هو كتاب عن المرأة وللمرأة .. تحريضي وتحفيزي، يهدف إلى خلق تلك الحالة الإدراكية الواعية اللازمة لكل امرأة وهي تمضي على وتير القرن الواحد والعشرين المضطرد ضمن هدير ما يشهد من تغيرات لا تلبث أن تتقرر حتى تتغير، وذلك من أجل فرض التغيير المطلوب لكل امرأة، في كيانها كإنسانة ابتداءً، وفي دورها الرائد ككائن فاعل في المجتمع الإنساني .. إذ هو كتاب جدير على حد سواء، بشحذ همة كل امرأة واعدة نحو طريقها الحقيقي في الحياة، وتجديد عزيمة كل امرأة قطعت شوطاً نحو ذاتها الحرة، باستقلالية وبموضوعية واعتزاز بالنفس أصدق وأعمق وأحكم. وعن هذا التطلع وما حدّه سابقاً من مخلّفات مجتمعية، تقول الكاتبة في مطلع حديثها: “لقد عانت المرأة الكثير والكثير، ولا نريد أن نغفل ذلك. لقد كان الرجل في الماضي هو السيد الوحيد في المنزل، لذا فقد كانت نتيجة أي عصيان يصدر عن الزوجة أو الطفل أو الخادم هي العقاب بالجلد. أما الآن، فقد استطاعت المرأة أن تتقدم بالفعل، ولكن هذا لا يعد سوى بداية مرحلة جديدة من التطور، حيث ما زال لدينا الكثير لنتعلمه، والكثير لنقوم به، فقد أصبح هناك الآن حدود جديدة لحرية المرأة، لذا نحن في حاجة إلى إيجاد حلول جديدة لكل النساء، وكذلك لمن يعشن بمفردهن”.
إنها لويزا هاي (Louise L. Hay 1926 : 2017) .. “صاحبة الكتب الأكثر مبيعاً” كما يعرض غلاف الكتاب الأول الذي أصدرته عام 1996، وهي من أبرز الكاتبات الأمريكيات اللاتي عملن ضمن مجال الروحانيات وتنمية الذات. تعرض شبكة المعلومات قصة كفاح قاسية خاضتها الكاتبة في حياتها التي امتدت إلى تسعين عاماً، تعرضت فيها وهي طفلة ووالدتها إلى عنف جسدي من قبل زوجها، وللاغتصاب في سن مبكر من قبل جارها، الأمر الذي دفعها إلى عرض طفلتها لدور التبني. ومع الفقر والعوز وقلة الحيلة، تترك دراستها الثانوية وتنخرط في أعمال منخفضة الأجر، لتنتقل إلى دراسة العلوم الدينية والروحية بعد طلاقها من زوجها رجل الأعمال بعد زواج دام أربعة عشر عام، وقد تسبب لها في أزمة عنيفة جرّاء خيانته الزوجية! تُصاب بالسرطان فترفض العلاج الكيميائي وتُشفى ذاتياً .. بالغذاء وبفضيلة التسامح، لتضع من ثم كتابها الشهير (أشفِ جسدك Heal Your Body) الذي يحقق مبيعات عالية تفوق الخمسين مليون نسخة عالمياً بعد ترجمته إلى عدة لغات، ويتصدر قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً. تستمر في عطائها لتعمل في مجال دعم مرضى الإيدز، فيذيع صيتها وتظهر من خلال البرامج التلفزيونية، ويتم انتاج فيلم سنيمائي يحكي قصة حياتها عام 2008. وتستمر من ثم لتؤسس شركتها الخاصة للنشر وتدير مؤسسة للأعمال الخيرية. وتستمر .. حتى تموت وهي نائمة في طمأنينة!.
وبين مقدمة الكتاب وخاتمته تقع تسعة فصول رئيسية هنّ موضوع الكتاب، تبدأ بطموح المرأة في استمرارية التعلم كعملية حيوية مستمرة، وتأثير الإعلانات السلبي على مدى ثقتها بنفسها ونظرتها لذاتها، والتحفيز نحو تبني أفكار إيجابية، لتعرج على أهمية الموازنة بين الرضا الذاتي وتربية الأطفال والمحافظة على الصحة، وتنتهي بالتأمين المادي والاستمتاع بالحياة مع التقدم في العمر، وبذل ما أمكن من سبل العون الكفيلة بتحقيق كل ذلك.
يحظى الكتاب بثلاث نجمات من رصيد انجمي الخماسي، والذي جاء عن ترجمة واضحة في مفرداتها ومعانيها من نصه الأصلي (Empowering Women: Every Woman’s Guide to Successful Living) .. وقد جاءت موضوعاته كذلك ملائمة لكل امرأة من مختلف الثقافات، رغم بعض الاعتبارات بطبيعة الحال. ومن جميل ما ورد وعلق في ذهني، أدوّنه كما يلي، وباقتباس في نص نسوي قوي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- هنالك من غير أدنى شك صفتان أساسيتان تمنحان المرأة الاحترام والاستقلالية والتمكين، هما: القيمة الذاتية واحترام الذات، فلا ينبغي لـ “المرأة الصالحة” إنكار ذاتها كي تكون كذلك، وإلا أصبح الوضع (لصالح الزوج) وليس (لصالح الزوجة). عن هذا، تقتبس الكاتبة من مادة الاقتصاد المنزلي المقررة في خمسينيات القرن الماضي صور من (استعباد) المرأة والتي أُطلق عليها آنذاك عُرفاً واصطلاحاً (نصائح)، منها: (جهزي العشاء الدافئ، نظفي المنزل من الأتربة، اغسلي وجوه الأطفال وأيديهم، قللي من الضوضاء وتجنبي تشغيل المكنسة، تزيني وتبرّجي وتلطّفي، اخلعي حذائه فور وصوله، تحدثي بعذوبة واجعليه يسترخِ، أنصتي باهتمام له ولا تتذمري، ودعيه يستمتع بليله الطويل ولو بعيداً عنك). وقبل تعليق الكاتبة، أعلقّ لأقول بأنه من المضحكات المبكيات أن هذا التخلّف الذي أطلق عليه (صلاح) لا يزال يسود مجتمعات تحت شعار (تقديس الحياة الزوجية) يعززه الدين والقانون وعلم الاجتماع مع الاقتصاد المنزلي، جنباً إلى جنب .. في تواطئ ذكوري معتاد!.
- تعلّق لويزا هاي على الآنف ذكره من وصايا أكثر من عشر، موجهة النصح بدورها للمرأة، لتقول: “لا توجد مشكلة في اتباع أي من الأمور السالف ذكرها إذا ما أردتِ القيام بها. ولكن، يجب أن تدركي أن معظم النساء في ريعان الشباب في هذا العصر قد اعتدن على إنكار أنفسهن بالكامل من أجل إسعاد أزواجهن. فهذا ما يجب أن تكون عليه المرأة الصالحة. وقد كان هذا الأمر بالفعل لصالح الرجل وليس لصالح المرأة. لذا، علينا نحن نساء الحاضر أن نعيد التفكير في حياتنا. يمكننا أن نجدد من أنفسنا بأن نتعلم أن نسأل عن كل شيء، بما في ذلك الأشياء التي تبدو اعتيادية، مثل: الطهي والنظافة والعناية بالأطفال وقضاء المهام اليومية وقيادة السيارة وغيرها. علينا أن نتدبر من جديد كل الأشياء التي اعتدنا القيام بها بشكل تلقائي. هل نريد أن نقضي بقية حياتنا ولدينا القليل فقط من الآراء والأفكار التي نفقدها بمرور الوقت؟”.
- لا يفُتها وهي في هذا النطاق الضيق، من المفاضلة بين المرأة المتزوجة والمرأة غير المتزوجة، إذ أن المرأة غير المتزوجة في وجهة نظرها تنعم بحياة كاملة تملكها بأسرها، فهي تتعلم وتعمل وتكسب وتسافر وتخلق الصداقات وتعزز الكثير من قيم الثقة بالنفس.
- وعلى نطاق أوسع من حدود الحضيرة الزوجية، تؤمن الكاتبة بأن نجاح المرأة هو في حقيقته نجاح وتقدّم وازدهار للمجتمع ككل، إذ تقول: “إن مساندة المرأة هي أفضل شيء نستطيع القيام به. فعندما تُقهر المرأة نخسر جميعاً، وعندما تفوز المرأة نفوز جميعا”، وتؤمن كذلك بأن المستقبل هو نتاج ما نصنعه في الحاضر، فتقول من جديد في تفاؤل وحكمة: “إذا أردنا أن يكون المستقبل إيجابياً، يجب أن نغير تفكيرنا من اليوم. فأفكار اليوم تشكل خبرات المستقبل”.
- ثم بعيداً عن هذا النطاق الخارجي العريض، تتجه لويزا هاي نحو مكنونات المرأة التي تنبع من داخلها، فتؤكد ما للتوكيدات اللفظية الإيجابية والمعززة للثقة بالنفس من بالغ الأثر في شحذ الطموح وتفعيل الأهداف، فتسرد بالتالي عدداً مطولاً منها تحثّ فيها نظيرتها المرأة على تكرارها وفق مسامعها بشكل يومي، حتى تألفها نفسها بمرور الوقت وتصبح واقعاً تحيا بها. منها على سبيل المثال: “أحب كوني امرأة” و “أنا امرأة قوية” و “أنا مسئولة عن حياتي” و “الحياة مليئة بالسعادة والحب” و “لدي الحكمة والجمال” و “لدي كل يوم أفكار جديدة ومختلفة” و “إن أول ما أحبه في حياتي هو ذاتي” و “لا يوجد شيء يحد من حريتي” و “لدي الحرية في أن أصبح كيفما أريد” و “أعمل على أن تزيد قدراتي” و “أساهم في المجتمع بطريقة إيجابية وبناءة” و “إنني مسئولة عن تدبير نفقاتي والعناية بصحتي والتخطيط لمستقبلي” و “أفكر في السبل التي يمكن إصلاح العالم من خلالها، وأعمل على تطبيقها” و “أحب صديقاتي وأساندهن، وأشعر بالسعادة لوجودهن في حياتي” و “أقضي وقتاً للتأمل وممارسة رياضة المشي، وأستمتع بالطبيعة وبقضاء الوقت بمفردي” و “إن السنوات الأخيرة من حياتي هي بمثابة كنوز” و “إنني في أمان دائماً ما دامت العناية الإلهية تحميني”.
- من ناحية أخرى، وبينما تؤكد الكاتبة على أن (الاعتناء بالمظهر، الحرص على التعليم، الاستقلال المادي، التواصل روحياً مع الحياة) هي أمور تعزز من ثقة المرأة بنفسها، فإن ما تقوم به إعلانات جراحات التجميل -لا سيما غير الضرورية- لا ترسّخ سوى شعور المرأة بالنقص، ولا تعزز ثقتها بنفسها في شيء، ولا أي شيء آخر إن كانت تفتقد في الأساس لعامل الثقة النابع من أعماق ذاتها.
رغم ما سبق، بدى لي الكتاب سطحي في معلوماته يشوبه التكرار، الأمر الذي ساعدني على إتمام قراءته سريعاً. قد يعود ذلك إلى توسعي في مطالعة الموضوعات ذات الصلة بـ (تمكين المرأة)، فضلاً عن تطبيقي العملي لما اعتنق منها من مسلمات!. لا يمنع هذا من القول بأن الكتاب في مجمله ذو نفع.
ختاماً، وبما أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، تولي لويزا هاي الروح الإنسانية أهمية عظمى من أجل خلق حياة ضمن نطاق لا مادي وحسب بل قيمي مقرّه القلب، فإن للروح قيم من شمائل وفضائل وأخلاقيات تنمو بها .. فتوصي قائلة بأن “علينا جميعاً أن نتعلم التسامح وأن نحب أنفسنا وأن نعيش الحاضر .. وبذلك نستطيع أن نعالج قلوبنا”.
إنه بحق كتاب عن المرأة وللمرأة .. الإنسانة قبل أي شيء!.
تم نشر المراجعة على صحيفة المشرق العراقية في 25 يناير 2023 – صفحة (10)
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (46) ضمن قائمة من (52) كتاب قرأتهم في عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهو ثاني كتاب اقرؤه في شهر ديسمبر من بين ثمانية كتب .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية في نفس العام .. ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
ومن فعاليات الشهر: لا شيء محدد غير الحماس الذي أختم به كل عام لاستقبال عام جديد .. بمجموعة كتب جديدة، وطموح يتجدد لتحصيل خبرات معرفية أعمق وأشمل.
تسلسل الكتاب على المدونة: 100
التعليقات