كتاب يقرّ بالفروقات الفردية المتأصلة بين الجنسين في العموم، بما لا يعتبرها عيوباً بل طبيعة وفطرة وإدراك، داعياً كل جنس إلى محاولة تفهّم طبيعة شريكه المغايرة له شكلاً ومضموناً والتعايش معها، ونفي أي شبهة سوء فهم، وهو واقع لا محالة نتيجة لتلك الفروق المتباينة!.
فعلى طريقة الخيال العلمي في نسختها في أفلام بوليوود، يتصور المؤلف -المحاضر بجلاله في العلاقات الزوجية والأسرية- حياة الرجل الأولية على سطح كوكب المريخ، بما هو عليه وأقرانه من صلابة وحب للذات وللعمل والإنجاز، في حين تعيش المرأة حياتها الفطرية على كوكب الزهرة وتشارك قريناتها شغف الموسيقى وعشق الجمال والتآلف. وفي يوم ما اصطاد مرقاب أحد سكان المريخ إحدى ساكنات كوكب الزهرة، فإذا بسحرها يأخذ منه مأخذاً يشاركه فيه جميع (المريخيين)، حينما أجمعوا على السفر فوراً إلى الزهرة من خلال صاروخ صنعوه في لمح البصر، وتكريس حياتهم لخدمتهن، الأمر الذي استقبلنه (الزهريات) بحفاوة وحب واهتمام، واللواتي اتضح أنهن قد حلمن بهم يوماً وترقبن وصولهم.
قد كان بالإمكان تقييم الكتاب إجمالاً بـ (الجيد)، إلا أن التحيز لصالح الرجل على حساب المرأة أتى واضحاً بل وبصورة استفزازية في مواضع كثيرة! فهل طغت نزعة المؤلف الذكورية على آرائه فجاءت متحيزة من حيث لا يدري؟ أم أن الشوفينية الذكورية هي في الحقيقة (جين وراثي) مسؤول عن خلق حق معلوم يتغطرس به آدم على حوائه في عنصرية فجّة وبنظرة دونية منذ الأزل؟
يبدو هذا ابتداءً من التصوير المتخيل للرجل كإيجابي مندفع نحو العمل والإنجاز، والمرأة السلبية المنعّمة في ترف الورد والأنغام وحياة الدعة .. في غيرة ذكورية مفضوحة أمام أي إنجاز نسوي ومحاولة طمسه أو تعويره، وكمنهج استخدمه المؤلف -قصداً- لتوجيه عقل القارئ مع الصفحات الأولى للكتاب!.
وعلى الرغم من اهتمامي الضحل بما يتعلق بمغامرات المرأة والرجل، فضلاً عن علاقات الغرام والميل العاطفي بينهما، فقد التقطت هذا الكتاب الذي ما برح يتقافز على الساحة بتطبيل إعلامي وتزمير بين الفينة والأخرى، وقد حمل غلافه عبارة ترويجية تدّعي أنه من الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، والذي جاء في نسخته الأصلية بـ (Men Are From Mars Women are From Venus – By: John Gray)، والذي أثبت لي -كقارئة وكمدوّنة- أن ليس كل ما يلمع ذهباً، وأن الضجيج الإعلامي شأنه شأن الفكر النازي الذي اعتمد نهج الكذب المتكرر حتى يصدّقه الناس، لا سيما من قبل (بتوع التنمية البشرية) الذين لا يعدو جلّ كلامهم مرتبة (الرغي والحشو واللت والعجن) على طريقة (بياعين الكلام)!. لا أدري، قد يكون الوعي الجمعي العالمي متصالح مع ما جاء به، وأنا -وقليل ممن معي- الاستثناء الذي شذّ عنه!.
كما ذكرت، هو كتاب يتظاهر بالموضوعية في طرح المعضلة القديمة-الحديثة على وجه البسيطة بين الذكر والأنثى، أو -بمصطلح أكثر حضارية- بين الرجل والمرأة، من ناحية الفروق الطبيعية بينهما في البنية والنفس والطبع والاهتمام والتفكير وغيرها. وبقدر ما غندر الكاتب مقالاته بفصاحة متبرّجة، بقدر ما فضحت فحوى نصائحه -التي لا تنطلي على أصحاب الفكر النقدي- تحيزاً صريحاً لصالح الرجل ضد المرأة.
يحاول الكتاب أن يصطبغ بالحيادية غير أنه ظهر -وهو في أحسن حالاته- كنسخة هزلية من نصائح (عواجيز الفرح)، ممن أكل عليهن الدهر وشرب في (استحمار) مستميت لإنسانيتهن، والعبودية العمياء لبعولتهن، وهن يحسبن بهذا أنهن يقدّسن الحياة الزوجية، فيُرحمن من قبل الإله ويُؤجرن!.
تكمن خطورة الكتاب في الغطاء العلمي الذي غلّف منهجية انتقاص المرأة، كمحاولة لإضفاء المصداقية عليه … فطباع الرجل تسوء وهي فطرة لا ينفع معها نصح، وعلى المرأة التعقّل والتقبّل! أما سطحية المرأة المتمثلة في إبداء الاهتمام للزوج والتحدّث بما يضنيها فلا يتطلّب منك أيها الرجل العاقل -بافتراض- سوى تظاهر الاستماع، وهزّ الرأس، ومدّ حروف العلة على مقام (همم أوووه آآآآآآآآآآآه ونص) قدر أحبالك الصوتية، وستكون لك شاكرة وراضية .. (وبتبوس الأيادي كمان)!.
يعرض الفهرس ثلاثة عشر موضوعاً لم يحظ بها الكتاب سوى بنجمة عقيمة -وبالكاد- من رصيد أنجمي الخماسي، وذلك لمتفرّقات لا بأس بها .. يمكن تلخيص محتواه الممطوط على طول × عرض 400 صفحة بين غثيان الحشو والتكرار الفارغ وسُقم النصيحة، بما يلي:
- الرجل أناني بطبعه، فتقبلي نرجسية سي السيد.
- الرجل قوي وعلى مشاكله أعلم وأقوى وأقدر وكل ما هو على وزن أفعل! فإبداء نُصح أو شبح مساعدة، إنما هي إهانة له لا تُغتفر! أما المرأة فتثرثر، وعن مشاكلها تولول .. فهوّن عليك! إذ هي لا تريد منك نُصح، بل أن تستمع لثرثرتها الفارغة هو أقصى همها.
- الرجل يحتاج أن يتقوقع في كهفه بين حين وحين .. فلا تعكّري خلوته، بل دعيه حتى يستوفي جلسة الاعتكاف الصوفي، وسيعود .. وحذار أن تعاتبيه حين يعود، بل استقبليه بفرح متلألأ وكأن شيئاً لم يكن!.
- الرجل في صومعته وأنت بحاجة إلى مشاركة أمر .. شعور .. مشكلة .. مرض .. موضوع … الخ! معليش معليش لا حل معه! شاركي صديقتك .. جارتك .. كلبك .. بواب عمارتك .. المكوجي بتاعك … سيعود سيعود، قلنا لك سيعود وإن طال الزمن أو تفلطح!.
- الرجل مفعم حسّاً وعاطفة (يكاد يوصمه المؤلف بناقص عقل ودين)، فتظاهري دوماً بقبول نصائحه مهما كانت خرقاء (على طريقة سوئي الهبل)، واستمري في كيل المدح والثناء حتى ترضي غروره الطاووسي.
- الرجل إن أغدقت عليه بحبك وحنانك الدافق بغير حساب، فلا تلومين إلا نفسك إن عنطز! أما سمعت بالمثل العربي الذي يقول: (الانسان إذا شبع فسق .. والحمار إذا شبع رفس)؟ بل وعليك أنت الاعتذار له إن تغطرس عليك ففسق ورفس، فما كان ذلك سوى تبعات طيشة حبك له.
- الرجل يشكو بهدف طلب النصح، والمرأة تشكو بهدف الـ (بلا بلا بلا)!!!.. فعلى قدر عقلها خذ، وبرأسك هز .. على طريقة (مجنون يحكي وعاقل يسمع).
وسط زخم الغثاء من القول، جاء المؤلف -كما ذكرت- بمتفرقات من حكم هنا وهناك لا بأس بها، منها: “عندما ننصت لمشاعرنا بشفقة تُشفى مشاعرنا السلبية بطريقة إعجازية إلى حد كبير، ونكون قادرين على الاستجابة للأحداث بطريقة ملؤها الحب والاحترام، وتفهّم مشاعرنا الطفلية يفتح بطريقة آلية باباً لمشاعر الحب لتتخلل ما نقوله” … وكأنها كفّارة لما قال آنفاً.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، يستفحل غرور الرجل ليتجاوز حدود ما لا يعنيه وما لا يفهم فيه، فتراه يتشدّق في إسهاب تفصيلي حول دورة المرأة الشهرية بأكثر ما تحدّث المرأة نفسها، على طريقة هوس فقهاء وأد المرأة بفرج المرأة وشعابه .. ذلك الوصف والإسهاب والحماس الذي يكاد يظن معه القارئ أن هذا الرجل المتحمس هو ذاته يحيض، وإذا (شد حيله) قد يبيض!.
فعلاً .. تعددت الألوان شرقاً وغرباً والمخ الذكوري واحد!
ذلك من أقرف ما قرأت .. فعذراً لأصحاب العقول والقلوب .. نساءً ورجالاً.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (41) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهو رابع كتاب اقرأه في شهر نوفمبر من بين سبعة كتب. أما عن اقتنائه، فقد كان ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة، فلم أشترِه ولم أكن لأشتريه على أغلب الأحوال.
تسلسل الكتاب على المدونة: 22
التعليقات