BOOK0727
الكتاب
الفلسطينيون والتحرر: موقف مسيحي
المؤلف
دار النشر
دار الآداب للطباعة والنشر
الطبعة
(1) 2022
عدد الصفحات
183
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/20/2025
التصنيف
الموضوع
الصلب كفداء ودعوة للتحرر
درجة التقييم

الفلسطينيون والتحرر: موقف مسيحي

وكأن على أرض فلسطين تلتقي معاني الصلب والفداء .. ليس كمجاز ديني فقط، بل كنداء أخلاقي يطالب بتحرير إنسان مُستباح وذاكرة مُغتَصبة!

هنا كتاب إنشائي في مجمله، مع قدر من روحانية، وجملة من أخلاق الجماعة والموقف الإنساني من العدالة، مع شيء من وصايا عملية، إضافة إلى نقد مُوجّه للنخبة الثقافية. إنه ضمن الكتب التي تضع الرأي المسيحي في موقف أقرب إلى اللاهوت التحرّري الذي يجعل الإيمان فعلاً في وجه الظلم، أو قد تكتفي أحياناً بموقف روحي مجرّد كما هو الحال مع بعض لاهوتيي الغرب!

ولأن الكاتب عربي-مسيحي، فقد انتقد الرأي الذي يعتقد بانحصار المسيحية في جانب روحاني وحسب، إذ برأيه هنالك موقف فاعل ونشط للمسيحية تجاه القضية الفلسطينية التي هي قضية الإنسان كما نادى بها السيد المسيح في صورة تاريخية رمزية، حيث صلب المسيح وحكاية فلسطين يلتقيان حين يصبح الفداء صرخة تاريخية ضد الظلم على أرض قُيّدت فيها العدالة، بل إنه قد فصّل في المقاومة بين عنفية ولاعنفية، وتطرّق إلى المقاطعة وما هو واجب منها وما هو منها غير مجدي. الكتاب في عمومه يقوم على السردية، ويلعب بشكل لافت على وتر العاطفة الدينية، مع قدر من الاستشهادات الإنجيلية، ومجموعة من الوصايا العملية، كما أرفق مقالات انتقد فيها بعض أعلام النخبة الثقافية من المسيحيين العرب لمواقف وآراء بدرت منهم.

عليه، قد يكون الكتاب أقرب إلى بيان أخلاقي-ديني منه إلى عمل بحثي متين، يعتمد على الخطابة الوجدانية لإيقاظ الضمير المسيحي والعربي معاً، دون أن يغوص في لاهوت تحليلي أو بنية فكرية متكاملة. أما عن تفريقه بين المقاومة العنفية واللاعنفية، وتصنيفه للمقاطعة بين محمودة ومذمومة، فذلك يوحي بأنه يحاول أن يُسوي بين التعاليم المسيحية ومقتضيات الصراع، دون أن يتورط في التبرير السياسي المباشر، وهو موقف حساس جداً في الفكر المسيحي الحديث، لا سيما في العالم العربي.

يطرح هذا الرأي سؤالاً دقيقاً: هل استطاع الكاتب أن يُقدم لاهوتاً تحرّرياً عربياً حقيقياً؟ أم أنه اكتفى بمجاراة الصيغة الغربية لهذا اللاهوت، كما تجلّت مثلاً عند غوستافو غوتييريز في أميركا اللاتينية؟ في رأيي، وقد حاولت قراءة النص بعين مزدوجة: عين المؤمنة بالعدالة، وعين الناقدة التي لا تنخدع ببلاغة العاطفة: أعتقد أنه لم يقدّم جديداً، فقد كان حديثه أقرب إلى الإنشائية أو اللاهوتية التحررية الكلاسيكية، حيث جمع فيه قدر من التحليلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وركز على قضايا الفقراء والمهمشين وتحرر الشعب المضطهد، وشدد كثيراً على محور الظالم والمظلوم وما يلحق به من قيم العدالة والمساواة، وقد تطرق إلى حركات النضال كما في جنوب أفريقيا، وأطرى المناضل الثوري نيلسون مانديلا والمناضل السلمي المهاتما غاندي، وقد عمد بشكل متكرر إلى ربط القضية الفلسطينية بشخص السيد المسيح، وذلك فيما واجه من معاناة وهو يؤدي رسالته رافضاً للظلم، ونهايته على الصليب كضحية لجبروت الظالم وكأنموذج للفداء، وكأنه يجمع هنا بين فداء المسيح وصوت فلسطين، كصرخة ضد النسيان، ودعوة للعدل، أو وكأنه يطرح المسيح في صلبه كسؤال فلسطين المستمرّ عن الخلاص، كفداء مُجسّد على أرض ترفض أن تنسى آلام أبنائها.

لذا، يبدو أن الكتاب لم ينفذ إلى جذر الإشكال اللاهوتي-السياسي، بل بقي في فضاء التشبيه والمقارنة بين الفداء الإلهي والتحرر الإنساني، وكأنه يقول في صيغة لاهوتية: (إذا كان الصلب نموذجاً للفداء، فإن فلسطين تختبره عملياً .. على أرض تُؤله معاناة شعبها فتجعل من الفداء دعوة للعدالة والتحرير)، وهو منهج يثير التعاطف لكنه لا يُنتج معرفة جديدة، فالربط بين المسيح والفلسطيني، رغم صدقه الرمزي العميق، يحتاج إلى تفكيك فلسفي لآليات السلطة والعنف والخلاص، شيء لم يجرؤ عليه معظم اللاهوتيين العرب بعد. أما تطرّقه إلى المناضلين مانديلا وغاندي، فهو مؤشر إلى استدعاء رموز المقاومة كأيقونات أكثر منها أدوات تحليل. خلاصته: هو إذن لاهوت وجداني أكثر منه تحرّري بالمعنى النقدي البنيوي.

وبدوري في الختام، وبصيغة تأملية شاعرية أقول: على أرض فلسطين صلب يعود كل يوم، ليس فقط ذاك الذي تحمّله خشب الصليب، بل صلب شعب يقاوم ليتحرر .. والمسيح من هناك يبدو رمز للفداء والنضال معاً.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (127) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي أنهيت قراءته من الجلدة للجلدة في جلسة واحدة، وقد حصلت عليه من معرض عام 2023 للكتاب ضمن (400) كتاب .. وهو سابع ما قرأت في أكتوبر ضمن (15) كتاب!

من فعاليات الشهر: كعادة كل عام، تتراكم الأعمال في خواتيمه، وأصبح وسطها، في سباق مع الزمن لاستدراك ما مضى من تقصير في خطة القراءة!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: الطب الروحاني وعلم النفس الديني / أخلاقيات القراءة / الزهر الأنيق / لغز اختفاء أجاثا كريستي / نقيض المسيح

تسلسل الكتاب على المدونة: 727

تاريخ النشر: أكتوبر 20, 2025

عدد القراءات:174 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *