BOOK0726
الكتاب
كيف تكون حراً: دليل قديم للحياة الرواقية
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
How to Be Free: An Ancient Guide to the Stoic Life - Epictetus - Enchiridion and Selections from Discourses – By: Anthony Arthur Long
المترجم/المحقق
رزان يوسف سلمان
دار النشر
دار المدى للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2020
عدد الصفحات
93
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/19/2025
التصنيف
الموضوع
حرية ليست كالحرية المتوقعة
درجة التقييم

كيف تكون حراً: دليل قديم للحياة الرواقية

كتاب قصير يصف فلسفة رواقية فائضة الطوباوية رغم ثقل ما حملته من معنى في حرية الإنسان .. الرواقية التي تروض النفس بالحكمة، وحكيمها الذي رأى الحرية تنبع من الداخل لا تتحصّل الخارج، حيث يأتي عنوان الكتاب الفرعي شارحاً: المختصر ومختارات من المحادثات لـ (إيبكتيتوس).

ففي روما القديمة، وبين القرنين الأول والثاني الميلاديين، يقف شيخ نحيل يجلله الصدق والتواضع والحياء بين تلاميذه من طليعة الشباب، يجود عليهم بحكمة رواقية بعد أن تجرّد من أغلال العبودية وترّفع عن ماديات الحياة إلى المدارك العقلية والمعارج الروحية، وهو الذي نُقش على قبره عبارة: “عبد أعرج معوز، ولكن عزيز لدى الآلهة”، وقد ترك إرثاً من التعاليم السامية ضمنّها تلاميذه في كتابين رئيسيين، هما (المحادثات) و (المختصر) … إنه إذاً الفيلسوف الرواقي (إبكتيتوس 55 : 125م).

إن هذا الكتاب الذي وضعه مؤلفه البروفيسور الأمريكي، وجاء في ترجمة جيدة من نصّه الأصلي (How to Be Free: An Ancient Guide to the Stoic Life – Epictetus – Enchiridion and Selections from Discourses) قد يُصنّف ضمن النصوص التي تُهذّب الوجدان دون أن تُملي أمراً ما، بل تشرح كيف للتوازن أن يتم وسط وهيج الاضطراب!

عني، ورغم أنني شرعت في قراءته كباحثة عن الحرية الفكرية تارة، وتارة بعين متأملة تفتش عن صفاء الروح، فقد وجدتني بين (أروقته)، أو كأنني كنت أسير في (ستوى / رواق) أبكتيتوس، أتأمل المارة لا بأعينهم بل بعيني الداخلية، تقودني مقولته الشهيرة التي تلخّص فلسفته: “ليست الأشياء هي ما يزعج الناس، بل آراؤهم حول الأشياء”.

وبينما تذبذبت الحرية التي نشدها أبكتيتوس، بين حالة من الانفصال عن العالم، وبين اتصال أعمق به، فقد بدت طوباوية في الكثير من أرجائها! قد يكون هذا عائد لأبكتيتوس الذي تشرّب العبودية رغم تحرره منها، وكأنها دُمغت في حمضه النووي، حيث بدت الحرية التي نادى بها أقرب إلى الاستسلام لما هو كائن، والحضّ على التعايش معه بل وعدم محاولة تغييره، إلى درجة تبدو معه تلك الحرية كيأس مغلّف، أو كتماهٍ مع ثقافة القطيع حسب تعبير العصر!

يبدو لي أن هذا هو لبّ المعضلة التي يتجاهلها معظم قرّاء الرواقية، فبينما حرّر أبكتيتوس نفسه من العبودية الجسدية، فقد أبقى على سلاسل الوجود كما هي، وبدلاً من تحطيمها، دعا إلى التوافق معها. كم تبدو الحرية لديه لا فعلاً، بل قبولاً متقشّفاً بالقدر، وكأنها حرية (اليائس النبيل)، حرية من لم يعد يريد أن يخسر أكثر مما خسر.

إن هذا التيار الرواقـي يجعل الإنسان ساكناً كصخرة على شاطئ القدر، لا يحارب الموج بل يتآكل بهدوء، وفي رأيي، هنا يظهر الفرق بين الحرية بمعناها الأبكتيتوسي، وحرية المتصوّف أو الوجودي .. فالأول يسلّم، والثاني يتجلّى، والثالث يخلق معنى رغم العبث!

قد يكون هذا النمط من القبول -لدى البعض- قوة روحانية في زمن الفوضى، أو شكل من أشكال الانسحاب الناعم من الفعل الإنساني المطلوب، إلا أنه -في رأيي- لا يزال استسلاماً مبطّناً. أجد هذه الصراحة الفلسفية في الحكم، كطعنة موجّهة نحو الوعي، لا ترحم التبريرات! نعم، إن الرواقية عند أبكتيتوس تحديداً تميل لأن تكون استسلاماً مؤنسناً، يجمّل العجز بلغة الفضيلة، فهو لا يثور على العالم، بل يحاول إقناع مريديه أن العالم كما هو ينبغي أن يكون كما هو، وأنهم أحراراً فقط في حب قيودهم بسلام! لذا، وفي رأيي، لا بد من فضح هذا “الهدوء المصطنع” في فكره، لأنه في جوهره نوع من المسكن الفلسفي لعجز وجودي عن سنة التغيير المحتوم! في كلمة قصيرة: إن أبكتيتوس هو ابن العبودية، لم يتحرر منها تماماً بل غلّفها بذهب الحكمة، غير أن الحرية الحقّة هي التي تواجه القدر ولا تبرره!

عليه، لا بد للقارئ ذو الثقافة النقدية أن يقف على تخوم السؤال الأزلي: هل نقبل بالعالم كما هو لنحيا بسلام؟
أم نُشعل فيه نار التغيير لئلا نغدو مجرد تماثيل من رواق الهدوء؟ أعتقد بإشعال النيران لكن مع توخي الحذر: ألا تنطفئ بل تبقى جذوتها مشتعلة، وألا تتعاظم فتأتي عواقبها بعكس ما أُشعلت من أجله! قد يكون هذا ما لم يقله الرواقـيّون ولا الثوار، إذ أنني اعتبرها فلسفة اللهيب الواعي .. النار التي لا تحرق، بل تُنير الطريق وتذكر البشر بأنهم أحياء. إنها ليست دعوة إلى الثورة العمياء، بل إلى التمرد المتزن، حيث يبقى الوعي هو الوقود والحد في آن واحد .. وكأنها صياغة لمذهب بين الرواقية والوجودية، لا يقبل بالقدر خنوعاً، ولا يقاتله جنوناً، بل يُهذّب النيران لتكون مصباحاً. كم يبدو كمذهب يندر أن يتجلى حتى عند من كتبوا في (فن العيش).

استحضر في الختام مقولة الفيلسوف الألماني نيتشه: “عليك أن تحمل في داخلك فوضى لتلد نجمة راقصة” .. غير أن الفوضى التي قصدتها ليست عشوائية، بل منضبطة بنبض الفكر، أو كإيقاع موسيقى روحية تعرف أين تبدأ ومتى تصمت!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (126) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، والذي أنهيت قراءته من الجلدة للجلدة في جلسة واحدة، وقد حصلت عليه من معرض الكتاب مايو الماضي ضمن ما يقرب (240) كتاب .. وهو سادس ما قرأت في أكتوبر ضمن (15) كتاب!

ملاحظة: جاءت هذه المراجعة كنقد لفلسفة إبكتيتوس أكثر من عرض مادة الكتاب نفسه، حيث وجدتها أشبه بمادة الكتاب الذي قرأته سابقاً للفيلسوف (المختصر).

من فعاليات الشهر: كعادة كل عام، تتراكم الأعمال في خواتيمه، وأصبح وسطها، في سباق مع الزمن لاستدراك ما مضى من تقصير في خطة القراءة!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: الجينوسايد أو جريمة الجرائم: مجريات محاكمة إسرائيل في لاهاي / ماسنيون في بغداد / الثقة: العيش بعفوية والإقبال على الحياة / لغز اختفاء أجاثا كريستي 

تسلسل الكتاب على المدونة: 726

تاريخ النشر: أكتوبر 20, 2025

عدد القراءات:568 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *