى هذا العام.

تسلسل الكتاب على المدونة: 58

 

تاريخ النشر: يوليو 19, 2021

عدد القراءات:984 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *