الكتاب
إنسان مفرط في إنسانيته
المؤلف
المترجم/المحقق
كنان القرحالي
دار النشر
دار كلمات للنشر والتوزيع
الطبعة
(2) 2018
عدد الصفحات
167
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
05/31/2020
التصنيف
الموضوع
قراءة في فلسفة نيتشه مفرطة الإنسانية
درجة التقييم

إنسان مفرط في إنسانيته

ما برحت فلسفة الألماني فريدريك نيتشه تحتل المساحة الأكثر رحابة على خارطة الفكر الحديث، بما حملته من قيم وأدبيات وأخلاقيات وتصورات حول النفس البشرية في عمقها، والعالم الفسيح من حولها، وما شابها من نقد ورفض وجدل دائر حول الأديان والمذاهب والماورائيات، وغيرها من ظواهر .. على الرغم من رحيل الفيلسوف منذ ما يقرب القرن من الزمان.

تحتل آراء الفيلسوف الموجهة إلى أصحاب “العقول الحرة” في كتابه الضخم بجزئيه “إنساني مفرط في إنسانيته” مكانة لا يستهان بها بين صفوف المهتمين بعلوم الأخلاق والمنطق والفلسفة، بصرف النظر عن تفاوت الآراء حوله بين مؤيد ومعارض. عليه، يأتي هذا الكتاب القصير بين أيدينا ليجمع مقتطفات فكرية من حقل الفيلسوف المترامي في أبعاده، والذي قد يُعتبر كمدخل تعريفي ومبسط للفيلسوف وكتابه الآنف الذكر، فيعمل إما على تحفيز القارئ المطّلع لاقتناء الكتاب الأصلي، أو للاكتفاء به كملخّص من باب العلم بالشيء.

يختتم الكتاب بفهرس ممتد على خمس صفحات تتوالى فيه المواضيع تباعاً بعناوين لا تخلو من التشويق، مثل: الحلم والحضارة، الامتنان والانتقام، تفسيرات ميتافيزيقية، منشأ الكوميديا، أسمى من الحيوان، تحليل ذاتي للإنسان، الوجه المسالم للشر، الإعدام، مزايا الملاحظة النفسية، كيمياء المفاهيم والمشاعر، الخطأ التقليدي للفلاسفة، الرجعية كتقدم، براءة الإنسان، تبجيل الجنون….، بالإضافة إلى مقدمتي المؤلف والمترجم. وتماشياً مع فكرة الكتاب كتلخيص، يأتي كل موضوع في صفحة أو نصف الصفحة، لا أكثر.

ومن جميل ما رصدت عيناي في الكتاب الذي جمع ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، الآتي:

ملاحظة: ما يرد في نص أزرق يعبّر عن رأيي الشخصي ولا يمتّ لمحتوى الكتاب بصلة.

  • كالسفينة التي تجتاحها رياح تفوق حمولتها، يعصف جموح الإنسان الفكري الأكثر عمقاً بدواخله عصفاً، ليرتقي به من خلال معايير أخلاقية عليا يسمو بها عن المرتبة الحيوانية. يقول هذا في موضوع (منطق الحلم).
  • أما في موضوعه عن (الباطل)، وبمنأى عن حرمته دينياً، يرى أن الصدق كفضيلة تتسق والواقع بشكل أكثر موائمة مع شئون الحياة، إذ أن الكذبة ومن أجل تسويغها، يلجأ الكاذب لإطلاق عشرات الأكاذيب بعدها. عليه، لا غرابة في أن يعتنق الطفل الباطل تلقائياً في منزل نشأ على أخلاقيات الشر.
  • جاءت خاطرة الفيلسوف العذبة عن (الحب والعدالة) في صالح الحب، كقيمة فاعلة تتغلب على العدالة، لتنهمر بما تجود به على من يستحق وعلى من لا يستحق. يحضرني ما ورد عن الإمام الشافعي في بيت شعر يُنسب له: (وعين الرضا عن كل عيب كليلة .. ولكن عين السخط تبدي المساوئا).
  • يرى الفيلسوف بأن (الشعراء ورثة الماضي)، فهم يعودون للماضي بغية استسقاء ما يخفف منه وطأة الحاضر وجفافه، وهم بهذا يطفئون شعلة البشر في تحدي واقعهم، فيركنون للذكرى وكأنها الحل!. كم يشبه هذا حال العرب عندما تغنى أجدادهم بأطلال الماضي، فورث أحفادهم اجترار أمجاد تاريخهم، كتعويض .. وبأننا “كنا” يوماً ما .. الأعظم.
  • يعطي موضوع (النوايا الودية) ثقلاً للجرعات الحميمية الصغيرة -كما أسماها- بين ابتسامة ولطف وتعاطف، نتعاطاها في حياتنا اليومية، فتضفي على حياتنا البهجة من حيث لا ندري.
  • أصاب الفيلسوف كبد الحقيقة عندما تحدث عن (ضرورة الكتّاب الرديئين)، فطالما كان هناك “فئة عمرية غير ناضجة” سيظهر كتّاب غير ناضجون .. إذ عليهم يقتاتون! وعلى الرغم من تفاؤله بتعادل أعداد الكتاب الناضجين بغير الناضجين في أحسن الأحوال، ترجح كفة الأخيرين، وذلك لاعتبار معدل عمر الإنسان القصير نسبياً في الحياة.
  • في واقعية، يثير الفيلسوف الشجن حين تحدث (بخصوص قانون الأضعف) المتعلق بالعلاقة بين “العبد والسيد” والتي ما كان لها أن تكون إلا من خلال تهديد القوي للضعيف، بتدمير ما ينوي أن يستولي عليه منه .. كورقة وحيدة يمتلكها! فيقول: “أن القانون حليف المرء بقدر حجم قوته”.
  • ينتقد الفيلسوف الميتافيزيقيا كفلسفة مختصة بعلوم ما وراء الطبيعة، في عملها كمخدّر، نحو ما يصيبه الإنسان من شرور، أو لتبرير أسبابها في أحسن الأحوال. ورغم أنه يعتقد -ساخراً- أن ذلك سيعمل على نقص عدد شعراء التراجيديا، فهو يرى “أن النظر في الشر كمنفعة” أجدى تأثيراً في الشعور كخبرة، والذي قد يأتي بفائدة لاحقاً. هكذا جاءت مقارنته في (طريقتا الصراع ضد الشر).
  • وفي سخطه على العنصرية، يرى أن (الرجل الحانق) في سلوكه، ابتداءً من نظرته الحارقة وانتهاءً بالعنف الجسدي، ما هو إلا أنقاضاً تحت صرح الحضارة، ونموذجاً لما كان عليه الإنسان الفظّ في السابق، مشيراً إلى أن المرأة هي أكثر من ساهمت في “ديمومة” هذا النموذج.

…. وهنالك الكثير من المفاهيم العميقة الواردة في مواضيع (مسار العبقرية / الأمل / العادة والأخلاق / دليل متانة النظرية / البهجة في الأخلاق / تفرد الإنسان / حيثما يودي الصدق)، والتي أشير إليها كمواضيع تستحق التمعن فيها.

على الرغم مما سبق، فإنه مما يؤخذ على الكتاب صعوبة فهم حكمته في بعض المواضع، الأمر الذي قد يعود إلى غموض الفكرة ذاتها عند الفيلسوف مما لم تُسعفه الترجمة، كما أعتقد! فعلى سبيل المثال:

  • موضوع (خرافة الحرية الاختيارية): ينطوي على غموض في فهم حرية الإرادة، ويستشهد في حججه بآراء الفيلسوف الألماني المتشائم شوبنهاور.
  • موضوع (ومع ذلك): يعود فيه إلى الموضوع السابق له وهو (مزايا الملاحظة النفسية) لينتقدها بأسلوب مبهم لا يُفهم منه المقصد، مستعيناً برأي صديقه الفيلسوف بول لوديغ.
  • موضوع (مستقبل الميتافيزيقيا): مبهم على الرغم من وضوح الموضوع السابق له مباشرة وهو (العالم الميتافيزيقي).
  • موضوع (اللغة كمعلم مفترض): يكيل اللوم للغة كأداة سطحية لا تتجاوز “منح أسماء للأشياء” بعيداً عن جوهرها.

ومن جميل المقتطفات، وكنوع من التأكيد على قيمتها الفكرية، أقتبس في نص حكيم بعض ما ورد منها (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

  • يقول نيتشه في موضوع (إمكانية التقدم) عن قيمتي النجاح والفشل: “يضفي نجاح فعل ما امتيازاً وشرفاً له حتى إن كان غير ذي قيمة، في حين يلقى الفشل بظلاله على أكثر الأفعال نبلاً وقيمة”.
  • وعن التقدير، يفضح نيتشه “الطبيعة الدنيا” السائدة عند الأغلبية، حيث: “تجد غالبية الناس في الاستخفاف والحط من قيمة الناس الذين يعرفونهم، ضرورة للحفاظ على تقديرهم الذاتي وجدارة سلوكهم”.

في عجالة -وعلى سبيل النقد الأدبي- فإن هذا الكتاب القصير الجزيل:

  • يستخدم لغة واضحة المفردات، ويبتعد عن استخدام الكلمات الغريبة.
  • يتمتع بترجمة مبسّطة باستثناء بعض الأجزاء التي لم تتضح فيها فلسفة نيتشه، ما أحيله إلى انغلاق أفكار الفلاسفة على بعضها، بطبيعة الحال.
  • يتناغم إيقاعه في سرد الأفكار حول موضوعاته المختلفة الواردة في الكتاب.
  • يثير في أسلوبه الأدبي عاطفة القارئ، ويحفز نظرته التحليلية نحو نفسه والكون.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (32) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020، تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو آخر كتاب اقرأه في شهر مايو من بين سبعة كتب. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2018 ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

وبعيداً عن هذا الملّخص، فعلى أرفف مكتبتي الجوداء تصطف كتب للفيلسوف نيتشه، أعتقد أنها ستُصبح في ازدياد قريباً .. وهي: هكذا تكلم زرادشت / ما وراء الخير والشر /  إنساني مفرط في إنسانيته: كتاب للمفكرين الأحرار (ويقع في مجلدين).

لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (مايو)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

يُختم شهر رمضان المبارك .. مع استمرار الحجر الصحي“.

تسلسل الكتاب على المدونة: 214

 

تاريخ النشر: مايو 30, 2022

عدد القراءات:458 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *