تؤصل فكرة الكتاب (اليقين بالله)، وتؤكد على أن الاعتقاد بوجود قوى مطلقة تحكم الكون هي فطرة جُبلت عليها النفس البشرية، ولعل الآية الكريمة “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا” تغني عن طويل شرح لهذه الفكرة.
عجباً كيف دأب الإنسان منذ البدء في البحث عن خالقه .. فاخترق بمخيلته الأفق وسبر أعماق البحار، وأوجده هنا وهناك، بل صنعه بيده في بعض الأحقاب، وألزم نفسه بالتسبيح في محرابه بكرة وعشياً، يستمد منه القوة الروحية، وقد سلّم له في أقداره.
يعرض فهرس الكتاب القصير -الذي استحق نجمتين فقط من رصيد أنجمي الخماسي- ثلاث وعشرون أسطورة، أسرد على عجالة انطباعي عن بعض ما علق في ذهني منها بعد القراءة، في اقتباس بنص أغبر كغابر الأزمان (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، كما يلي:
- أثارت إعجابي أسطورة (الآلهة الغاضبة) من تاهيتي، حيث كانت (الآلهة الرجل) تعيث في الأرض الفساد، إلا أن الخير المجبول عليه (الآلهة المرأة) قد حملها إلى إصلاح ما أفسده نظيرها في البر والبحر. ولا يزال يعتقد التاهيتيون أن: “الرجل لا المرأة هو الذي تسبب في فقدان الحياة الأبدية للبشر”، ويعتقدون أيضاً بأنه لم يمض وقت طويل حتى مات هو بسبب عمله اللعين!.. وللشر أمد، لكن الخير يدوم.
- أطربتني كذلك تلك الأسطورة اليونانية التي تعتقد بأنه عندما خلق زيوس ذلك “الشيء الجديد في السماء”، تسارعت الآلهة لتقديم نفسها له، فمنحته الآلهة فينوس الجمال، والإله ميركوري الإقناع، والإله أبولو الموسيقى. وعندما انتهى زيوس، غلّفه بالبراءة وأرسله إلى الإنسان وقال: “سيعتني خلقي بجميع الرجال” .. وبهذا، اعتنت (المرأة) … ولا تزال.
- تتحدث أسطورة نيجيرية عن مهمة خلق البشر التي تناولها اثنان من الآلهة، إذ تقول: “جاء البشر الأوائل من السماء. أرسلهم أولورن ليعيشوا على الأرض وكان الإله الكبير قد صنع بعض أجزائهم من التراب وصاغ أجسادهم ورؤوسهم. تُركت مهمة بعث هذه الأشكال الهادئة إلى الحياة لأولورن مالك السماء الخالق. غار الإله الكبير من عمل أولورن وأراد أن يبعث الحياة في الأشكال التي صنعها. فكر الإله الكبير: سوف أراقب أولورن لأرى كيف يفعل ذلك. وأختبأ بين الأشكال ليراقب عمل أولورن، إلا أن أولورن العارف لكل شيء أدرك وجوده، وحين اكتشف مخبأه أنامه نوماً عميقاً. نام الإله الكبير طويلاً. حين استيقظ كان جميع البشر قد انبعثوا إلى الحياة ولم يشاهد أبداً كيف حدث الأمر. استمر الإله الكبير في صناعة أجساد البشر ورؤوسهم فقط وكان يترك عليهم علامات تظهر كم يفتقدون إلى السعادة”.
- أما العمى، فتفسّره أسطورة من غرب أفريقيا وتحديداً من شعب الكراتشي في توغو، إذ تقول: “قال أنانسي: نعم. وفتح حقيبته وأخرج الظلمة فخيّم السواد ولم يستطع أحد أن يرى حتى الإله. ثم أخرج القمر فاستطاع الجميع أن يروا قليلاً. أخيراً أخرج أنانسي الشمس، فعمي الذين نظروا إليها، أما الذين كانوا ينظرون إلى مكان آخر أصابهم العمى في عين واحدة، أما الذين رفّت أعينهم في اللحظة التي أخرج فيها أنانسي الشمس كانوا محظوظين واحتفظوا ببصرهم سليما. وهكذا جاء العمى إلى العالم”.
يثير الكتاب مشاعر الأسى المشوب بالعجب عندما ضلت الإنسانية عن عبادة الإله الواحد الأحد، واختلقت من النار والهواء والماء والتراب آلهة وبشراً، أخيار وأشرار .. تضرب بشطحات النفس البشرية أعجب الأمثلة في (أساطير الأولين).
…… كتاب كنت قد قرأته في ريعان العنفوان، وها أنا أعود له مرة أخرى الآن .. وكأن الليلة بالبارحة أشبه!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (1) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة. وعن اقتنائه، فقد كان ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة، بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات.
لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.
تسلسل الكتاب على المدونة: 35
التعليقات