يعرض فهرس الكتاب ذو الست صفحات قصص الأولين في جو روحاني عبق بالعبرة والحكمة والموعظة، والتي تنوعت في مجالات شتى كالدين والتاريخ والأدب وأعلام السير، وفي زمان مضى وعلى نفس البسيطة التي نمشي ومشى فوقها أولئك. غير أن نصيب الأسد جاء من حظ العلوم الإسلامية وما يأتي ضمن نطاقها في العقيدة والفقه والحديث الشريف، ومع شيء من التصوف. رغم هذا، ثمة شكوك انطوت عليها بعض القصص ما قد يمس درجة مصداقيتها، كما أنها لا تلتزم بذوق معين بل تتنوع تنوعاً عشوائياً وهي في هذا لا تتجاوز بالكاد الصفحتين، الأمر الذي قد يساعد القارئ في قراءتها متقطعة إن شاء .. إلا أنها في مجملها قصص تستحضر معنى ما قصده الكاتب عندما عنون كتابه .. رحمه الله.
وعن الكاتب، فهو محمود شيت خطاب الموصلي (1919 : 1998) .. كاتب من مدينة الموصل الواقعة في شمال العراق، التحق بالعمل السياسي كوزير، والعسكري كقائد شارك في حرب فلسطين عام 1948، وله من المؤلفات ما تتجاوز المائة وستين كتاباً في العلوم الدينية وكذلك السياسية، فضلاً عن عدد من المقالات والأبحاث المنشورة في الصحف والمجلات العربية والإسلامية.
يحظى الكتاب بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي والذي أعرض في الأسطر القادمة ما علق في ذهني من قصصه بعد قراءته، وباقتباس في نص روحاني (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- يسأل العباس بن عبدالمطلب النبي ﷺ عن مكمن الجمال فيجيبه ﷺ: “في اللسان”. وعن شيم الفضل والمروءة والحسب والدين، يجيب ﷺ رجل من مجاشع قائلاً: “إن كان لك عقل فلك فضل، وإن كان لك خُلق فلك مروءة، وإن كان لك مال فلك حسب، وإن كان لك تُقى فلك دين”.
- وعن الظلم ودعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب كما قال الصادق الأمين ﷺ، يورد الكاتب هذه الأبيات الواعظات:
“لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً .. فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ .. يدعو عليك وعين الله لم تنمِ”
- وعن الزهد في معانيه، يصعد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) المنبر وثوبه يكسوه اثنتا عشرة رقعة، ويقول فيه ابن عم رسول الله علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): “رأيت لعمر رضي الله عنه إزاراً فيه إحدى وعشرون رقعة من جلد ورقعة من ثيابنا”.
- وأنتهي بقصة (جهاد عالم) والتي جرى فيها حوار بين المندوب السامي الفرنسي في سوريا وبين الشيخ عبدالحميد الجزائري، وهي تُبرز من معاني الإيمان والثبات والعزة والشجاعة ما بات يذهب مضرب الأمثال في زماننا وحسب. حيث: “استدعى المندوب السامي الفرنسي في سورية الشيخ عبد الحميد الجزائري وقال له: إما تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار، وإلا أرسلت جنوداً لإغلاق المسجد الذي تنفث فيه هذه السموم ضدنا وإخماد أصواتكم المنكرة. فأجاب الشيخ عبد الحميد: أيها المسيو الحاكم إنك لا تستطيع ذلك! واستشاط المسيو غضباً وقال: كيف لا أستطيع؟ قال الشيخ: إذا كنتُ في عرس علمت المحتفلين، وإذا كنتُ في مأتم وعظت المعزين، وإن جلستُ في قطار علمت المسافرين، وإن دخلتُ السجن أرشدت المسجونين، وإن قتلتموني التهبت مشاعر المواطنين، وخير لك أيها المسيو ألا تتعرض للأمة في دينها ولغتها”.
وللكاتب -إضافة إلى هذا الكتاب- كتب أخرى تصطف فوق أرفف مكتبتي الغرّاء، هي: فتوح البلدان الإسلامية / قادة فتح الأندلس / تدابير القدر / أقباس روحانية / نفحات روحانية .. وكما تُقرأ من عناوينها، فهي كتب تصب جميعها في علوم الدين الإسلامي.
في الختام، لا بد وأن يشمل القارئ قبس من روحانية فيرتّل خاشعاً: “لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (1) في قائمة ضمت (85) كتاب، قرأتهم عام 2019 .. رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (80) كتاب فقط! وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2018، ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!.
التعليقات