الكتاب
القفزة: علم نفس الاستيقاظ الروحي
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
The Leap: The Psychology of Spiritual Awakening - By: Steve Taylo
المترجم/المحقق
د. محمد ياسر حسكي
دار النشر
دار الخيال للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2018
عدد الصفحات
430
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/19/2021
التصنيف
الموضوع
يقظة أكثر اتساعاً للروح على الكون الفسيح
درجة التقييم

القفزة: علم نفس الاستيقاظ الروحي

كتاب يدعو للعودة إلى الطبيعة، لذا فهو يتحدث ببساطة عن اليقظة! لا يعني المؤلف بها الاستيقاظ الجسدي من النوم، بل الاستيقاظ الواعي من الغفلة .. العقلية أو الفكرية أو الروحية، والوعي بأن الوعي الحالي محدود، وغير حقيقي بالضرورة، وزائف في كثير من الأحيان!.

تأتي هذه الغفلة كوليدة الأنا الزائفة .. الأنا الهشّة .. الأنا التي تبحث عن الانتماء لتكون .. سواء كان انتماءً عرقياً أو دينياً أو طائفياً أو سياسياً أو فكرياً، وكأن هذا الانتماء الشكلي يعمل كدعم للأنا وهي تشعر بالتهديد مما حولها، فتلوذ في طلب الحماية والأمان، غير أن هذا الانتماء لا يعمل سوى على فصل الأنا عن موطنها الأصلي .. عن الطبيعة، والتي لكي يتم إدراكها لا بد من الذوبان فيها، كما الموجة التي تسري في المحيط .. عندها! تتفتح البصيرة ويصبح الانتماء كونياً، ويتمكن المستيقظ من التحدث مع الطبيعة المتمثلة لحظتها في شجرة أو طائر أو مما حوله من جمادات يحسبها الآخرون هكذا .. أن يرى نفسه والطبيعة من حوله تنبض كروح واحدة .. تتلاشى الفوارق ولا يوجد أي اكتراث للموت بعدها .. فإنما الحياة تدفق لا نهائي!.. قد يولد المرء وهو يقظ، وقد يتدرج في الاستيقاظ إرادياً وهو ينخرط في المدارس الروحانية وممارساتها، وقد يستيقظ لا إرادياً إثر صدمة عاطفية أو صحية أو عائلية أو مادية أو مهنية .. تهزّ حياته، فيُخلق من جديد!

تتولد كل هذه المعاني وأكثر في فصول الكتاب الستة عشر، والتي يحصد بها رصيد أنجمي الخماسي كاملاً، وقد جاء في ترجمة متقنة جداً حين عني بنقله من لغته الأصلية (The Leap: The Psychology of Spiritual Awakening – By: Steve Taylor) المترجم والكاتب السوري د. محمد ياسر حسكي، والذي تذكر شبكة المعلومات عنه إضافة إلى حصوله على درجة الدكتوراه في الهندسة، تخرجه في كلية الطاقة من جامعة إركوتسك التقنية، وعضويته ضمن الأكاديمية الدولية في الهند والأكاديمية الروسية الخاصتين بما يُعرف بعلم السوجوك (SUJOK). وبينما يؤسس د. حسكي (مدرسة الريكي: طاقة النور) ينشر فيها من طاقة الحياة على من طلب التنوّر في عقله وقلبه وجسده وروحه، يعرّف نفسه كإنسان ناشر للوعي والجمال. لا تنمّ هذه الحرفية في ترجمة مادة الكتاب قولاً ومعنى، سوى عن مهنية عالية في الترجمة وتمكّن تام في موضوعه. وللمترجم إسهامات عديدة في ترجمة الكثير من الإصدارات العالمية، أذكر منها: أنا والرومي / عين الأنا / معنى السعادة / حديث السكون / الدماغ الخارق / اشف جسدك / الذات الشافية / الموروثات الخارقة / بيولوجيا الاعتقاد / قوة الدماغ / روح القيادة / الباب الثالث / عملية الحضور / آمن واستقبل / كتاب البهجة / ميتا إنسان / رغبات محققة / المركب الفارغ / الطريق إلى الحب / لا تستطيع إفساد يومي / الطاقة المدهشة للمشاعر / السعادة هي السبيل / الاتحاد مع الحياة / أنت ما تفكّر فيه / أموت كي أكون أنا / أستطيع أن أرى بوضوح الآن / الذات المرتبطة مع الذهن والجسد / ماذا لو كانت هذه هي الجنة / من الجنس إلى أعلى مراحل الوعي.

… والفصول هي:

  1. الفصل الأول: الاستغراق في النوم، الشوق للاستيقاظ
  2. الفصل الثاني: اليقظة التامة في الثقافات المختلفة
  3. الفصل الثالث: اليقظة التامة الطبيعية: فنانو اليقظة التامة
  4. الفصل الرابع: اليقظة التامة الطبيعية: الارتباك والاندماج
  5. الفصل الخامس: اليقظة التامة التدريجية في التعاليم الروحية
  6. الفصل السادس: الاستيقاظ التدريجي خارج نطاق المعتقدات
  7. الفصل السابع: الاستيقاظ المفاجئ: التجول من خلال الاضطرابات
  8. الفصل الثامن: الاستيقاظ المفاجئ: «الكونداليني» والاستيقاظ الحيوي
  9. الفصل التاسع: أنواع أخرى من الاستيقاظ: هل من الممكن الاستيقاظ باستخدام العقاقير المخدرة أو الوسائل التقنية؟
  10. الفصل العاشر: ما بعد الاستيقاظ: الأزمة الروحية
  11. الفصل الحادي عشر: بعد العاصفة: السمات الراسخة والمعلمين المشكوك في أمرهم
  12. الفصل الثاني عشر: ما الذي يعنيه أن تكون واعيا: عالم جديد وذات جديدة
  13. الفصل الثالث عشر: ماذا يعني أن تكون مستيقظاً: تفكير جديد وحياة جديدة
  14. الفصل الرابع عشر: اليقظة التامة الطبيعية عند الأطفال
  15. الفصل الخامس عشر: تجريد الوعي من اعتباره أسطورة
  16. الفصل السادس عشر: القفزة التطورية: استيقاظ جماعي

ومنها، أدون مقتطفات مما علق في روحي بعد القراءة، وباقتباس في نص مشرق (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • يتحدث د. تايلور في الفصل الثاني -وهو محاضر مرموق في علم النفس وله العديد من الإصدارات في مجال النفس والروحانية والتأمل والشعر- عن (اليقظة التامة في الصوفية)، حيث يوضح أن الهدف من الصوفية هو “الإتحاد مع الإله” كحالة روحانية دائمة لا كتجربة مؤقتة، “وهو المذهب الصوفي في الإسلام”. ثم يؤكد على أن كلمة “الفناء” التي يتم التعريف بها عادة على أنها “الوفاة”، هي في الحقيقة “المصطلح الصوفي لتجربة الاستيقاظ المؤقتة التي تتلاشى فيها هوية الشخص وتذوب في اتحاد مع العالم، ولا يبقى شيئاً إلا النور الإلهي والوحدانية”. و (الفناء) بهذا التعريف يتقاطع مع مفهوم (السامادهي) في الهندوسية التي هي حالة دائمة ومستقرة فيه، كما هي حالة البقاء عند الصوفية أو “الدوام في الله”، والتي هي حالة أكثر استمراراً واستقراراً من حالة الفناء، حيث أن الفرد في هذه الحالة لا ينقطع عن الوجود، لكن ينصهر كيانه مع كيان الإله .. الحالة التي تمنح ذاته شعوراً دائماً بأنها تحوي كلاهما “العالم وكينونته الخاصة”. في هذه الحالة من البقاء الدائم، لا يعود الصوفي يملك إرادة خاصة به، بل “يعيش في ومن خلال الإله في حالة من الوجد .. لا يعود لدى الشخص شعور بالحاجة إلى التخطيط لحياته الخاصة أو جعل الأمور تحدث”، ثم، وكما يحدث في البوذية “تتكشف الحياة على نحو طبيعي وتلقائي بفضل القوة الإلهية”. وبينما يعني الاستيقاظ بشكل فعّال في (الثيرافادا البوذية) “التخلي عن العالم .. لتتحرر من الكارما حتى لا تعود مضطراً لأن تولد مرة أخرى”، فإن التصوف الإسلامي يقوم “بتكريس الإيثار واليقظة التامة الجماعية، وكذلك الأمر في التعاليم الصوفية اليهودية”. إذاً، ففي التصوف الإسلامي كما في الكابالا اليهودية، تصبح مسئولية الاستفاقة جماعية “فإن الشخص المستفيق يتحمل مسؤولية تقاسم حالة اليقظة التامة مع الآخرين، ليُظهر ذلك في عالم الزمان والمكان .. حيث أن مع استفاقته تُساهم في صحوة الجنس البشري بكامله”.
  • أما في الفصل الخامس، وهو يتحدث عن (التأمل)، يؤكد د. تايلور على أن التأمل يركّز على جانب مهم ضمن جوانبه المهمة الأخرى، وهو “عملية عدم الكشف عن أفكارنا”، غير أن جميع ممارسات التأمل إنما تساهم في “إحداث نوع من التحول في الهوية، حيث تُدرك أن هويتنا الحقيقية ليست الأنا الزائفة التي تفكر نيابة عنا، ولكنه الجزء الأعمق الأكثر أصالة فينا، الذي يراقب تفكير تلك الأنا الزائفة”. غير أن هذا التحول في الهوية لا يقف عند حدود الذات، بل يتسع ليشمل العالم من حولها، إذ “بينما يحدث هذا التحول في الهوية، نشعر نحن أيضاً بشعور متزايد من الترابط مع العالم حولنا، والبشر الآخرين، وغيرهم من الكائنات على نحو عام .. كلما تأملنا أكثر، يصبح جانب الأنا في النظام النفسي أضعف”.
  • يختم د. تايلور كتابه الساطع بحكمة من نور الشمس بأبيات شعرية تحت عنوان (ستبزغ شمس الجنس البشري مجدداً) يرى فيه الإنسان والفوضى تتلاشى تدريجياً من حوله، إذ أنها ليست حتمية .. والشر إنما ينسلّ منه بيسر، فذلك لأنه ليس من صميم فطرته .. واضطراباته تلك ليست سوى تشوهات محدثة وأعراض أمراض ستُشفى .. وروحه التي يُفسدها الوجع من أجل الكفاح للبقاء أو لإثبات الذات، فسيزول، إذ إنما ولد هو للبهجة، وسيعود له الفرح قريباً كما يعود الربيع أخضراً باسماً مشرقاً بعد شتاء قاسٍ متجمد .. ويستمر ليقول:

“سيبزغ الجنس البشري مرة أخرى ..
كما يتفتح الذهن الذكوري الصارم البارد
إلى الروح الدافئة الناعمة لأنثى
عندما تبدأ أنفسنا الصلبة المتجمدة في الذوبان
والاندماج مع الطبيعة مرة أخرى
وكما تفسح الأنانية المجال للتعاطف
والتسلسل الهرمي للمساواة
وكما يسمو الدافع للاتصال فوق الرغبة في السيطرة
سيبزغ الجنس البشري من جديد”

ومما راق لي على المستوى لا أقول الشخصي، بل الروحي .. ما يلي من لآلئ:

  • لا يحتاج الفرد الواعي وهو في حالة اليقظة التامة إلى الانتماء ضمن مجموعة ما لإثبات هويته، إلا بمقدار ضئيل قد يكون معدوماً في بعض الأحيان، إذ ما التمييز الجندري أو العرقي أو الديني سوى خواء من أي معنى .. “وهم يرون أنفسهم كائنات بشرية فقط دون أي هويات خارجية، ولا يختلفون عن أي شخص آخر”.
  • يتمتّع الفرد الواعي بدرجة عالية من اليقظة بشكل طبيعي ما يجعل عالمه الخفي يتفتّق عن كامل الكون المرئي .. فيغمره النور والطموح والدهشة في لحظة واحدة. يصف أحد أدباء القرن التاسع عشر مثل هذه الحالة النورانية التي عايشها أثناء الكتابة بقول لا بد وأنه قد تنّزل كإلهام فخطّه بقلمه، فيقول: “أثناء كتابة هذه الكلمات، أشعر أن الهواء كلّه، أشعة الشمس التي تُضيء الأرض المحروثة هناك في الخارج، السماء البعيدة، الأثير المحيط، وذلك الفضاء البعيد، مليئة بأسرار الروح، بحياة الروح، بأشياء خارج تجربة كل الأزمنة. حقيقة وجودي وأنا أكتب، وأنا موجود في هذه اللحظة، هي أمر رائع جداً، شيء يُشبه المعجزة كثيراً، أن استنتج دون تردد أنني دائماً على هامش حياة غير مألوفة، وأن هناك أوضاعاً أعلى من الوجود”.
  • كما الجسد في الاستيقاظ من النوم، تتدرج الروح في الاستيقاظ بفعل الممارسات الروحية وجلسات التأمل وتمارين ضبط النفس .. التدرّج الذي يتولد عنه قيم جديدة في تقدير الهدوء الذي يقدّم فرص مختلفة للمطالعة والسرور والتبصّر والتفكّر بعمق. يقول أحدهم ممن خبر حكمة الصمت: “إن الصمت جميل جداً .. في الصمت كل شيء يلقى رعاية”.

ولأنني أرتجي عادة من كل كتاب أقرؤه، كتب أخرى سيُفتح لها المجال لاقتنائها، جاء هذا الكتاب على قدر ذاك الرجاء، .. حيث أسعى للحصول على عدد جيد من الكتب جاءت عرضاً في مادة الكتاب، منها: كتاب/ الحكمة من تجارب الاقتراب من الموت، لمؤلفه: د. بيني سارتوري – كتاب/ الوعي الكوني: دراسة في تطور التفكير البشري، لمؤلفه: ريتشارد بوكيه – كتاب/ الغريب، لمؤلفه: كولن ويلسون – كتاب/ التصوف، لمؤلفه: ف. سي. هابولد – كتاب/ اختبار قوة الآن، لمؤلفه: إكهارت تول – كتاب/ مركز السكون، لمؤلفه: ستيف تايلور – كتاب/ الأوبانيشاد (فلسفة هندية).

يتفاءل المؤلف وهو يختم كتابه باقتراب البشرية من الاستيقاظ الجماعي، والتي قد توفّر لها كل الأسباب الداعمة في تأكيد عملية التطور الآخذة بالصعود نحو مستويات خلّاقة وفاعلة من الوعي الكوني، والتي هي بطبيعة الحال لا تقف عند نقطة ما لتعبّر عن نهاية العملية التطورية، إنما هذه العملية في الوقت الحالي “تعبّر عن نفسها على نحو كامل لضمان أن نرتقي نحو الأعلى قليلاً حتى تتمكن القفزة من إتمام نفسها”.

وختاماً أقول:
إنه كتاب يعكس مأثور الحكمة كما ينقلها تراث الأدب العربي: (وَتَحْسًبُ أَنَّكَ جِرْمٌ صَغِيرٌ .. وَفيك انطَوَى العالمُ الأكبرُ)
وإن أمكنني القول: إنه كتاب يُشبهني ..
وهو كتاب بحق يستحق القراءة وإعادة القراءة!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (23) في قائمة ضمت (57) كتاب قرأتهم عام 2021 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها وثلاثة كتب أعدت قراءتهم من جديد، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان أكثر بكثير، لكن لم تسمح ظروف الحياة لمجابهته! وهو سادس كتاب اقرؤه في شهر أكتوبر من بين تسعة كتب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في شهر يوليو من عام 2020، ضمن (50) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

من فعاليات الشهر: لا شيء مميز، غير أن حماس القراءة أخذ يعلو شيئاً فشيئاً مع تسارع العد التنازلي نحو نهاية العام، وكتعويض عمّا فرطت من كتب أعددت لقراءتها فيما مضى من الشهور!.

تسلسل الكتاب على المدونة: 301

 

تاريخ النشر: يوليو 13, 2022

عدد القراءات:564 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *