مراجعة صوتية .. كتاب / تاريخ القراءة
“التاريخ الحقيقي للقراءة هو في الواقع تاريخ كل قارئ مع القراءة”.
….. هكذا، ينتقل ألبرتو مانغويل -والطموح يملأ قلبه- من حكايته كقارئ، إلى القراءة كتاريخ عريق ارتبط به.
يعز عليّ كثيراً أن أطوي كتاباً قبل إنهائه لخيبة التوقعات، والأمرّ أن يكون موضوعه حول المعلم الثاني والشارح الأكبر وقاضي قضاة قرطبة (الفيلسوف الوليد ابن رشد 520-595 هـ/ 1126-1198 مـ) كما في الكتاب الذي بين أيدينا! فبالإضافة إلى إجلالي لهذا الفيلسوف -والذي يدفعني شغفي دائماً لقراءة كل ما يقع تحت يدي عن سيرته- فقد شدتني عراقة الكتاب لاقتنائه وقراءته فوراً .. من ناحية مؤلفه الفرنسي ذائع الصيت، ومن ناحية مترجمه العربي الأشهر من نار على علم.
قام بتأليف الكتاب المؤرخ الفرنسي (أرنست رينان 1823 : 1829 ) عام 1852، وهو الكتاب الذي لا يزال يُعتبر مرجعاً مهماً للمستشرقين والباحثين في الفلسفة الإسلامية -كما يُذكر- لا سيما مع شحّ المراجع العربية، الأمر الذي يُعزى إلى إشكالية تعارض فلسفة ابن رشد القائمة على العقل أمام النقل والتشريع الإسلامي، وقد لاقى ما لاقاه من الشدة كالوصم بالزندقة والإلحاد ومحاربة آرائه ومصادرة مؤلفاته، كحال غيره من فلاسفة الإسلام. وقد جاء الكتاب ليوثّق سيرة هذا الفيلسوف العظيم الذي طالما حملت له أوروبا عظيم العرفان، عمّا أسهم من ثورة علمية وفكرية في ميادينها.
غير أنه يُذكر -من جانب آخر- عن هذا المؤرخ وكمستشرق تحديداً، تعصبّه ضد العرب الذي لم يعتقد أبداً بثراء إنتاجهم الفكري، وذلك لافتقارهم إلى مَلَكة التفكير المنطقي والحس الإبداعي، حسب زعمه، فضلاً عن طبيعتهم البربرية. يظهر ذلك في استخدامه ابن رشد كنموذج لفيلسوف ربط الفلسفة بالدين تزامن مع مرحلة انهيار الحضارة الإسلامية في أوروبا، في الوقت الذي شدد فيه على أثر فلسفته في الفكر المسيحي، فضلاً عن اعتباره مجرد ناقل لفلسفة أرسطو الإغريقي كما هي، من غير أي إضافة فكرية أو إبداعية. وقد عُرف عنه أيضاً نقده للمصدر الديني حين دعا إلى التفرقة بين التاريخ والأسطورة في الكتاب المقدس، ما أثار عليه الكنيسة الكاثوليكية آنذاك. أما موقفه الفكري الضحل من فلسفة ابن رشد، فقد تصدى له عدد من المستشرقين الذين تناولوا فلسفة ابن رشد بالبحث الموضوعي، كفلسفة عقلانية تتبع المنهج السببي في الدين والطبيعة وعلوم ما وراء الطبيعة.
أما مترجم الكتاب فهو (عادل زعيتر 1895 : 1957) رحمه الله .. مفكر ومترجم وناشط سياسي فلسطيني بارز، عمل في مجال المحاماة بعد حصوله على درجة الحقوق من باريس، وقد أتقن العديد من اللغات أهمها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية، ما ساعده في ترجمة الأعمال من لغتها الأصلية. تتصدر قائمة من الإطراء في حقه مقدمة الكتاب بأقلام عدد من الأدباء، لما له من باع طويل في مجال العلم والأدب والثقافة والترجمة، حيث قال أحدهم: “ترك عادل زعيتر بموته فراغاً في المجتمع العربي والمجال العلمي والميدان الثقافي لا يسدّه أحد”.
والمفارقة تكمن في أن هذين الدافعين المذكورين في جذبي للكتاب هما (حرفياً) الدافعين في عزوفي عنه قبل إتمامه، أذكرهما بشيء من التوضيح فيما يلي:
يقسّم الفهرس الكتاب إلى جزئين رئيسيين يتفرع عنهما عدد من الفصول تتفرع بدورها إلى عدد من الموضوعات، وقد جاء عن ترجمة مباشرة للكتاب في لغته الأصلية (Averroes Et L’Averroisme – By: Ernest Renan) أعرضها كما يلي:
يُحمد للكتاب إدراج عدد من المعلومات الجيدة في سيرة الفيلسوف، مع عرض كامل مؤلفاته، والتي تثير شيئاً من الفضول نحو محاولة الحصول عليها والنهل من كنوزها. لذا، تسطع نجمة عقيمة ضمن خمس من رصيد أنجمي في خانة تقييم الكتاب.
وفي عبارات مقتضبة، أسرد ما علق في ذهني بعد القراءة من معلومات لا بأس بها، كما يلي:
وفي اقتباسات بلون أزرق فولاذي كلون غلاف الكتاب، أسرد نصاً ما يلي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
وأختم كما بدأت ..
يعزّ عليّ تدوين هذا المستوى من التقييم .. لكن لا بأس! لدي المزيد في سيرة الفيلسوف.
… ومن يدري؟ لعلي أعود لقراءة الكتاب .. كتحدٍ، أو لمنحه أو منح نفسي فرصة أخرى!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (29) في قائمة ضمت (85) كتاب قرأتهم عام 2019 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (80) كتاب فقط! وهو ثاني كتاب اقرأه في شهر يونيو ضمن أحد عشر كتاب. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2018 ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
ومن فعاليات الشهر: حضرت دورة مهنية مكثفة في مدينة لندن لمدة أسبوعين، لكنها لم تمنعني من متابعة القراءة هناك.
تسلسل الكتاب على المدونة: 2
تاريخ النشر: ديسمبر 31, 2020
عدد القراءات:1396 قراءة
التعليقات