مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
كتاب تم نشره في ثمانينيات القرن الماضي والذي اعتبره القرّاء آنذاك أقرب ما يكون إلى الكتب السياسية ذات الطابع الفضائحي الممنوعة بالضرورة، لا سيما أن المعلومة في تلك الفترة كانت شحيحة، والمصداقية مشكوك فيها، والرقابة الصحفية تمحو وتقصّ بمشرط رئاسي، (وجهينة) مقيد بطبيعة الحال طالما أنه يملك الخبر اليقين.
يوضّح المؤلف في مقدمة كتابه أن الدعارة السياسية هي أشد انحطاطاً من دعارة الجسد، إذ يضاجع الداعر السياسي الصحفي المرتزق سفاحاً، ليوّلد عنه أفكاراً يتم بثّها على العوام بممارسة حاذقة تهدف إلى برمجة العقول والأمزجة والتوجهات على نحو يخدم الأجندات السياسية القائمة على مصالح أباطرتها أولاً وأخيراً.
ولأن عنوان الكتاب ينطوي على شيء من التمويه إذ يحمل المعنيين معاً: (دعارة السياسة بالفكر، ودعارة السياسة بالجسد)، فإن المؤلف يؤكد وبإصرار -وهو لا يزال في المقدمة- على أن الكتاب معنيّ بالقوادة حَرفياً وحِرفياً .. قولاً ومعنى، حيث إن الكتاب لا يتحدث عن باعة الأفكار المؤدلجة إلى عامة الشعب مقابل التربح المادي من رشاوى السياسيين، بل يستهدف فعلياً بائعات الهوى المحترفات مقابل خدمة المصالح الاستخباراتية وأغراض التجسس.
ومع رواج (بزنس) القوادة السياسية، اختفى ذلك النمط التقليدي للقوّاد المخمور صاحب الدار المتهالكة في ذاك الزقاق الوضيع، والذي يعجّ بعدد من العاهرات أغلبهن مغدورات يمارسن البغاء على مضض وتحت التهديد مع ما يصطاده القوّاد من زبائن ذوي حاجات ملّحة، وهو الذي يبقى متيقظاً حتى نهاية تقديم الخدمة، لتحصيل الأجرة قبل هروبهم وقد قضوا وطرهم كاملاً. فهذا القوّاد الكلاسيكي قد ورثه أخاه الذي يظهر اليوم ممشوق القوام مهندماً على طراز رجال الأعمال، يقبع خلف مكتب فاخر في أحد أبراج المال والمشاريع، يوّفر المواد الخام، ويوفق الرؤوس بالحرام، ويدير تجارة الرقيق بتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين.
يترجم الكتاب مفهوم الدعارة السياسية من خلال نماذج حيّة استعرضها المؤلف في خمسة عشر باب، بين فضائح عالمية منتنة، وأخرى عربية أشد نتانة، يحظى بها الكتاب ككل بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، والذي أسرد في الأسطر القادمة بعض ما علق في ذهني منه بعد القراءة، وباقتباس في نص ساخن (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
يؤخذ على الكتاب الرتابة في فصوله الأخيرة، إذ حوى نماذج لحالات عادية لا ترقى إلى مستوى الفضائح التي هي لبّ الكتاب. يؤخذ عليه أيضاً الإطالة في قضية وزير الإعلام المصري الأسبق (ممدوح الليثي)، والذي “ارتضى أن يعمل قواداً” حسب تعبير المؤلف، من خلال استغلال منصبه في رشاوى مالية وفي حالات سُجلت ضده عن تحرشات جنسية فاضحة. قد تكون القضية قد أثارت ضجة كبرى في مصر وشغلت الرأي العام حينها، حيث تم البتّ فيها عام 1997 عن طريق المحكمة التأديبية العليا، فجاء المؤلف بتفاصيلها إرضاءً لفضول القراء المتابعين للقضية آنذاك.
ختاماً، وعلى الرغم من أن المعلومات الواردة في هذا الكتاب قد تكون قديمة نسبياً، إلا أن شبكة المعلومات تُثريها بمعلومات أكثر تفصيلاً وأقوى مصداقية، من خلال ما تبثّه من مراجع وصوّر ووثائقيات .. ولو استمر تجديد الكتاب بطبعات حديثة، لاتسع بأمثلة أكثر سخونة عن فضائح النصف الثاني للقرن الماضي الممتدة حتماً حتى الوقت الحاضر .. الحاضر الذي لم يعد يحمل قاموسه مفردات مبهمة مثل أسرار أو شبهات أو ممنوعات …، فهو حاضر زمن العولمة، وتمدد الشبكة العنكبوتية، وسلاطة أخبار مواقع التواصل الاجتماعي.
تم نشر المراجعة على صحيفة المشرق العراقية في 18 يناير 2022 – صفحة (10)
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (35) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهو ثالث كتاب اقرأه في شهر اكتوبر من بين خمسة كتب .. أما عن اقتنائه، فقد وجدته ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات .. والآن، استحضر الماضي القريب عندما كنت أعاين الكتاب يصطف فوق الرفوف حتى التقطته يداي حينها.
ومن ناحية الإفادة، فأنا دائماً ما أتطلع إلى اقتناء كتب جديدة يأتي ذكرها من خلال أي كتاب أقرؤه، واعتبر هذا من ميزات الكتاب الجيد .. ومن هذا الكتاب حظيت باثنين: كتاب/ التحليل النفسي للأنبياء، للمؤلف – وكتاب/ تجارة الجنس، لمؤلفه: جارى جوردون.
تسلسل الكتاب على المدونة: 110
تاريخ النشر: مارس 8, 2022
عدد القراءات:1105 قراءة
التعليقات