الكتاب
أنثى الكتب
المؤلف
دار النشر
دار كلمات للنشر والتوزيع
الطبعة
(10) 2017
عدد الصفحات
256
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
11/01/2018
التصنيف
الموضوع
وكل ما في الأنثى أخّاذ .. حتى شجونها
درجة التقييم

أنثى الكتب

في نصوص مهموسة أشبه بمقطوعة موسيقية .. جادت قريحة شهرزاد بما يخاطب قلب قارئتها الأشبه في مكنونه بقلبها، في لحن تتقاطع فيه المشاعر والعواطف والخواطر والأشجان والذكريات بتناغم بينها .. فتارة تعيدها إلى زمن مضى، وتارة تجنح بخيالها إلى أرض لم تطئها، وتارة تباغتها بأحلامها الموؤدة، وتارة تهوي بها إلى قعر أحزانها الدفينة، وتارة تفاجئها بقراءتها هي وهتك سرها .. وتارة توقظها على واقعها فتراها تتلفّت حولها وتلك النصوص بين يديها! لا يمنع هذا من القول بأن الكتاب يعني بالقارئ أيضاً .. فلكل حقه ونصيبه المفروض، غير أن النصوص جاءت بإحساس أنثوي خالص وبقلم يكتب بحبر وردي فوق أغلب السطور!

وعلى رغم (الكلام المباح) الذي لا تسكت عنه شهرزاد، وتعني بنشره على الملأ في إصداراتها المتعددة وفي وسائل التواصل الاجتماعي على تنوّعها، فهي أحاطت بسرّ هويتها وحفظته طي الكتمان، فلا يُعرف عنها سوى أنها كاتبة تقطن دولة الإمارات العربية المتحدة حيث انطلقت موهبتها من هناك ابتداءً من عام 2015، وحصلت على جائزة (بصمة قلم) التابعة لإحدى مؤسساتها، بل ولا يُعرف كذلك ما إذا كان اسمها حقيقياً أو مقتبساً من الشخصية العربية صاحبة الأف ليلة وليلة.

يقع الفهرس في صفحتين، ويحمل عناوين لا تخلو من جاذبية، يحظى بها الكتاب بأربع نجمات من رصيد أنجمي الخماسي. ومن أروقة تلك النصوص أسرد ما راق لي، وباقتباس في نص ليلكي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، كما يلي:

  • في (المقدمة) وبنغمة شهرزادية، تقول الكاتبة: “هنا الحب وأشياء أخرى .. فإن كنت قد قررت اقتناء هذا الكتاب فابحث عن نفسك بين صفحاته، فقد تجد نفسك في الحب أو في الأشياء الأخرى”.. فإن لم يكن للقارئ في (الحب) تجربة شخصية، فقد رآه شاخصاً في مواقف وكلمات وخواطر ولحظات صمت .. أما في (الأشياء الأخرى) فحتماً وجد نفسه وأقرانه معه كأبطال حقيقيين، يلعبون -على الورق- نفس الأدوار أو بالكاد!.
  • تتحدث شهرزاد في مقطوعة (الروائح الوفية) بلغة لا تخلو من سيكولوجيا! فما هي إلا لحظة عابرة تعبق برائحة ما تعود بمن صادفها إلى زمن بعيد كل البعد عمّا هو حاضر، وذكرى كانت مغمورة فهاجت .. مثل “رائحة آيس كريم الفيمتو” الذي يرجع بذاكرة الكاتبة إلى طفولتها .. بين رفيقات المدرسة والمشوار اليومي نحو “بيت الجارة المسنّة” التي كانت تصنعه .. في نهاية اليوم الدراسي. قد يتفق الكثير مع الكاتبة بأن أكثر الروائح عبقاً هي رائحة الأرض بعد ابتلالها بالمطر، إذ تقول: “أما أكثر رائحة وفية تستيقظ بنا باستمرار فهي رائحة الرمل المبلل بالمطر! تلك الرائحة الشهية التي تعيدنا إلى حيث تعيد، فأغلبنا يعود تحت المطر إلى طفولته حتى لو لم يُظهر هذا الشيء أمام الملأ .. لكنه بينه وبين نفسه يستسلم لهذه الرائحة الوفية .. فيضع نفسه فوق بساطها السحري .. لتسافر به حيث تشاء، فتحت المطر إذ تنبعث تلك الرائحة الوفية من التراب .. نغمض نحن أعيننا ونسافر بعيداً .. إلى أمسنا .. إلى قديمنا .. إلى براءتنا الجميلة”.
  • جنباً إلى جنب، أرسم علامة استفهام حالمة عن أولئك الغرباء الذين لم تبح بسرهم شهرزاد! ذلك السر الذي يخلق عوالم خارج المكان والزمان يجعل السَكْر يعتمل في النفس حدّ الذروة .. في حالة أشبه بدوران صوفي حول قلبه وقد سكنه (الغريب) من النظرة الأولى .. كل هذه المعاني تحملها مقطوعة (الغرباء الأصدقاء) الذين عرّفتهم الكاتبة بأولئك الذين يمرون إلى جانبنا عبوراً على الطريق “فنعرفهم ولا نعرفهم”، فتتساءل عن سرّهم حين تهفو القلوب نحوهم وهم في الزحام وكأنها تناديهم بأسمائهم، أو تتقصّى تلك الأزمنة التي تقاسموها معاً فوق هذه الأرض “وكل تلك الذكريات المثيرة للحنين” .. والألفة، متى اكتسبتها تجاههم؟ والراحة التي تعتمل بها عندما شاهدتهم للمرة الأولى! تتساءل في إحدى نصوصها وهي تشارك القرّاء تلك الخواطر الغامضة التي تطرق عوالم تتناسخ فيها الأرواح: ‎”فكم مرة استشعرت هذا الشعور تجاه أحدهم؟ كم مرة اعترضك في الطريق وجه إنسان عابر مر من جانبك ‎نظر إليك بتلقائية ومضى ‎تاركاً بك الكثير من علامات التعجب والاستغراب وأمنيات مجنونة؟ ‎فبعض غرباء الطريق، ‎نتمنى أن نستوقفهم .. ‎نتمنى أن نمطرهم بالأسئلة .. نتمنى أن نعيش معهم حكاية ما .. نتمنى أن نسرد عليهم الكثير منا”.
  • أما مقطوعة (البنت المهذبة)، فلا تزال مجتمعاتنا الشرقية تحرص على أن تتغابى وتتعامى أمام واقع تحياه بناتها ليس بالضرورة طوباوي، في سبيل إثبات صدق أسطورتهن الملائكية .. في تغافل صارخ عن طبيعتهن الإنسية التي تميل وتستقيم كسائر البشر! فليست شهرزاد وحدها التي راودتها نفسها وهي في العنفوان تلميع شفتيها بالأحمر، أو تصفّح مجلة نسائية خاصة فضلاً عن استعارة قصص الحب من مكتبة أخيها، أو ارتداء قميص شفاف فوق تنورة قصيرة معطران بعطر فوّاح، أو اقتناء قطع ملابس جريئة بدل بيجامات النوم الفضفاضة ذات الأكمام الطويلة، أو الامتناع عن سحب الهاتف إلى غرفة النوم بعد الساعة التاسعة مساءً، أو الاضطرار إلى حفظ قصائد راقية في الحب عن ظهر قلب .. حرصاً وحرزاً، أو الإبحار في قصص ألف ليلة وليلة سراً، أو تجرّع مرارة الاتهام ظلماً كسجية مرغوبة .. وأكثر وأكثر، لا لشيء سوى أن تحافظ على مكانتها في أعين الجميع كـ (بنت مهذبة)! تقول مخاطبة أحدهم في غصّة: “وأنت كنت ككل الأشياء التي أحببتها، ووقفت عاجزة عن الاحتفاظ بها .. فقط كي أبقى في نظرهم تلك البنت المهذبة” … وليس أتعس من فتاة يشاء لها القدر أن تولد (شرقية)!. وكتعقيب أقول: لا تعكس هذه الرغائب بالضرورة سوء خلق الفتاة العربية أو تبجّحها بالعيب، إنما هي فطرة أنثوية مفعمة بالحياة في بكورها، يقابلها مجتمع ناكر مكبوت يفرض على تابوهاته التي جاءت نتاج عقلية ذكورية صرفة ما أنزل الله بها من سلطان (صبغة مقدسة) .. عُرفاً لا تديّناً. 
  • التألم من الأمور التافهة .. التحرّج من النصائح الجادة .. الرغبة في اختلاق المشاكل وافتعال الشجار .. رسم خطوط عشوائية ومتاهات بقلم الرصاص، وقارب يبحر في البحر بلا مرسى .. البكاء بلا سبب والضحك على الحماقات والسخرية من كل الأشياء .. العزلة والانكفاء على الذات وقطع العلاقات .. عداء كل أهل الأرض والتفنن في اختراع الشتائم .. الإمعان في التدقيق من إشارات المرور إلى أحذية العابرين .. التخلص من ممتلكات عزيزة وصمّ الأذن عن سماع كل جميل وإغماض العينين عنها .. التجرؤ على الأعراف ووصم العادات بالكفر والخرف .. الأكل والتسوق بشراهة .. تصديق كل حلم وإشارة وبشارة … كل تلك الانفعالات تترجمها مقطوعة (حالة حنين) التي أبدعت فيها الكاتبة! تقول عرضاً وهي تشرح حالات الحنين الغريبة التي تعتريها بين حين وحين: “حين يتلبّسني الحزن فجأة، وأدخل في حالة من الصمت، ويصبح البكاء الصديق الأقرب إلي .. فأنا في حالة حنين! حين ألجأ إلى العزلة وأغلق دوني ودون الأرض وأهلها وتفاصيلهم كل الطرق والأبواب .. فأنا في حالة حنين”.

إذاً، تبوح شهرزاد في كتابها للقارئة عن أسرارها التي لم تكن أبداً كلاماً مباحاً في ليلة أو ضحى من نهار! ليس ذلك ضرباً من الصدف أو فراسة مؤمن أو اختلاجات قارئة فنجان، فتقول أنثى الكتب في مقطوعة (أنثى الكتب): “بعض الكتب لم نكتبها لكننا وجدنا فيها منا ومن أحلامنا ومن مشاعرنا .. الكثير” .. بل إن ذلك يعود لصدق وشفافية وإحساس الكاتبة شهرزاد عندما روت حكايات أيامها ولياليها، ورقة التعبير التي لامست القلوب وانسابت لها الدموع، فأحيت ذكرى القارئة التي تشابهت وأيامها ولياليها .. بحلوها ومرها.

…. وعسى أن تمتد ليالي شهرزاد الساحرة، وتأخذنا من جديد إلى عوالم أخرى أكثر سحراً، لعلها في هذه المرة تحاكي الواقع أو شيئاً ما.

 

تم نشر المراجعة على:

صحيفة المشرق العراقية في 7 ديسمبر 2022 – صفحة (10)

ضفة ثالثة على العربي الجديد في 9 ديسمبر 2023

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (38) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهو أول كتاب اقرؤه في شهر نوفمبر من بين سبعة كتب .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2017 ضمن (55) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض، ومعه كتاب (على حيطان الجيران) للكاتبة الذي استمتعت بقراءته أيضاً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 114

تاريخ النشر: مارس 14, 2022

عدد القراءات:860 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *