مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
إنها موعظة يسيرة بليغة .. تعلوها هالة القداسة!
هناك على حافة الحياة الدنيا، يقف (المصطفى) .. نبي جبران، مودعاً من شاطئ مدينة أورفليس ناسها، يحوطه نور رباني، وأتباع، يرجون أن يجود عليهم بحكمة منه أخيرة، وقد أزمع على الرحيل إلى الجزيرة أو الحياة الآخرة، عبر سفينة الموت، نحو البحر الأعظم، حيث يلتقي بالروح الكلي، لينفصل عنه ثانية في ولادة جديدة. ففي نص أدبي فلسفي، يكسوه الجمال ويتجلل بالنور، يفيض النبي على أهل المدينة بفيض من المعاني الإنسانية، والقيم الأخلاقية، وبما يوطد علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وعمّا بين الحياة والموت من ازدواجية تظهر في ثنائيات الفرح والحزن، الصحة والمرض، الخير والشر، الإيمان والكفر .. وخلاصة من حكمة وتأمل ووعظ وإرشاد وسعي وعمل ورحمة ومحبة!.
وكما لا يخفى، فإن كتاب (النبي) الذي وضعه جبران باللغة الإنجليزية عام 1923 بعنوان (The Prophet – By: Gibran Kahlil Gibran) والذي تمت ترجمته إلى أكثر من مائة وعشرة لغة عالمية، ولا يزال يُطبع بعد رحيله بنحو سبعين عاماً، يُعد أيقونة إبداع جبران العالمية، يسمو فيها الحب على كل القيم ليشكّل جوهر الحياة بأسرها، من خلال الرسالة الصوفية التي حملها النبي لروح الإنسانية التي ولا بد عائدة إلى بارئها في شوق وإيمان خالص. وفي هذه الرسالة التي تناغمت لغة وبنية وصورة وفكرة، يبث جبران عصارة خبرته في الحياة، وتأملاته وخواطره وأفكاره، تظهر تباعاً في كتابه على لسان نبيه كالآتي: الحب، الزواج، الأولاد، العطاء، المأكل والمشرب، العمل، الحزن والفرح، البيوت، الثياب، البيع والشراء، الجريمة والعقاب، القانون، الحرية، العقل والهوى، الألم، النفس، التعليم، الصداقة، الكلام، الزمان، الخير والشر، الصلاة، اللذة، الجمال، الدين، الموت. لقد كان جبران، أديب المهجر اللبناني، يتبادل الرسائل العاطفية مع الأديبة اللبنانية مي زيادة، إلى نحو عشرين عاماً انقطعت لوفاته لكن دون أن يلتقيا أبداً، وفي إحدى رسائلهما المتبادلة خلال عام 1918، بثّها خواطره عن هذا الكتاب الذي فكّر بكتابته منذ ألف عام -على حد تعبيره- حتى عكّف عليه لمدة تقرب من الخمس سنوات في كتابته بدءاً من عام 1919، ليخرج في حلّة روحانية تدعو إلى التفاؤل والأمل وإشراقة الذات والنهل من أعمق روافد الحياة.
إنه (جبران خليل جبران 1883 : 1931)، أديب وشاعر وفيلسوف وفنان تشكيلي، وُلد في لبنان لأبوين فقيرين اضطرا في مواجهة شظف العيش للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تلقى تعليمه الرسمي هناك، وخط أول خطوة نحو مسيرته الأدبية في الثقافتين العربية والإنجليزية، ليتوّج كأبرز أدباء المهجر، وأحد روّاد عصر النهضة للأدب العربي الحديث، وقد عُرف كذلك بالشاعر ذو الكتب الأكثر مبيعاً بعد فيلسوف الصين لاوتزي والأديب الإنجليزي شكسبير. يتوفى في مرضه عن ثمان وأربعين عاماً في مدينة نيويورك الأمريكية، وينقل جثمانه ليُدفن في مسقط رأسه حسب وصيته، فيما يُعرف الآن بـ (متحف جبران).
ومن الكتاب الذي تحوّل إلى فيلم سينمائي عام 2014، وحصد رصيد أنجمي الخماسي كاملاً وبجدارة، أقتطف من شذرات ما علق في روحي من حكمته بعد القراءة، في الأسطر التالية، وباقتباس في نص من نور (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
إنها لموعظة جليلة، ترسم الحياة بفرشاة شاعرية لفيلسوف تشرّب النور، تنتهي بالموت الذي لم يكن يمثّل لديه سوى ولادة لحياة جديدة، وقد أوصى في خواتيم موعظته: “إذا كنتم حقاً تريدون أن تبصروا روح الموت، فافتحوا أبواب قلوبكم على مصاريعها لجسد الحياة”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (50) في قائمة ضمت (57) كتاب قرأتهم عام 2021 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها وثلاثة كتب أعدت قراءتهم من جديد، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان أكثر بكثير، لكن لم تسمح ظروف الحياة لمجابهته! وهو عاشر كتاب اقرؤه في شهر ديسمبر من بين سبعة عشرة كتاب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في ديسمبر من عام 2020، ضمن (85) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.
ومن فعاليات الشهر: لقد جاء حماس القراءة في هذا الشهر مضاعفاً، وذلك للإجازة الطويلة التي بدأتها في خواتيمه، وللترقّب في حضور معرض للكتاب الذي سيُعقد الشهر القادم من العام الجديد بإحدى المدن العربية.
تسلسل الكتاب على المدونة: 326
تاريخ النشر: أغسطس 6, 2022
عدد القراءات:683 قراءة
التعليقات