مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
كتاب توثيقي يحتضن بدفء ذكريات من التراث الشعبي العراقي، والذي يُعد (شارع الرشيد) خير شاهد على ما تكتنزه تلك الذكريات الحميمة من حضارة ومعمار وحِرف وأحياء وأزقة وأحداث وأسماء وأعلام، ترسم الثقافة العراقية في أبسط صورها وأعرقها على الإطلاق، ماضياً وحاضراً. يتفرّد هذا الشارع كأحد أبرز المعالم الحيوية في العاصمة بغداد بعراقة أخرى، حيث يرتبط به الفرد العراقي وجدانياً لما شهد في ساحاته من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية، مع ما اعترك فيه من مآسي، وما ازدان به من مسرّات، قد شكّل في مجمله تاريخ يعدّه مدعاة للفخر. يتحدث الكتاب عن نشأة الشارع وأسماءه وأسواقه ومشاريعه ومراحل تطوره والأحداث التي جرت عليه، ويتطرق إلى سرد عدد من روّاده من أدباء وسياسيين وأطباء ومهندسين وغيرهم، بالإضافة إلى استعراض جانب من التراث الأدبي الذي احتفى بالشارع نثراً وشعراً، أو كان شاهد عيان على الكثير من الأحداث التي وقعت بين جنباته آنذاك.
يؤلف الكتاب الأديب والمعلم الراحل باسم عبد الحميد حمودي (1907 : 2018)، والذي تذكر شبكة المعلومات بأنه كان في حد ذاته كنز من الإرث التربوي والأدبي والفكري الذي يزخر بدوره بثروة من الذكريات والصور ما يجعل منها تاريخ آخر.
هنا، يجتمع حب عدد من الأدباء العراقيين في تسطير مقالات هذا الكتاب، وهي مقالات حملت عبقاً من الماضي التليد ابتداءً من الخلافة العباسية حتى مجريات التاريخ في الماضي القريب، مع معرض للصور في ختامه. فعلى سبيل المثال، يرسم المؤلف (صورة ناطقة للعراق المعاصر) كأولى مقالات الكتاب، يليه أسامة ناصر النقشبندي وهو يخصص مقالته لـ (اطلالة تاريخية على شارع الرشيد)، بينما يسلّط عزيز الحجية الضوء على (بعض المعالم الترفيهية في شارع الرشيد قديماً) في مقالته، وفخري حميد القصّاب على (الأسواق التراثية المطلّة على شارع الرشيد). يعود المؤلف ليتناول الشارع بالنقد الأدبي من خلال مقالة (شارع الرشيد في الرواية العراقية)، بينما يتناول عبدالكريم عناد الحارس الليلي فيه، ووحيد الشاهري سينماته، وجودت عبدالمجيد العمري تعبيده وترصيفه.
قد يجد من عاش على أرض العراق وفي شارع الرشيد تحديداً هذا الكتاب، بمثابة فرصة لاسترجاع ذكرى ماضٍ أصيل عاصر أحداثه أو سمع بعض حكاياته من أجداده، بينما من لم يحظَ بطيب العيش في الرشيد، يجده بمثابة إضافة ثرية لحصيلة معلوماته. ومع هؤلاء، أنثر شذرات من الذكرى التي أحياها الكتاب بعد قراءته .. لمن عاش هناك ولمن لم يعش، وباقتباس في نص من عذب الفرات (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
نكّب الشارع الكبير ببغداد ولا تمش فيه إلا اضطرارا
شارع إن ركبت متنيه يوماً تلق فيه السهول والأوعارا
تتراص سنابك الخيل فيه إن تقحّمن وعثه والغبارا
فهي تحثو التراب فيه على الأوجه حثواً وتقذف الأحجارا
لو ركبت البراق فيه أو البرق نهاراً لما أمنت العثارا
تحسب العابرين فيه سكارى من هواء تنسّموه غبارا
مستجيشاً من الجراثيم جيشاً مسيّطراً عرمرماً جرّارا
وإذا ما مشيت في جانبيه فتجنّب رصيفه المنهارا
ودكاكين كالأفاحيص تمتدّ يميناً بطوله ويسارا
على الرغم مما سبق، فإن الكتاب لم يحظ من رصيد أنجمي الخماسي إلا باثنتين، حيث التكرار لمعلومات تناولها الأدباء في مقالاتهم، مع طابع التوصيف والسرد الجاف في بعضها، الأمر الذي قد يستحضر شيء من الملل! وفي حين قد يجد من عاش على أرض العراق وفي شارع الرشيد تحديداً هذا الكتاب بمثابة تهييج لذكرى ماض جميل عاصر أحداثه أو سمع حكاياته من أجداده، قد يجده الآخرون كتاب يميل إلى الرتابة في العرض والسرد. وعني، فأستحثّ الهمة لإيجاد كتاب أفضل يتحدث عن ماضي العراق، وقد وجدت على أرفف مكتبتي ما اعتقده يكفي للوقت الحاضر، منها: كتاب/ ثرثرة فوق دجلة: حكايات التبشير المسيحي في العراق 1935:1900 – كتاب/ بغداد في العشرينات – كتاب/ بغداد: ملامح مدينة في ذاكرة الستينات – كتاب/ مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797 – كتاب/ العراق في رسائل المس بيل 1917:1926 – كتاب/ الكلية الطبية الملكية العراقية من خلال سيرة ذاتية 1940:1946 – كتاب/ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي – كتاب/ شخصية الفرد العراقي – مجلدات/ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث.
ختاماً أقول: إن كانت العرب تظن بأن لكل امرئ من اسمه نصيب، فإن العراق حاز من اسمه كامل النصيب .. وحُقّ له.
تم نشر مقالة عن الكتاب على:
صحيفة المشرق العراقية في 17 أغسطس 2022 – صفحة (10)
ضفة ثالثة / العربي الجديد – 9 اكتوبر 2023
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (16) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهو أول كتاب اقرأه في شهر مارس من بين ستة كتب. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية منذ أعوام مضت، مع عدد من الكتب التي تتناول تاريخ العراق، وأجلّت قراءته حتى هذا العام.
تسلسل الكتاب على المدونة: 58
تاريخ النشر: يوليو 19, 2021
عدد القراءات:984 قراءة
التعليقات