الكتاب
الوزير المرافق
المؤلف
دار النشر
المؤسسة العربية للدراسات والنشر
الطبعة
(2) 2011
عدد الصفحات
211
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
09/17/2020
التصنيف
الموضوع
الوزير يخلع عباءة الدبلوماسية ويصرّح بما خفي
درجة التقييم

الوزير المرافق

إنه الوزير المرافق .. الوزير الدكتور .. الوزير الأديب .. الوزير الشاعر .. الوزير الحصيف!

إنه د. غازي بن عبدالرحمن القصيبي (1940 : 2010) .. الأشهر من نار على علم! عُرف كدبلوماسي سعودي بارز وقد تقلّد مناصب وزارية بعد حصوله على درجة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة لندن، غير أنه ذاع صيته كذلك كشاعر وكاتب وأديب، وله من الإصدارات الأدبية والشعرية الكثير. لقد حمل في جعبته الحمل الثقيل أثناء مسيرته الطويلة في أروقة السياسة، واطّلع بحكم هذا السير الحثيث وغير الآمن بطبيعة الحال على ظواهر الأمور وبواطنها! وحين آن الأوان، أفرغ ما في جعبته .. ليس تماماً بالضرورة، إذ لا يزال الأمر يتطلب قدر من الحصافة والحذر!. عليه، فقد جمع في كتابه (القصير نسبياً .. والعميق نظرةً وذاكرةً وتحليلاً واستنباطاً) بين السياسة وأصحابها وخفاياهما، وبين الطرفة والقفشات التي لا يمكن أن تتلقفها العين المقرّبة فقط، بل الفاحصة!.

لا يُقارن حظ هذا الوزير في لقاء أولاء أصحاب المعالي والقرار، بحظوظ القراء الذين أُتحفوا من الأخبار ما يليق وصف مصدرها بالصدق والحنكة .. والدبلوماسية أيضاً!

يعرض فهرس الكتاب -باستثناء المقدمة- عشرة أجزاء، يخص الوزير في كل منها واحد أو أكثر ممن انخرط في العمل السياسي والسلك الدبلوماسي، العربي والعالمي، وما رافقه من أحداث ومواقف، فضلاً عن انطباعه الشخصي .. وهو جوهر الكتاب. وفي الأسطر التالية، أدوّن ما علق في ذهني من خبايا الكتاب السياسية ومن طرائفها، وقد استنفد رصيد أنجمي الخماسي كاملاً وبجدارة. قد يشوبه شيء من (الغيبة) .. (الغيبة السياسية)، إلا أنني اتفق مع (الحديث عن السياسة والسياسيين .. ولا حرج):

مع الأمريكان:

  • التقى الوزير بهنري كيسنجر في ستينيات القرن الماضي، عندما كان الأخير يرأس ندوة هارفرد الدولية. وعلى الرغم من شخصية كيسنجر الكاريزماتية، فقد خيّب ظن الوزير عندما بدى لا مبالياً بالنزاع العربي الإسرائيلي، وسعيداً بما حلّ بعبدالناصر الذي رآه وقد تلقّى درساً قاسياً، ليعتبر من تسول له نفسه تحدي الولايات المتحدة.
  • بينما يوصم الوزير اقتراح وزير الدفاع الأمريكي شليسنجر بـ (المجنون)، أنعته أنا بـ (الوقح)! فمع غطرسته المقيتة في الحديث والحركة، اقترح على السعوديين -وهو في قعر دارهم- بناء مخازن احتياطية للنفط في الولايات المتحدة الأمريكية، وشحنه وتعبئته على نفقتها الخاصة، ومن ثم بيعه للحكومة الأمريكية. ويرى أن في هذا ضمان لتدفق النفط للأمريكان حال لجأت المملكة لقرار الحظر. وبينما تبادل العرب سهام النظرات المحتقنة أثناء الاجتماع الرسمي، جاءت ردة فعل أميرهم في دبلوماسية متناهية، فالفكرة “تستحق الدرس والعناية”.
  • للرئيس جيمي كارتر عدد من الإنجازات قد لا يعلمها الكثير كما بدى للوزير، منها: الشروع بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي لم يتم بسبب بيروقراطية الجانب الفلسطيني متمثلاً بعرفات وصحبه، الأمر الذي أسف عليه الملك فهد فيما بعد. كذلك: صياغة الحكم الذاتي الفلسطيني في اتفاقية كامب ديفيد، وتنصّل بيجن من الالتزام بها، وقد خرج بما لم يتم الاتفاق عليه في الاتفاقية. أيضاً: دفاعه عن أنور السادات والتأكيد على عدم تخليه عن مطالب العرب الأساسية حتى آخر حياته، وقد كان هيناً ليناً على عكس بيجن.

مع الإنجليز:

  • تمر العلاقات السعودية البريطانية في الثمانينيات بمرحلة من الفتور بعد سحب السفيران، إثر عرض التلفزيون البريطاني فيلم (مقتل أميرة)، غير أن الملك خالد أكد في زيارة رسمية إلى الجمهورية الألمانية أن العلاقات في طريقها نحو الاستئناف من جديد، فلا ينبغي لصفو العلاقات أن تتعكر إلى الأبد لأزمة طارئة.
  • في اجتماع مع الملكة اليزابيث الثانية في قصر باكنجهام، يتطرّق الحديث إلى تناول أطباء العالم الثالث العاملين في المملكة المتحدة، فتُبدي الملكة انطباعاً عن ضرورة عودتهم إلى بلدانهم التي لابد وأن تكون في أمسّ الحاجة إلى خدماتهم، وإن كانوا يحصلون على رواتب أفضل في المملكة. يتعاطف الوزير مع رأي الملكة لكنه يحتفظ برأيه عن وضع رعايا الملكة كيف سيكون وهم من غير رعاية طبية، وقد عاد هؤلاء إلى بلدانهم كما دعت؟

مع الألمان:

  • بفلسفة غير معهودة لا سيما في البروتوكولات السياسية، يُعقّب هيلموث كول على كلمة الملك فهد في حديثه عن الصداقة السعودية الألمانية، خلال مباحثات رسمية .. فيوضح للحضور أن الصداقة في الثقافة الألمانية تجمع العقل والقلب معاً، وقد خبر من تجربته في المعترك السياسي أن الصداقة الحقيقية تعطي للحياة عمقاً، وهو يؤيد العمل بمقتضاها، وإلا .. أصبح العالم كالصقيع إذا حُكم بالعقل فقط، وبالطيش إذا حُكم بالقلب فقط.
  • وفي الحديث عن تاريخ ألمانيا النازية، يستفسر الملك فهد عن حقيقة انتحار هتلر وزوجته وحرق جثتيهما، فيأتي الرد من المستشار بثبوت الرواية وصحتها تاريخياً. أما فيما اطلعت عليه مؤخراً من وثائقيات، فإن الفوهرر هتلر وقومه قد رحلوا إلى قارة أنتاركتيكا .. الأرض الجديدة المتقدمة حضارياً على الإطلاق!.

مع رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي:

  • يأخذ الحديث مع “العجوز الرقيقة” أنديرا غاندي نكهة أطيب! إذ تصف القضايا التي رُفعت ضدها وهي خارج الحكم بالمضحكة، فتجدها تمثل -على سبيل المثال- أمام هيئة المحكمة الموقرة بتهمة سرقة خمس دجاجات وست بيضات.
  • ثم تأخذ طابع الحماة الشاكية -في عفوية- ضد كنّتها المتعجرفة، التي ما برحت تُلفق حولها الأكاذيب وصل مداها إلى الصحف والمعارضة .. “المخلوقة” الحديثة سناً الفقيرة جمالاً ودلالاً، بعكس كنتها الإيطالية سونيا الـ “جوهرة” .. حسب تعبيراتها.
  • وتتحدث ببساطة أخرى عن نظامها الغذائي بعد أن أصبحت تخشى السمنة، وقد كانت تصف نحافتها قبل الخمسين بـ (المرعبة). تقول هذا بعد أن أطرت العشاء الملكي وقد أكلت الكثير.
  • نعم! لا تنفي أن غاندي كان ينام بين فتاتين جميلتين عاريتين، غير أن هذا الطقس الغريب المريب لم يكن إلا رغبة غاندي في إثبات قدرة الإنسان التغلّب على غرائزه الجنسية، رغم شدة الإغراء! كان ذلك حين قرر الامتناع عن ممارسة الجنس نهائياً!.

مع المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة:

  • كان مرض الرئيس بورقيبة في حقيقة تشخيصه سياسي، فللشعب دورة يملّ فيها ويرغب في التغيير، فيمرض الرئيس ليعود معافى بعد حين، وهلّم جرا .. هكذا تصّرح عقيلته الماجدة، وسيلة بنت عمار، للوزير.
  • لا يتحرّج الرئيس من التجاوز في حديثه مع شعبه! فتارة يقارن لهم ذكاء رئيس وزرائه بذكاء الحمار، وتارة يصارحهم بشكه في بنوة ابنه وقد حباه الله بخصية واحدة لم يتوقع أن يُنجب بها!.
  • في تعبير عن اللعنة، يصف عبدالناصر بالرئيس (السخطة) على الأمة العربية، ويذكر كيف اتفق معه على أن يُعلن (بورقيبة) موقفه للفلسطينيين رسمياً من مبدأ التقسيم، والذي سيضع الإسرائيليين في حرج، فلما فعل تبرأ منه وانقلب ضده. بعده، طار السادات إلى الإسرائيليين وعقد الصلح معهم. هكذا الأمر بالنسبة له .. سخطة خلف سخطة، ومعهم القذافي.
  • في ختام لقائه بالوزير، يسترجع بورقيبة أيام اعتقاله في فرنسا حين طال، وكيف دب اليأس في قلوب رفاقه وهو لم ييأس، وطفق يردد الآية الكريمة في روح فتى العشرين: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ”.

مع الأخ العقيد القذافي:

  • تتقلّب العلاقات السعودية الليبية بغرابة أطوار عقيدها الذي ما كان يحلو له القرار على حال، فما أن تسوء العلاقة حتى يهرع إلى تحسينها، والعكس صحيح. فعلى ذمة الوزير: “قال في الملك فيصل ما لم يقل مالك في الخمر”، ثم جاءه معتذراً كالابن العاق. ما لبث أن قُتل الملك فيصل، فلم تبثّ ليبيا القرآن الكريم على عكس الإذاعات العربية، وقد استغرب كل هذا الصخب لموت “تاجر بترول” .. هكذا كان دأب العلاقات الثنائية مع استهلال حكم (الفاتح).
  • عن مذهب الكتاب الأخضر لا يشذّ القوم! فهذا الرائد عبدالسلام جلّود يستنكر خلال مباحثات رسمية رفض جعفر نميري إعادة العلاقات مع بلده رغم جهود الليبيين، وحين يصارحه الوزير بحادثة الانقلاب الذي دبروه ضد نميري وكيف نجى منه صدفة بعد مقتل المئات وإنفاق الأموال الطائلة، لا يتحرّج جلّود من الاعتراف وقد أتبعوه بالاعتذار! ويتساءل في هيئة بريئة: “ألا يكفي هذا”؟
  • يتفحّص الوزير القذافي، ليستنتج أن ما ينطق به هو من بنات أفكاره، لا يردد كالببغاء مقولات كُتبت له كما يشي البعض. ويعتقد أن الرجل ذو عقل أصيل وروح مغامرة لو أتيح له قدر أفضل من المعرفة والإحكام لربما قلب تاريخ ليبيا بل وتاريخ الوطن العربي! ويستطرد منتقداً أولئك الذين ينعتونه تارة بالمراهق وتارة بالمجنون، إذ لم يحضوا بفرصة لقائه والتحدث معه لدقائق لكي يتيقنوا أن من أمامهم هو رجل حاد الذكاء، لا تظهر عليه أي شواهد الاعتلال العقلي أو النفسي!.

أخيراً .. مع العرب:

  • وكأن دمشق الأمويين وبغداد العباسيين على العهد باقيان، حين التقيا مرة على مفرق طريق!. ففي قمة فاس الثانية، انبرى فصل من المناورات الكلامية والقصف اللفظي بين قائدي حزب البعث العربي بجناحيه العراقي متمثلاً في صدام حسين، والسوري في حافظ الأسد، حيث تبادل (الزعيمان) التهم عن سلسلة الجرائم والمقاتل والتآمر والتفجيرات والاغتيالات كل على أرض الآخر، مؤرخة بالساعة واليوم والشهر والعام، على طريقة برنامج (حدث في مثل هذا اليوم)!.. كل هذا على مسمع ومرأى وفود العرب الذين تلبّسوا بحالة من الوجوم والذهول. وتبقى الأزمة العراقية/السورية عالقة ما شاء الله!.
  • وفي متفرقات:
    • يمر جعفر نميري بحالات من السرحان أثناء قمة فاس، فيعلّق على أمور عفى عليها النقاش مسبباً إحراج أشد.
    • ومع العرب المستعربة، يبدو أن وزير خارجية جيبوتي والذي عمل كمترجم في القمة عن رئيسهم ليس بأفصح منه لساناً، ثم بالرئيس ينتفض معترضاً عندما حاول الملك فهد التحدث معه بالإنجليزية للإيضاح، قائلاً: “إنت كلّم إنجليزي ليه؟ أنا أربي زيك”.
    • يحتفل عيدي أمين بزيارة الملك فيصل لأوغندا على طريقة إسلامية كما ظن، وقد أحضر مجموعة من الفتيات اليافعات يرقصن على قرع الطبول وهن يتلون “إنا أعطيناك الكوثر”.
    • وعن مشروع الملك فهد في شأن القضية الفلسطينية والذي تضاربت حوله آراء العرب، يتلوّن عرفات في رأيه، ويهاجمه الفلسطينيون بألفاظ نابية، ويشترك معهم السوريون لإفشاله .. هكذا وصل إلى مسامعه!.

(ومع (كامل الاحترام لحقوق النشر)، أقتبس من كواليس السياسة ما جاء على لسان الوزير في نص دبلوماسي .. ما يلي: 
ملاحظة: ما بين القوسين هو عنوان الجزء المقتبس عنه!

  • عندما كان (البيت الأبيض بين سيدين)، يلاحظ الوزير غطرسة ريتشارد نيكسون في مقارنته مع خَلَفه جيمي كارتر، فيقول: “كانت هذه واشنطن نيكسون! امبراطور يصارع للبقاء على العرش، وأعوانه حوله يتصارعون على السلطة، ونجم رئيسي ونجوم أصغر تدور في فلكه. إحساس بالثقة يكاد يكون مفرطاً. ولكنك تشعر إنه إحساس مصطنع. كان الجميع يدركون أن الامبراطور على وشك أن يجمع حقائبه ويرحل”.
  • وفي نفس الجزء، وعن تطرّف كارتر في تواضعه نكاية بسلفه المتعجرف، يقول على لسان أحد مستشاريه الذي قال فيه: “لكن هذا الرئيس عن كل من سبقوه! لقد أعددت بطلب منه بحثاً قانونياً وانتهينا على أن من حق الرئيس أن يوقع باسم (جيمي) بدلاً من اسمه الكامل (جيمس)، وهذا ما يفعله الرئيس”. لا يزال الوزير يعتقد أن على الرئيس ألا يزعزع الهالة التي أحاطه بها الشعب الأمريكي!.
  • بُعيد لقائه (مع المجاهد الأكبر) في مقر إقامته، يسترجع الوزير رأي أحد أصدقائه التونسيين: “يتمتع أبو رقيبة بميزتين يندر اجتماعهما في أي زعيم وبالذات أي زعيم عربي. أولاً النزاهة المطلقة! فالرجل لو مات ما ترك خلفه ديناراً واحدا. وثانياً الصراحة الجارحة المطلقة مع الناس أجمعين”. كان يقيناً .. وليس الخبر كالعيان!.
  • يفتخر بورقيبة في حديثه عن المرأة فيقول: “أنا أول من حرر المرأة من قيود التخلف. كانت المرأة التونسية مجرد بضاعة تباع وتشترى، لم يكن لها رأي في زواجها ولا في طلاقها. لقد غيّرت هذا كله، منعت تعدد الزوجات واستندت في هذا المنع إلى القرآن نفسه. القرآن يقول (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)”. ويستطرد في قول عظيم آخر عن إنجازاته في تحرير المرأة: “أصبح الطلاق الآن أمام المحكمة. أصبح القاضي هو الذي يحسم الموضوع، والزوجة بدورها لها الحق في أن تطلب الطلاق. أصبحت المرأة مساوية للرجل في كل الحقوق والواجبات. هذا هو الإسلام الحقيقي”. وفي الحجاب يكمل قوله: “والحجاب! ما دخل الحجاب بالفضيلة؟ بإمكان المرأة أن تكون محجبة دون أن تكون فاضلة، وبالإمكان أن تكون سافرة وعلى خلق فاضل”.
  • يتطرق حديث أعضاء الوفد السعودي (مع الأخ العقيد .. في الحافلة) إلى قضايا دينية يتزعمها الشيخ ناصر الشتري، وحين يحتدم النقاش في موضوع تعدد الزوجات، يقذف القذافي قولاً ثقيلاً مستنكرا: “كيف أتناقش معك؟ أنت رجل رجعي دماغك (متكلّس)، تبحث عن تبرير لزوجاتك الأربع، وأنا رجل ثوري متحرر أنظر إلى الإسلام نظرة ثورية متحررة”.
  • عندما كانت (فاس بين قمتين)، شهد الوزير ردود أفعال ساخنة بين أعضاء الوفود العربية، لا سيما عن مشروع الملك فهد في القضية الفلسطينية-الإسرائيلية. فيقول: “كان الأمير فهد بطبيعته ومن واقع خبرته السياسية الطويلة رجلاً يميل إلى السلام. كان يدرك أن أي مواجهة مع إسرائيل في ظل ظروف الفرقة العربية القائمة ستنتهي بانتصار إسرائيلي ساحق. كما كان يدرك أن موقف السادات من السلام لم يكن بالموقف الذي يمكن أن تجمع عليه الأمة العربية. كان الأمير فهد يرى أن السادات قد ضيّع الفرصة التاريخية التي تهيأت له لإيجاد سلام مشرّف، كما ضيّع من قبله عبدالناصر الفرصة التاريخية التي تهيأت له لقيادة العرب، ضيعها السادات بالاستسلام التام في آخر لحظة وضيعها عبدالناصر برغبته في جعل الآخرين مجرّد أتباع له. من هنا فقد كان يطمع في الوصول إلى ما فشل السادات في تحقيقه: إيجاد صيغة معقولة مشرّفة يتبناها العرب أولاً، ويتبناها العالم ثانياً، ثم تقوم الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لقبولها. وكان يدرك أنه لا بد لكي تُقبل هذه الصيغة من ثمن: الاعتراف بوجود إسرائيل”.
  • وفي القمة الثانية في فاس، يتفرسّ الوزير بعين النسر في وجوه القوم، ويحلل لغة أجسادهم وسقطات ألسنتهم وردود أفعالهم، فيخلص إلى أن: “ياسر عرفات بعد كل التجارب المريرة التي عصرته وعصرها لا يزال يلقي بالكلام على عواهنه، لا زالت ألفاظه تسبق تفكيره. طالما تساءلت هل هذا أصلح انسان لقيادة المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها؟ الملك حسين كان كالعادة منطقياً منظم الأفكار شمولي النظرة. صدام حسين تمثيل بشري صادق للعنجهية والغرور. حافظ الأسد أكثر الزعماء العرب قدرة على الشرح والإقناع. الملك فهد لا يتكلم إلا قليلاً وبحساب. زعماء الخليج كانوا صامتين طيلة الوقت، لعل شعارهم كان (من عوفي فليحمد الله). الملك الحسن لعب دوراً حاسماً في نجاح الدورة الثانية لا يقل عن دوره في نسف الدورة الأولى”.

وعلى أرفف مكتبتي الغراء، تصطف كتب أخرى للوزير المرافق بالإضافة إلى هذا الكتاب، قرأت معظمها، هي: هما / العصفورية / شقة الحرية / الغزو الثقافي ومقالات أخرى/ حياة في الإدارة / حتى لا تكون فتنة / ثورة في السنة النبوية / من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون؟

في عجالة -وعلى سبيل النقد الأدبي- فإن هذا الكتاب الحاذق:

  • سليم اللغة واضح المفردات.
  • متناغم الإيقاع في سرد المواقف والملامح والشخصيات على طول الكتاب.
  • محرك في أسلوبه الأدبي لعاطفة القارئ، لا سيما في عرض الخفايا السياسية .. فكل ممنوع مرغوب.
  • لطيف الخيال في إيراد الكثير من الأمثلة لتعزيز رأي الوزير وانطباعاته.
  • مناسب جداً في عنوانه وصورة غلافه المرفوعة من أرشيف الوزير لموضوع الكتاب.
  • ترد بعض الأخطاء المطبعية، منها: ص116 تثبت القرآن: تبث / ص164 بغير قليل: بقدر / ص55 في جربه: جريه.

رحم الله د. غازي القصيبي

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (78) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020 رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط .. وهي قائمة تضمّنت تسعة كتب لم أتم قراءتها. وقد كان هذا الكتاب هو رابع ما قرأت في شهر سبتمبر من بين ستة كتب، والذي حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب في يوليو من نفس العام، ضمن (50) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة!.

لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (سبتمبر)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

تعود الحياة وكأنها تتنفس الصعداء من جديد .. ويتم البدء بإعطاء متنفس من الحجر الصحي“.

تسلسل الكتاب على المدونة: 256

 

تاريخ النشر: يونيو 20, 2022

عدد القراءات:677 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *