كتاب قصير يتناول بالنقد عدد من الأفلام العالمية التي تم عرضها على شاشة سينما هوليوود الأمريكية في فترة ما، والتي خصّ الكاتب منها ثلاثة قضايا درامية: الحب، السياسة، ما تزاوج منهما! فيعرض باختصار قصة كل فيلم على حدة، ثم يتطرق للحديث عن مدى تأثيره الإعلامي واحترافية ممثليه وما إلى غيره من الجوانب الأخلاقية والقيمية والإنسانية التي عالجها، إضافة إلى الأمور الفنية الأخرى كالمؤثرات الصوتية ودرجة الإضاءة وزوايا التصوير وإخراج الفيلم ككل.
يسترعي انتباه المؤلف المختص في نقد السينما الأمريكية تركيز صنّاعها الشديد على العامل السيكولوجي المتعلق بالتجارب العاطفية، وعلى قوة جهاز الأمن الأمريكي التي تحرص هوليوود على ترسيخها كقوة لا تُقهر، إضافة إلى ملاحظته لذلك التداخل الفني بين عنصري الحب والسياسة، ما جعله يؤطر “لبعض السمات الجوهرية في البناء الفكري والفني للسينما الأمريكية” من خلال جولة في عالمها، والتي ضمّنها في كتابه.
ولأن ليس لي لا في الحب ولا في السياسة ولا في السينما ناقة ولا بعير، فقد مررت على محتوى الكتاب مرور الكرام، والذي بالكاد استقطع نجمة واحدة من رصيد انجمي الخماسي. وفيه:
- الحب:
- «التحليل النهائي»: المرأة اللغز في دوامة المفارقات
- «مستر جونز»: دراما نفسية بالغة العذوبة
- «فتاة مراهقة»: وأزمة جيل شيطاني
- «الهارب»: تنويعة عاطفية على المغامرات الخارقة
- السياسة:
- «روکي4» .. رؤية ساذجة لانهيار الدب السوفييتي
- «المتسللون» .. فصل مثير من حروب المعلومات
- «الاقتحام الأخير» .. فيلم حائر بين السياسة والخيال العلمي
- «تحت الحصار» .. حرب الأزرار وحرب الأعصاب
- «کینیدي» .. المتهمون أبرياء والمجرمون هاربون
- «هوفا» أو الرجل الثائر .. بانوراما جريئة للتناقضات الأمريكية
- الحب والسياسة:
- «عودة الرجل الوطواط» .. أمريكا تصنع جناحين لجميس بوند
- «المسافر75» .. تنويعة تجارية حاذقة على مغامرات الجو
- «الفاتنة المحترفة» .. معالجة مبتورة لقضية شائكة
- «اغتيال امرأة» .. دراما البحث عن عدو جديد
- «ديف» .. فانتازيا السياسة والحنان
ومنه، أقتبس في نص ماكر (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما جاء في نقد فيلم (التحليل النهائي) وعن بطلته الماكرة التي جعل منها المؤلف”المرأة اللغز في دوامة المفارقات”. وهو فيلم يحكي خطة محكمة لجريمة قتل أدارتها امرأة فائقة الذكاء (ليندا) ادعت مرضاً نفسياً لازمها منذ صغرها على يد أب سكّير باشر اغتصابها .. في حين تظهر على الجانب الآخر أخت لها (هيذر) قتلت زوجها العنيف المتهم في عمليات غسيل الأموال، بأداة رياضية تحت ذريعة الدفاع عن النفس. يتورّط في هذا كله قضائياً المحلل النفسي (بار) المخدوع مع شقيقة مريضته التي تلقى حتفها غرقاً في صراعها الأخير معه وهما في سيارة بالبناء الساحر الذي شهد لقاءاتهما الدافئة، ومريضته تلك التي رسمت تفاصيل جريمتها بإحكام، فقتلت والدها وزوج أختها واستخدمت في ذلك النار والسم وأداة صلبة .. “وينتهي الفيلم بخروج ليندا شقيقتها بريئة من المحاكمة، فهي الضحية البريئة بحكم مرضها النفسي وكان التدبير كله من صنع الشقيقة الراحلة. على هذا النحو المثير نسج «فيل جوانو» فيلمه المحتشد بالمفاجآت الذي روعنا بقسوة التناقض الكامن في النفس البشرية، والذي يشير إلى مدى التعقيد المرضي الذي يمكن أن يحل بنفسية أنثى، بل نستطيع القول بأن «فيل» كان مقتنعاً أثناء طرحه لتلك الصدمة بأن الأنثى ذاتها مغارة سحيقة يتعذر الوصول لعمقها الحقيقي. ويأتي التباين الدرامي الحاد بين الظروف السيكولوجية والعاطفية لتلك المرأة وبين مستوى الاحكام الاجرامي الذي صاغت به مخططها ونفذته على نحو يذكرنا بالشخصيات النسائية ودوافعها الانتقامية! وعلى سبيل المثال، تراجيديا «ميديا» الشهيرة .. والمثير والجميل أننا ندرك مع عمق ادراكنا لذلك الالتواء الدرامي الحاد والمثير أن هيذر ربما أحبت بار وأن بار ظل يحبها حتى اللحظة الأخيرة، والفيلم يقول بصدد ذلك أنه حتى عواطفنا الخاصة جداً معرضة للتشكيك عند الاصطدام بمفارقات الحياة، فإن هيذر قبل كل شيء هي بالفعل ضحية لظروف بالغة القسوة. إن الفيلم يرتكز في بنيته الفكرية على نسبية المعايير الأخلاقية وفي بنيته الدرامية على التناقض المأساوي المثير بين الدوافع والاحتياجات، وقد أدى ذلك إلى قدر من الالتباس والتداخل بين الطبيعة الفكرية ذات الأصالة والطبيعة البوليسية النزاعة للإثارة، لكننا بلا شك أمام فيلم ينتمى للدراما السيكولوجية انتماء جميلاً ببنائه الفني المحكم عبر الاستخدام اللماح للأحجام القريبة من اللقطات والتضافر المعبر بين التكوينات وأداء الممثلين، بحيث تنتقل «كيم باسنجر» إلى مرحلة بارزة في تطورها الفني عبر دور مركب“.
أخيراً أقول: وقد يكون (التعقيد المرضي) و (الدوافع الانتقامية) وأصل (مغارة الأنثى السحيقة) و (عمقها الحقيقي) التي أشار إليها المؤلف، هي في حقيقتها نواتج حتمية لبطش الذكر -مع سبق الإصرار والترصد- في جسد الأنثى وعقلها وعواطفها .. وكيانها ككل!
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (35) في قائمة احتوت (70) كتاب قرأتهم في عام 2022، وهو الكتاب رقم (11) ضمن (23) كتاب قرأتهم في شهر نوفمبر .. وقد كان ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات .. وهو كتاب يعود في طبعته الأولى إلى عام 1996 ولا أتذكّر ما إذا كنت قد قرأته حينها! على كل حال، ها أنا اقرأه الآن بعد مرور أكثر من عقدين على إصداره.
من فعاليات الشهر: لا شيء سوى مصارعة الوقت لقراءة المزيد من الكتب وتعويض ما فات خلال العام .. وقد أجّلت عمل الأمس إلى اليوم كثيراً والذي أصبح فائتاً كذلك! وهو الشهر الذي خصصت معظمه في إعادة قراءة عدد من الكتب التي قرأتها سابقاً، إضافة إلى ما خفّ منها.
تسلسل الكتاب على المدونة: 366
التعليقات