الكتاب
الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Quiet: The Power of Introverts in a World That Can't Stop Talking - By: Susan Cain
المترجم/المحقق
عماد إبراهيم عبده
دار النشر
الأهلية للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2016
عدد الصفحات
383
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
08/29/2020
التصنيف
الموضوع
الهدوء كطاقة إيجابية وديناميكية وإبداعية
درجة التقييم

الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام

لم أجد الانطوائية -وأنا هكذا- تبدو لي عيباً في يوم من الأيام، بل تبدو لي على الدوام سمة الحكماء والمفكرين والمبدعين، والصادقين أيضاً .. في عالم يعجّ بضوضاء المظاهر الخادعة والعلاقات الزائفة والأحاديث الفارغة، وقد اتخذ من النموذج الانبساطي الصاخب المثل الأعلى على حساب الانطوائي الهادئ!. رغم ذلك، تُطمئن الباحثة ذات الشخصية الانطوائية، أقرانها .. إذ ليس في الأمر عيب ولا مرض ولا شذوذ عن المألوف، إنما هي أنماط لشخصيات يحتاجها المجتمع ككل لكي ينهض.

لذا، تقسّم كتابها (Quiet: The Power of Introverts in a World That Can’t Stop Talking – By: Susan Cain) الذي جمعت مادته على مدى سبعة أعوام، إلى أحد عشر موضوعاً تعرضهم من خلال أربعة أجزاء رئيسية، تدعمها بأمثلة حية من ثقافات مختلفة لطلبة ومحاضرين ومعلمين وملهمين، ونماذج لأطفال موجهة توصياتها إلى والديهم في التقبل وكيفية التعامل والتشجيع. وهي كما يلي:

الجزء الأول: المثل الأعلى الانطوائي

تناقش الباحثة في هذا الجزء، ثلاثة مساءل، هي:

  1. ظهور «الرفيق المحبوب جداً»: كيف أصبحت الانبساطية هي المثل الأعلى الثقافي؟
  2. أسطورة القيادة الكاريزمية: ثقافة الشخصية بعد مائة عام
  3. عندما يؤدي التعاون إلى قتل الإبداع: نشوء التفكير الجماعي الجديد وقوة العمل على انفراد

الجزء الثاني: بيولوجيتك، ذاتك؟

وفي هذا الجزء، تناقش الباحثة أربعة مساءل اضافية، هي:

  1. هل المزاج قدر؟: الطبيعة والرعاية وفرضية الأوركيديا
  2. ما وراء المزاج: دور الإرادة الحرة (وسر الخطابة بالنسبة للانطوائيين)
  3. «كان فرانكلين سياسياً، ولكن إليانور كانت تتحدث انطلاقاً من الضمير»: لماذا يبالغ في تقدير البرود المحبب؟
  4. لماذا انهارت بورصة وال ستريت ونجح وارين بوفيت نجاحاً باهراً؟: كيف يقوم الانطوائيون والانبساطيون بالتفكير (ومعالجة الدوبامين) بصورة مختلفة؟

الجزء الثالث: هل جميع ا الثقافات لديها مثل أعلى انبساطي؟

وفيه، تناقش الباحثة مسألة واحدة، هي:

  1. القوة الناعمة: الأميركيون من أصل أسيوي والمثل الأعلى الانبساطي

الجزء الرابع: كيف تحب، كيف تعمل؟

وهنا تختم الباحثة نقاشها في ثلاثة مساءل، هي:

  1. متى يجب أن تتصرف بانبساطية أكثر مما أنت عليه في الواقع؟
  2. فجوة التواصل: كيف تتحدث مع أعضاء من النوع المقابل؟
  3. عن الاسكافيين والجنرالات: كيف تنشئ أطفالاً هادئين في عالم لا يستطيع أن يسمعهم؟

ومن تلك الأجزاء وما عرضت فيه من مسائل، والتي نال معها الكتاب ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، أعرض شيئاً مما علق في ذهني بعد القراءة، كما يلي:

  • ابتداءً، تناقش الباحثة التصنيف الثنائي الأشهر في أنماط الشخصية الذي وضعه مؤسس علم النفس التحليلي، النمساوي كارل يونغ (1875 : 1961)، وهما الشخصية الانبساطية (Extrovert)، والشخصية الانطوائية (Introvert). وبما أن البحث يصبّ في النمط الثاني، فإن الباحثة تتصدى لتصحيح المفهوم الخاطئ الذي ترسّخ بشكل ما في الوعي الجمعي عن صاحب هذا النمط، كخجول، أو معقّد اجتماعياً، أو ذو مرض نفسي، أو قد يعاني من خلل ما في السلوك .. فتنفي هذه المفاهيم! إذ ليست الانطوائية عيباً ولا خللاً ولا مرضاً ولا اضطراباً ولا تنطوي على أي نوع من الاعتلال الصحي وفقاً لإصدارات الجمعية الأمريكية للطب النفسي.
  • ثم تتطرق الباحثة إلى التحول الثقافي الذي تشهده المجتمعات على المستوى العالمي! ففي حين كان تسود سابقاً (ثقافة الطبع) والتي كانت تعني أساساً بـ (الفضيلة الداخلية)، أخذت تسود حالياً (ثقافة الشخصية) التي تركّز في المقام الأول على (الجاذبية الخارجية). قد يعكس المجتمع الأمريكي والتحول الذي شهده مع بداية القرن العشرين، نموذجاً واضحاً للانبساطية حين تبنى ثقافة الشخصية أثناء صعوده كقوة عظمى .. بحيث سترسّخ العولمة المثال الأمريكي الغالب كإنسان العصر.
  • يفسح هذا التطور الثقافي لذوي الشخصية الانبساطية المجال واسعاً، حيث الحضور الطاغي في كل مكان! فهناك السعي الدائم نحو الاحتفاء بالحياة من خلال حضور الاحتفالات والفعاليات تحت أصوات الموسيقى الصاخبة .. وهناك التفجّر العاطفي والانفعالي على حساب الإحساس الصادق والدائم .. وهناك فصول التعليم الجماعي والأنشطة الجماعية التي ينخرط فيها طلاب المدارس والجامعات، والتي تُضعف المهارات الفردية وملكة الإبداع .. وهناك أنظمة المكاتب المفتوحة التي لا تحفظ الجانب المطلوب من الخصوصية واللازم لكفاءة الإنتاجية.
  • على الرغم من عدم وجود تعريف محدد للشخصيتين المتناقضتين، فإن هنالك الكثير من السمات التي تفرّق بينهما، بحيث تكون السمة عند أحدهما هي العكس عند الآخر. وعن الانطوائي كموضوع لهذا البحث، تجمع الباحثة عدد من السمات التي يختص بها، والتي أذكر منها على سبيل المثال، الآتي:
    • ينزعج من أجواء الحفلات والتجمعات والفعاليات، بحيث يصبح أقصى ما يرجوه إن اضطر لحضور واحدة منها، هو انقضاء الوقت سريعاً والعودة إلى منزله.
    • يستمتع بأجواء الخلوة مع نفسه، أو بصحبة كتاب، أو مشاهدة فيلم، أو العمل على بعض أموره.
    • يفضّل العمل بمفرده على العمل الجماعي، أو ضمن عدد محدود من المشاركين إن اضطر لذلك.
    • يكتفي بعدد محدود من الأصدقاء.
    • يتجنب الزحام والتجمعات والأماكن الصاخبة.
    • مستمع جيد، وقليل التحدث، لا سيما عن نفسه.
    • ودود، لطيف، محب، مخلص، ويتمتع بحس عالٍ نحو العلاقات الاجتماعية التي يكوّنها ويحافظ عليها.
    • كثير المراجعة لأفعاله ولردود أفعاله، وكثير ما يحمل شعوراً بالذنب.
    • نشط في العالم الافتراضي لمواقع التواصل الاجتماعي، عن العالم الواقعي، على الرغم من أنه قد يكوّن صداقة حقيقية من خلاله في الواقع.
  • في حين تعتقد الباحثة أن ما يقارب ثلث أو نصف أفراد المجتمع الأمريكي يميلون في طبيعتهم إلى نمط الشخصية الانطوائية، إلا أنها تتطرق إلى ما أسمته بالسمات (الحرة) التي لا بد لها أن تتعامل مع السمات (الثابتة) لدى كل نمط! وهي إذ تقول ذلك فإنها تعتقد بأن هنالك نوع من التوازن يأتي به بعض الأفراد الذين يتأثرون داخلياً وخارجياً معاً، بحيث يصبح الجمع بين النمطين أمام بعض الظروف هو الأنسب والأكثر حكمة وفاعلية. ففي بعض المواقف الاجتماعية أو أمام بعض الأهداف الفردية، قد يأخذ الانطوائي بالتصرف على نحو يخالف جوهره، كأن يشترك ضمن فريق عمل لتحقيق هدف معين، الأمر الذي يعكس كفاءته، أو أن يخرج من خلوته لمشاركة من يحب في مناسبة اجتماعية، ما يدل على اخلاصه وتفانيه.
  • تؤكد الباحثة في خلاصة بحثها بأن تسليط الضوء على نمط شخصية ما، هو ليس دعوى للمفاضلة على نمط الشخصية الآخر أو الانتقاص من قيمته، إذ لكل منهما ما له وما عليه، ولا ينهض المجتمع ككل إلا بهما .. وإن الخير الذي يقدّمه كل منهما لهو التمييز الحقيقي في جوهرهما، لا التفاضل بين سمات وصفات!.

وأختم الكتاب الذي وجدته يُشبهني، باقتباس في نص هادئ ما ورد في (خاتمة: أرض العجائب)، وتحديداً عن المظاهر التي لا تعكس بالضرورة الحقيقة كما هي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

“بصرف النظر عمن تكون، ضع باعتبارك أن المظاهر ليست هي الحقيقة. بعض الناس يتصرفون مثل انبساطيين، ولكن الجهد يكلفهم طاقة وأصالة وحتى صحة بدنية. وقد يبدو آخرون منعزلين أو متحفظين، ولكن مشاهدهم الطبيعية الداخلية زاخرة ومليئة بالدراما. لذلك، في المرة المقبلة التي ترى فيها امرأة ذات وجه هادئ وصوت رقيق، تذكر أنها في ذهنها قد تكون آخذة في حل معادلة أو تأليف معزوفة أو تصميم قبعة .. أي أنها قد تكون آخذة في نشر قوى الهدوء”.

وعلى هامش مادة الكتاب، تسجّل منصة (TED) حديثاً شائقاً للباحثة عن الهدوء الذي تحلّت به ودافعت عنه، جاء بعنوان (The power of introverts | Susan Cain)، وقد لاقى حديثها استحساناً كبيراً الذي لم يقل في جاذبته عن الكتاب. وبينما تصنف صحيفة نيويورك تايمز هذا الكتاب ضمن الأكثر مبيعاً في أميركا، يصدر عن المكتبة العربية نسخة تحاكي مضمون الكتاب، لكن بعنوان (هارون أخي) .. وهو كتاب حصلت عليه منذ زمن، لكنني لم اقرأه حتى الآن.

كتاب وجدت نفسي فيه .. وهو يستحق القراءة، لكن بتروي وتبّصر وهدوء الانطوائيين!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (74) في قائمة احتوت على (105) كتاب، قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو آخر كتاب اقرأه في شهر أغسطس من بين عشرة كتب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب في يوليو من نفس العام، ضمن (50) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة!.

لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (أغسطس)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

لا جديد غير القراءة .. ويستمر الحجر الصحي“.

تسلسل الكتاب على المدونة: 252

 

تاريخ النشر: يونيو 18, 2022

عدد القراءات:752 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *