كتاب من على رف (الأدب الأسباني) .. لا أعتقد أنه متقن الترجمة رغم جودة تأملاته!.
لا ينبغي لروائي رائد أن تترجم أعماله بهكذا صيغة لغوية ليست على المستوى المطلوب! وعلى الرغم من أن فلسفته أتت مركّبة نوعاً ما بحيث قد ترفع من صعوبة فهم التأملات والمقالات التي جاءت من خلالها، إلا أنني على قناعة بأن للترجمة نصيب الأسد في تلك الصعوبة، وقد كوّنت هذه القناعة بعد قراءتي الكاملة للديوان!. أقتبس على سبيل المثال بعض منها في نص رمادي متشائم كفلسفة الكاتب (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) في الأسطر التالية، وقد جاء هذا الديوان عن ترجمة مباشرة للنص الأصلي (Vendrán más años malos y nos harán más ciegos – By: Rafael Sánchez Ferlosio):
- “ما يواجه جسامة أن يمر دون أن يلحظه أحد، هو وحده الشيء الجديد حقاً، ولهذا فإن هيرودس وله بعض الخبرة في الأمر، كان يقوم بشكل يومي بتعميم قرار الذبح ليشمل الجميع، أما وسيلة التنفيذ فهي الجريدة” .. هل يقصد بأن تعميم أي منكر وتكراره يجعل منه أمر مألوف للعامة كأمر واقع لا يدعو إلى التعجب أو الاعتراض، كحال الأنظمة السياسية الديكتاتورية حين تعمد إلى سن القتل الجماعي والعلني كإجراء لوضع طبيعي؟
- “تقريباً وبعض الشيء اسمان لجثتين ترقدان في قاع الهاوية” .. ولمَ جثتان؟
- “تقويم دام، هيرودس الفجر، جزار الأيام حديثة الميلاد، إلى أن يشرق يوم أعلى نجوم الثريا” .. ما تقول ترجمة جوجل؟
- ثم ما معنى كلمات: “أكتع، امبريقي، أدرد، جزع شجرة” اللاتي وردت في التأملات؟
ولأنني حظيت باستيعاب لمتفرقات من التأملات وقد أفادتني حكمتها، والتي بفضلها استحق الكتاب نجمة واحدة من رصيد أنجمي الخماسي، أذكر منها ما يلي:
- تُعرّف الجريدة اليومية في كلمات، تشي بتجاهل الحاضر لبلوغ هدف محدد مسبقاً ضمن أجندة .. تسمى (مستقبل). فهي:
“هجمة الموت المسبق
برهان الحياة المتهالكة
عرافة المستقبل الواقع
سلسلة الأيام المستقبلية
تتراجع في طرح متتابع
بتسارع متناقص نحو الصفر
ماضية تعمي عين الحاضر
بسهمها المرمى صوب المستقبل”.
- فجأة، يصبح لدماء القتلى قدسية لا تمُسّ، تجهض أي محاولة للثأر أو الانتصار لحق “الراقدين هناك للأبد”، إذ يوصم رد الاعتبار بالغباء وفي إدانة الظلم. وعن سؤال ما إذا كان هناك ثمة إجلال للضحايا؟ يأتي الرد واقعياً بأنه: “إحقاقاً للحق، لا توجد دماء تمت المتاجرة بها، أو خيانتها، أو سحقها أكثر من دماء القتلى الذين يتم التذرع بمجدهم وبذكراهم، بنبرة تهديد لفرض صمت على القضية التي قتلوا من أجلها. وبناء عليه يكون إقرار الإفلات من العقاب لصالح من ألقوا بهم إلى الموت”.
- الذين التقوا بحد السيوف في معركة صفين لم يستسيغوا أن الإيمان بالله قيمة معرفية يمكن تناولها بمفردات البشر، بل ظنوا أنها تتجلى في إسالة الدماء على جوانبها، إذ “يبدو أن شعارهم كان (زائف ولكن مؤكد)، فالحقائق دائماً زائفة بطبيعة الحال مثلما يبرهن على ذلك أن حاشيتهم لا تتألف من علماء، بل من حراس شخصيين”.
قبل الختام، يطيب لي أن أذكر بأنني تحاورت مع مترجم الديوان الذي تواصل معي بدوره على موقع (Goodreads) العالمي، بعد أن نشرت تقييمي الذي مسّ ترجمة الديوان كما ذكرت آنفاً، وقد كان على قدر من الرقي والتفهم!. أعرض نصاً ما ذكرت في معرض حواري حين تسائل عن مدى تمكني من اللغة الأسبانية للحكم على نص مترجم عنها بالسوء: “وأنا بدوري لا أعرف ما الرابط بين إتقان لغة ما وبين الحكم على نص مترجم عنها؟ بصرف النظر عن مدى تمكني من اللغة الأسبانية، فإن دور المترجم يختلف عن دور القارئ من وجهة نظري! فبينما يكون على المترجم قراءة النص وترجمته، على القارئ أن يقرأ ويحكم على ما قرأ، فإن كان المعنى الذي استشفه من النص جاء في قالب لغوي سيء فذاك على أغلب الأحوال عائد للترجمة غير المتقنة، والعكس صحيح”.
ختاماً، يحمل رف مكتبتي الجوداء رواية (نهر الخراما) لنفس الكاتب، والتي تعتبر من أشهر أعماله في الأدب الأسباني وقد حصد بها الجوائز .. ستكون على قائمة القراءة لرحلة سفر مرتقبة!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (30) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، وهو رابع كتاب اقرأه في شهر نوفمبر من بين ستة كتب. غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة.
لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً. والمفارقة أنني أسترجع وأنا أطوي هذه المراجعة القصيرة للكتاب أجواء الدراسة الثقيلة التي أحاطت بي وأنا في مدينة لندن، حيث جاء قراري فجأة بالتسوق بين أروقة مكتباتها، استجابة لحنين ما جاء ملّحاً.
من فعاليات الشهر: لم يكن هناك أي منها، لكنني قضيت في الشهر السابق له إجازة في تركيا لمدة عشرة أيام، وعشرة أيام أخرى في إيطاليا في الشهر التالي له.
تسلسل الكتاب على المدونة: 42
فجأة يصبح لدماء القتلى قدسية لا تمس..تجهض اي محاولة للثأر أو الانتصار لحق الراقدين هناك للأبد ….
تعبيير جميل …..
نعم .. هكذا يرخص الإنسان في عالمنا!.
شكراً هالة